كارل روبيتشود كارل روبيتشود

رامسفيلد وفشل استراتيجية الحرب الجوية

تعد موجة الهجمات المضادة التي هزت أفغانستان هذا الشهر (منها ثلاث هجمات في يوم واحد، وهو ما رفع مجموع هذه الهجمات منذ 2005 إلى 69) تذكيراً محزناً بأن وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، الذي يتعرض حالياً لانتقادات لاذعة لدوره في العراق، لم يكن مهندس حرب فاشلة واحدة، بل حربين فاشلتين، وصاحب رؤية خطيرة حول كيفية استعمال القوة الأميركية.

لقد كان أغسطس من عام 2002 لحظة إعلان "إنجاز المهمة" بالنسبة لأفغانستان؛ حيث وصف رامسفيلد الجهد العسكري بـ"الإنجاز الكبير" و"النموذج الناجح لما يمكن أن يحدث للعراق". فأميركا من وجهة نظره هزمت "طالبان"، وفككت "القاعدة"، ووضعت أفغانستان على طريق الاستقرار والديمقراطية –وقد فعلت ذلك على طريقة رامسفيلد، أي بتكلفة قليلة وحد أدنى من الخسائر البشرية.
غير أن المهمة لم تنجز أبداً في واقع الأمر؛ فبعد خمس سنوات على أحداث الحادي عشر من سبتمبر، أخذت جهود الولايات المتحدة في أفغانستان، مثلما في العراق، تتبخر. إذ ما تزال حكومة البلاد ضعيفة وفاسدة، كما أنها تواجه عراقيل عدة مثل مؤشرات التنمية التي تبعث على القلق، وازدهار زراعة الأفيون، وانبعاث حركة التمرد من جديد. وعليه، لنا أن نتساءل: كيف ساءت الأمور إلى هذا الحد وبهذه السرعة؟ مما لاشك فيه أن رامسفيلد وفريقه ارتكبا أخطاء تكتيكية، إلا أن جذور هذه الأخطاء توجد في مشكلة أكبر تتمثل في مفهوم ساذج وخطير، هو مفهوم القوة الأميركية، الذي يلقى رواجاً متزايداً بواشنطن.
من الناحية العسكرية، تشدد عقيدة رامسفيلد على الاعتماد على التكنولوجيا العالية والقوة الجوية، وتقلل من أهمية قوات برية كبيرة. أما عواقبها فتتمثل في أن أميركا تعمل على نحو أفضل عندما لا تعترض طريقها المؤسساتُ الدولية، وأن القوة يمكنها أن تحقق الأهداف السياسية مع قليل فقط من التداعيات طويلة المدى.
وقد كانت أفغانستان المختبر الذي جُرب فيه هذا المفهوم الجديد للحرب والقوة الوطنية. لقد سعى "البنتاغون" تحت رئاسة رامسفيلد إلى إثبات أنه يمكن للمجموعات الصغيرة من القوات البرية، إذا ما تم دعمها بقوة جوية جبارة، الانتصار في الحروب –وهو ما يُعد نظرياً مقاربة جيدة لأنها تحد من الإصابات الأميركية والنفقات.
والواقع أن حالات فشل هذه العقيدة في العراق موثقة جيداً، غير أن قصورها في أفغانستان لم يستأثر باهتمام كبير لأن تدهور الأمور جرى ببطء وفي غياب اهتمام كبير من قبل وسائل الإعلام.

لقد تم التغلب على "طالبان" من قبل فرق صغيرة من القوات الخاصة، التي نفذت ضربات جوية مدمرة وأرشدت حلفاءها الأفغان على الأرض، غير أن النصر لم يتحقق أبداً. ذلك أن وكلاء الولايات المتحدة الأفغان سمحوا لـ"القاعدة" وأسامة بن لادن بالفرار وإعادة تأسيس عملياتهم في باكستان. فقد تم طرد حركة "طالبان" من أفغانستان، غير أنه لم يتم أبداً تفكيكها أو استيعابها سياسياً. فكان من نتائج ذلك أن جعلت قواتها، استلهاماً من النموذج العراقي، هذا العام الأكثر دموية حتى الآن.
لقد همشت واشنطن المؤسسات الدولية؛ وطالما ألحت على أن تقتصر قوة حفظ السلام على العاصمة كابول؛ وفوضت الأمن للمجاهدين في الأقاليم؛ وخاضت حرباً خُطط لها على نحو سيئ ضد "طالبان"، ضمت ضربات جوية واعتقالات مدنية لم تكن محددة ودقيقة بما يكفي ومثيرة لاستياء الأفغان. كما أنها التفت على الأمم المتحدة من أجل تقسيم مسؤولية إعادة إعمار الدولة الأفغانية بين عدد من البلدان الغربية في إطار محاولة عشوائية ومكلفة ازدادت صعوبة في غياب تنسيق رسمي.
أما النتيجة، فكانت تدهوراً مطرداً في الأوضاع بأفغانستان، مثلما في العراق. الأكيد أنها حروب الرئيس، غير أنها خيضت تحت استراتيجية رامسفيلد. وكل واحدة من تلك الحروب استندت إلى مفاهيم غير واقعية لما يمكن تحقيقه بالقوة، وكل واحدة منها قللت من أهمية الشرعية الدولية. والواقع أن أفغانستان لم تُفقد بعد، غير أن ما تطلب القليل من الوقاية ذات يوم، يتطلب اليوم الكثير من العلاج.

معلومات إضافية

العدد رقم:
282