فريق 14 آذار الفلسطيني !

في لبنان اليوم كما في فلسطين، فريقان ونهجان سياسيان. في لبنان يقف الفريق الوطني، وعلى رأسه المقاومة الوطنية اللبنانية يمثلها بجدارة حزب الله، متحملا المسؤولية الوطنية وما تفرضه من أثمان. ويقف فريق 14 آذار يريد التنصل من كل ما يمت إلى عروبة لبنان بصلة، مراهنا على السياسات الأميركية داعيا إلى تجاهل خطر الكيان الصهيوني على لبنان، ومبديا استعداده لمهادنته والتعايش معه. وفي فلسطين الصورة نفسها مع اختلاف غير جوهري في التفاصيل، إذ تحاول المقاومة بقيادة (حماس)، بعد فوزها في الانتخابات التشريعية الأخيرة، اتباع نهج مختلف في التعامل مع الاحتلال لا يعتمد أساليب الخضوع والتنازل والاستسلام التي أشاعتها اتفاقية أوسلو، رافعة شعار التمسك بالحقوق الوطنية، بينما تقف أوساط في حركة (فتح) وحول (مؤسسة الرئاسة) وبعض الأتباع، في موقع 14 آذار اللبناني، مراهنة على السياسات والخطط الأميركية ذاتها، وقابلة بالإملاءات الإسرائيلية باسم (الواقعية) مرة، و باسم الانصياع لمطالب (المجتمع الدولي) و (قرارات الشرعية الدولية) مرة، وكلاهما مصطلحان لم يعودا يعنيان شيئا غير الدفاع عن التوسعية الإسرائيلية والمصالح الإمبريالية الأميركية. وإذا كانت ولادة فريق 14 آذار اللبناني قد جاءت على خلفية اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، فإن ولادة فريق 14 آذار الفلسطيني جاءت في أعقاب إعلان نتائج انتخابات المجلس التشريعي الأخيرة.
في لبنان يوجد شخص اسمه وليد جنبلاط يحاول أن يكون حصان طروادة جديدا لقوات الغزو الأميركية، وفي فلسطين شخص اسمه ياسر عبد ربه يحاول أن يكون يهوذا جديدا (وإن كان له منافسون عديدون) ، وكلاهما لم يحالفهما النجاح حتى الآن، لأنهما أوضح من أن يخدعا أحدا بما يقولان.ياسر عبد ربه، الذي كان (مسؤولا كبيرا) في فصيل فلسطيني (كبير)، انتهى منذ سنوات طويلة ليصبح مجرد (مستزلم) للرئيس الراحل ياسر عرفات، لا يمثل نفسه بل (صوت سيده)، ثم أصبح صوت سيده الجديد، الرئيس محمود عباس (وهناك من يقول محمد دحلان)، وكل إنجازاته في السنوات الأخيرة تمثلت في ما عرف باسم (تفاهمات جنيف- والبعض يقول تفاهات جنيف)!

قبل أيام، وبعد غياب لم يشعر به أحد، ظهر عبد ربه في مؤتمر صحفي عقده في رام الله ليفتح النار على كل الأطراف الفلسطينية، بدافع الحرص على المصالح الوطنية الفلسطينية بعد أن أصبحت تواجه تهديدا خطيرا لا يمكن السكوت عليه –كما سيدعي-، لكنه في الحقيقة لم يكن إلا ناطقا رسميا باسم فريق 14 آذار الفلسطيني! فماذا جاء في المؤتمر الصحفي وماذا كان الغرض منه؟
كان الهجوم على حركة (حماس) وحكومة هنية هما مضمون المؤتمر الصحفي لعبد ربه، لكنه من أجل إظهار موقفه (المستقل) عن (فتح) هاجم كل الأطراف في الساحة الفلسطينية ما طرح سؤالا عن الجهة التي ينحاز إليها ويقف إلى جانبها عبد ربه! فقد بدأ باتهام (حماس) بأنها تصر من خلال الشروط التي وضعتها لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية على استفرادها بالسلطة، وبحيث تكون مشاركة الفصائل الأخرى (مشاركة تجميلية). لكن هجومه لم يقتصر على (حماس) بل عم – كما قلت – كل الأطراف الفلسطينية متهما إياها بأن " لا أحد فلسطينيا يريد حكومة وحدة وطنية، وإنما هم يقولون ذلك لأنهم يريدون كسب المزيد من الوقت فقط "! ولا أظن أن أحدا فهم من أجل ماذا هذا (المزيد من الوقت) ! اللافت أن عبد ربه اتهم (حماس) بأنها تفعل اليوم ما كانت تفعله (فتح) من قبل، وهو ما سماه " ظاهرة تفتيح المؤسسات وتحميسها ". والسؤال الذي يوجه لعبد ربه هنا هو: لماذا لم تستفزه ظاهرة (التفتيح) قبل الآن، طالما أن (التحميس) يستفزه اليوم إلى هذا الحد؟! بالتأكيد لا تستفز عبد ربه ظاهرة (التحميس) اليوم تماما مثلما لم تستفزه ظاهرة (التفتيح) بالأمس، لكن الذي استفزه ويستفزه شيء آخر كشف عنه حديثه عن مواصفات حكومة الوحدة الوطنية التي يريدها ومعه كل فريق آذار الفلسطيني. يقول عبد ربه: " المطلوب هو حكومة توافق على قرارات الشرعية العربية والدولية والالتزامات التي تلتزم بها منظمة التحرير أمام الجهات الدولية، بالإضافة إلى هدنة من أجل وقف أعمال العنف بين الفلسطينيين والإسرائيليين ". إنها الشروط الإسرائيلية- الأميركية للتعامل مع أي حكومة فلسطينية أو طرف فلسطيني. هل عرفتم (الطرف) الذي ينحاز إليه عبد ربه ؟!

لكن عبد ربه، وهو يحاول أن يضلل سامعيه وقع في تناقض فاضح أكد على حقيقة ما يطالب به باسم فريق 14 آذار الفلسطيني. حدث ذلك عندما أكد أن " المهم هو تشكيل حكومة تحظى بالإجماع الوطني ومن ثم التوافق الدولي عليها "، أي أنه يريد انقلابا يبعد حركة (حماس) عن السلطة، أو يجبرها على أن تتبنى مقولات فريقه، فريق 14 آذار الفلسطيني ! لكن ذلك سيظل حتما من قبيل أمنيات عبد ربه وفريقه.