سجالات حادة في الأمم المتحدة

كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة في التاسع عشر والعشرين من أيلول الجاري مسرحاً لدراما حقيقية على خلفية تقديم رؤساء كل من الولايات المتحدة من جهة وإيران وفنزويلا من جهة  أخرى لآرائهم المتعارضة وتبادل كيل الاتهامات والانتقادات اللاذعة، في تأكيد على أن الخطط العدوانية الأمريكية المسوقة تحت عباءة الشعارات البراقة لم تتغير تجاه العالم من جهة وأن عزم بعض الدول على مواجهتها ما زال قائما ويزداد وضوحاً وقوة.

الرئيس بوش ألقى كلمته وقت الظهيرة. وبالتالي، لم تتحْ لمعظم الأميركيين فرصة متابعة الخطاب بأكمله لأنهم كانوا في العمل. كما أن القنوات التلفزيونية الأميركية ذاك المساء والصحف الصادرة اليوم التالي لم تنقلا سوى مقتطفات من كلمته. ونتيجة لذلك، فإن الجمهور الأميركي لم يطلع على التفاصيل.
وبالمقابل، ألقى الرئيس أحمدي نجاد خطابه في المساء، أي وقت ذروة المشاهدة التلفزيونية في الولايات المتحدة؛ كما أن العديد من القنوات التلفزيونية نقلت خطابه الكامل مباشرة على الهواء، مرفقاً بترجمة فورية، وهو ما أتاح للمشاهدين متابعة كلمته بالكامل من البداية إلى النهاية.
ومما كرس هذه الأجواء الدرامية ورود تقارير إخبارية طيلة اليوم تحدثت عن أن الرئيس بوش يرفض مقابلة أحمدي نجاد وجهاً لوجه، وأن موظفي البيت الأبيض حرصوا على ألا يلتقي أحدهما بالآخر في أروقة الأمم المتحدة. والواقع أن الرئيس الإيراني أبدى موقفاً دالاً في هذا الباب حينما لم يحضر حفل الغداء الذي أقامه أمين عام الأمم المتحدة على شرف كبار الموفدين؛ وهو ما زاد من تطلع الكثيرين إلى كلمته في المساء، والتي قاطعها بوش وكبار المسؤولين في الوفد الأميركي.

أفرد الرئيس بوش الجزء الأكبر من خطابه لسياسة تشجيع الحرية والديمقراطية في الشرق الأوسط. وفي هذا السياق، قال إن التغيرات التي شهدها أفغانستان والعراق خلال السنوات الخمس الماضية كانت "كبيرة"، إذ يتوفر البلدان اليوم على حكومتين منتخبتين ديمقراطياً. وبعد ذلك أشار إلى عدد من البلدان العربية الأخرى التي أجريت فيها انتخابات مؤخراً. وأشاد في هذا السياق بأن "الإمارات العربية المتحدة أعلنت مؤخراً أن نصف مقاعد مجلسها الوطني الاتحادي سيتم اختياره عبر الانتخابات"، مضيفاً أن كل هذه الانتخابات تشكل "تغيرات حقيقية" و"خطوات مهمة"، كما أنها تساهم في محاربة العنف والإرهاب.
إلى ذلك، خصص الرئيس بوش عدة جمل لنفي أن "يكون الغرب بصدد خوض حرب ضد الإسلام"، واصفاً هذا الاتهام بـ"الدعاية".
وبخصوص لبنان، أثنى الرئيس بوش على الشعب اللبناني وأشار إلى معاناته. إلا أنه ندد بـ"حزب الله"، قائلاً إنه بدأ الحرب الأخيرة بسبب "هجماته غير المبررة على إسرائيل". أما بالنسبة للفلسطينيين، فقد قال إنهم: "عانوا من عقود من الفساد والعنف والإذلال اليومي بسبب الاحتلال"، في حين "تحمل الإسرائيليون أعمالاً إرهابية وحشية وخوفاً دائماً من الهجمات"، ودعا الرئيس بوش حركة "حماس" إلى: "التخلي عن الإرهاب والاعتراف بحق إسرائيل في الوجود"، مشيراً إلى أنه يؤيد بقوة حل الدولتين.
غير أن إيران هي التي كانت هدف أشد انتقادات الرئيس بوش، إذ قال إن الحكام الإيرانيين يحرمون شعبهم من الحرية، ويستعملون ثروات البلاد لتمويل الإرهاب وتطوير أسلحة نووية، معتبراً أن عليهم أن يحجموا عن ذلك، ودون قيد أو شرط.
في المقابل دافع الرئيس الإيراني عن حق بلاده في امتلاك الطاقة النووية وانتقد الهيمنة الأحادية لأميركا على قضايا العالم، وقدم صورة مختلفة تماماً عن المنطقة وبلاده، مشيرا إلى أن إيران كانت ضحية أسلحة كيماوية في الحرب الإيرانية- العراقية؛ ومع ذلك، فلم تقمْ أبداً باستعمالها في الحرب وإلى أن في إيران "ديمقراطية حقيقية" شهدت 27 استحقاقاً انتخابياً في 27 عاماً منذ إسقاط نظام الشاه الاستبدادي.
وفي هجوم واضح على الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، انتقد أحمدي نجاد أعضاء من مجلس الأمن بمن فيهم أمريكا وبريطانيا، متهماً إياهم باستعمال المجلس والأسلحة النووية لتهديد وترهيب إيران ودول أخرى غير نووية، ومساعدة إسرائيل على امتلاك مثل هذه الأسلحة، متسائلا "لماذا تعارض بعض الحكومات هذا الحق؟"، ودان الذين "أنتجوا قنابل ذرية واستخدموها ضد الإنسانية"، في إشارة إلى الولايات المتحدة. وقال الرئيس الإيراني إن "مجلس الأمن لا يمكن أن يستخدم على ما يبدو إلا لتوفير امن وحقوق بعض القوى العظمى".
ودعا إلى إصلاح مجلس الأمن، مطالبا بمنح منظمات مثل حركة عدم الانحياز أو منظمة المؤتمر الإسلامي حق النقض (الفيتو).
ومقابل استخدام بوش المتكرر لمفردة "الحرية"، فقد كرر نجاد كلمة "العدالة". ومن بين النقاط الكثيرة التي أشار إليها أحمدي نجاد في خطابه، وصف العراق وأفغانستان وفلسطين من زوايا مختلفة جداً عن تلك التي استعملها الرئيس بوش، حيث قال إن البلدان الثلاثة تعاني تحت وطأة الاحتلال الأجنبي، والذي دعا إلى وضع حد له من أجل إحلال السلام والاستقرار بالمنطقة، مضيفاً أنه من الخطأ اتهام الفلسطينيين بالإرهاب على اعتبار أنهم يقاومون المحتل.

وأكد أن "المحتلين في العراق - وهم أنفسهم الأعضاء في مجلس الأمن - عاجزون عن بسط الأمن ولا يملكون الإرادة السياسية الضرورية للقضاء على مصادر عدم الاستقرار". وقال "لا يمر يوم في العراق دون مقتل مئات بدم بارد والمحتلون عاجزون عن إحلال الأمن" في هذا البلد".
كما عبر احمدي نجاد عن أسفه لمنع مجلس الأمن "من قبل بعض القوى العظمى من الدعوة إلى وقف إطلاق النار في لبنان خلال العدوان الإسرائيلي الأخير عليه"، في إشارة أخرى إلى الولايات المتحدة.
وانتقد "أبطال الديمقراطية المزعومين" لرفضهم الاعتراف "بالحكومة التي شكلها بصورة ديمقراطية" الفلسطينيون بعد الانتخابات التي فازت فيها حركة حماس المصنفة أمريكيا وأوروبيا إرهابية، ودان في الوقت ذاته إسرائيل التي وصفها بأنها كانت منذ تأسيسها وعبر تاريخها "مصدر للتهديد وعدم الاستقرار" في الشرق الأوسط.
ومن على المنبر نفسه الذي شغله الرئيس بوش قبله بيوم جاء خصم آخر حيث صرخ الرئيس الفنزويلي أوغو شافيز: "لقد جاء الشيطان إلى هنا أمس، هنا بالضبط"، مثيراً الضحك والقهقهات والتصفيقات الحارة في أوساط  الحاضرين لمدد طويلة اضطرت مسؤولي المنظمة إلى أن يطلبوا من المصفقين أن يكفوا.
ورفع شافيز نسخة من كتاب "الهيمنة أو الصراع من أجل الحياة: سعي أميركا إلى الهيمنة العالمية" لكاتبه نعوم تشومسكي، وأوصى أعضاء الجمعية العامة بقراءته، مثلما أوصى بذلك الأميركيين بدلاً من إمضاء كل وقتهم في مشاهدة أفلام سوبرمان وباتمان
وعرض شافيز مضاعفة كمية النفط المخصص للتدفئة الذي تتبرع به فنزويلا للفقراء في الولايات المتحدة. وذكّر الصحافيين بأن "سيتغو"، التي تملكها شركة "بيتروليوس" الفنزويلية، وزعت نفطاً بالمجان أو بأسعار مخفضة على المحميات القبلية الهندية وأحياء الأميركيين منخفضي الدخل مثل حي "البرونكس" في نيويورك. وفي هذا الإطار، قال الرئيس الفنزويلي "إننا مستعدون لمضاعفة تبرعاتنا من النفط"، وعزز ذلك خلال جولته الميدانية على تلك الأحياء في نيويورك.

معلومات إضافية

العدد رقم:
282