نداء برلمانية أفغانية شابة: الشعب الأفغاني يائس.. وواشنطن تدعم أمراء الحروب

في التاسع من أيلول 2006 ألقت مالالاي جويا، وهي نائبة  شابة في البرلمان الأفغاني كلمة خلال انعقاد مؤتمر الحزب الديموقراطي الجديد NDP الاتحادي في كيبيك – كندا، سلطت الضوء من خلالها على معاناة الشعب الأفغاني الذي خرج من «تحت دلف» طالبان لـ«تحت مزراب» الاحتلال الأمريكي وصنائعه في أفغانستان من أمراء الحروب وتجار السلاح والمخدرات. ومع ارتفاع وتيرة العمليات والهجمات التي تستهدف القوات الأمريكية والأطلسية والدولية في أفغانستان تأتي هذه المادة لتشكل شهادة من الداخل الأفغاني عن واقع أفغانستان بعد سنوات خمس من غزوها تحت شعارات التحرر والديمقراطية على الطراز الأمريكي.

أيها الأصدقاء الأعزاء. باسم الديموقراطية والسلام، أود أن أنقل إليكم أحر تمنيات الشعب الأفغاني. وقبل أن أتحدث عن الوضع في بلدي، أرغب في أن أشكر من كل قلبي أصدقائي في الحزب الديموقراطي الجديد، الذين فكروا في أخواتهم الأفغانيات ودعوني لحضور هذا التجمع.
أيها الأصدقاء المحترمون، بعد خمس سنوات من سقوط نظام طالبان الهجين والمعادي للديموقراطية، بعد خمس سنوات تقريباً من بداية الهجوم الذي قادته الولايات المتحدة ضد أفغانستان، ربما ترغبون في أن أتحدث إليكم عن التقدم وعن النتائج الإيجابية في أفغانستان، لكن يؤسفني أن أعلمكم بأنّ أفغانستان ماتزال أرضاً تعاني حريقاً مزدوجاً.
لقد أطاحت الحكومة الأمريكية بالفعل بنظام طالبان، بعقليته القروسطية وسادته من منظمة القاعدة، لكنها سمحت لتحالف الشمال بالوصول إلى السلطة من جديد. هذه المجموعة تشبه طالبان على مستوى العقيدة، وهي لا تقل وحشية ومعاداةً للديموقراطية عن الطالبان، بل هي أسوأ أحياناً.
في كانون الأول من العام 2003، وبوصفي نائبةً في البرلمان، تحدثت عن إجرام تحالف الشمال وعن الأخطار التي قد يعرض أفغانستان لها. لكن اليوم، تقبل الأمم المتحدة نفسها أن تصبح أفغانستان دولة مخدرات في ظل نظام هذا التحالف.
عليّ أن أقول لكم بأنّ وضع الشعب الأفغاني لم يتغير بكل أسف. حين يعيش البلد بأكمله في ظل السلاح الحربي وأمراء الحرب، كيف تستطيع نساؤه التمتع بأبسط الحريات؟ وعلى العكس من الدعايات التي تنشرها بعض وسائل الإعلام في الغرب، فالرجال والنساء في أفغانستان لم "يتحرروا" على الإطلاق.
أود أن أصف لكم حقيقة بلدي في خضم الأزمة، حتى وإن لم أصف إلا الجزء الظاهر من جبل الجليد.
وفق تقديرات الأمم المتحدة، فإن أفغانستان بلد يواجه أزمة صحية أسوأ بكثير من تلك التي تسبب فيها التسونامي. يموت كل يوم 700 طفل وما بين 50 و70 امرأة بسبب نقص الخدمات الصحية. وماتزال نسبة الوفيات لدى الأمهات الأطفال شديدة الارتفاع، إذ يتراوح عدد النساء اللواتي يتوفين أثناء الولادة بين 1600 و1900 من كل 100 ألف امرأة. أما متوسط العمر، فيقل عن 45 عاماً.
لدى النساء الأفغانيات، يرتفع معدل الانتحار بشدة. فوفق استبيانٍ أجرته منظمة اليونيفيم مؤخراً، ينظر 65 بالمائة من الأرامل الـ 50 ألفاً اللواتي يعشن في كابول إلى الانتحار على أنه المخرج الوحيد للهرب من البؤس المريع الذي يعشنه. علاوةً على ذلك، فالاستبيان يبرهن على أنّ النساء الأفغانيات يقعن ضحايا للعنف النفسي والجنسي.
في بلدٍ يحتاج بشدة إلى جهود إعادة الإعمار، يعاني 40 بالمائة من القوى العاملة من البطالة، كما يعيش معظم السكان تحت مستوى الفقر. تصنف أفغانستان في المرتبة 175 من أصل 177 في مؤشر التنمية البشرية في الأمم المتحدة.
ومن سخرية القدر أن ذلك يجري في بلدٍ حصل على 12 مليار دولار، وقد وعد بعشرة مليارات أخرى من الدولارات في مؤتمر لندن في العام الماضي. لكن معظم هذه الأموال ستذهب إلى جيوب أمراء الحرب، كي يتمكنوا من قمع بلادنا على نحوٍ أفضل.
تتواصل الجرائم وأعمال العنف التي يمارسها أمراء الحرب المتطرفون، وذلك تحت سمع وبصر القوات الأمريكية وقوات الايساف. لقد اغتصب مجرمون مسلحون من تحالف الشمال فاطمة البالغة من العمر 14 عاماً، وكذلك أمها. واغتصبوا رحيمة، 11 عاماً، وجدتها البالغة 60 عاماً. هذا بلدٌ قتلت فيه أمينة، 30 عاماً، بالجلد، وأصبحت ناديا أنجومان هدفاً سهلاً لعنف زوجها لأنّه كان على يقين من أنه سيتمتع بدعم أمراء الحرب التابعين لتحالف الشمال.
في ظل نظام طالبان، أصبحت وزارة الرذيلة والفضيلة رمزاً للانتهاكات الاعتباطية، لاسيما على حساب النساء والفتيات الأفغانيات. لكن اليوم، قررت رئاسة الوزراء الأفغانية إعادة تفعيل هذه الوزارة الرهيبة بدلاً من التركيز على سد الاحتياجات الهائلة للمجتمع الأفغاني.
في تصريحٍ أدلت به في العام الماضي اللجنة الأمريكية لحماية الصحافيين، قالت: "يواجه الصحافيون الأفغان ضغوطاتٍ كبيرة تمارسها السلطات الأفغانية، بما في ذلك تهديدات وإرهاب بل وحتى السجن والقتل". هذا ما يجري في الوقت الذي يتحدث فيه السيد كرزاي ووسائل الإعلام الغربية عن حرية التعبير في أفغانستان.
يتعرض أولئك المدافعون عن العدالة للتهديد بالقتل. في السابع من أيار 2006، اعتدى علي جسدياً نائبان في البرلمان من أنصار أمراء الحرب والمخدرات، لأنني قلت الحقيقة. كنت قد تحدثت عن جرائم تحالف الشمال بل إنّ أحدهما صاح قائلاً: "إنها عاهرة، خذوها واغتصبوهاَ!"
بدلاً من منح الثقة للناس لتحويل أمراء الحرب المجرمين هؤلاء ليمثلوا أمام العدالة، فإنّ الرئيس حميد كرزاي يمنحهم مراكز أعلى. فعلى سبيل المثال، عين هذه السنة 13 قائداً سابقاً، لديهم صلات بتجارة المخدرات وبالجريمة المنظمة والميليشيات غير الشرعية، في مراكز قادة رفيعين داخل الشرطة.
بسبب الوضع التراجيدي للوضع في أفغانستان، ليس لدى اللاجئين الأفغان الأربعة ملايين المسجلين في إيران وباكستان أية رغبة في العودة إلى بلادهم.
أيها الأصدقاء الأعزاء، الحكومة الأمريكية تكرر باستمرار أنّها لن تكرر أخطاء الماضي بمساندة المتطرفين. لكن الحقيقة المؤلمة هي أنّ الولايات المتحدة ترتكب نفس الأخطاء بالضبط. فهي تساند المتطرفين بسخاء، أكثر مما فعلت في أي وقتٍ مضى. الولايات المتحدة تتبع تحالف الشمال، هؤلاء الأشخاص نفسهم الذين حولوا أفغانستان إلى جحيم بين العامين 1992 و1996، ومايزالون يمثلون خطراً هائلاً على استقرار بلادي وسلمها.
لقد ضمت الحكومة الأمريكية قلب الدين حكمتيار إلى قائمة أكثر الإرهابيين عرضةً للملاحقة، لكن 34 من أعضاء حزبه أعضاء في البرلمان الأفغاني. الولايات المتحدة تعمل مع متطرفين مناصرين للولايات المتحدة، وهي تعارض فقط المتطرفين المناهضين لها. هذا هو السبب في تهكم الناس على "الحرب على الإرهاب".
بل إنّ الانتخابات البرلمانية نفسها وصمة في جبين الديموقراطية، حتى إذا كانت وسائل الإعلام الغربية قد وصفتها بأنها نجاحٌ كبير. وفق منظمة هيومان رايتس ووتش، يتهم 70 بالمائة من أعضاء البرلمان بجرائم حرب، ومن بينهم أعضاء في الحكومة الشكلية، وتجار مخدرات، وطالبان، وقتلة من تحالف الشمال.
أيها الأصدقاء الأعزاء، الولايات المتحدة لا تهتم بجذور الإرهاب في أفغانستان. هذا هو السبب في أننا لا نعتبرها "محرراً" لبلدنا.
أتمنى أن تكونوا قد فهمتم، بمساعدة الأمثلة الصغيرة التي ذكرتها، أنّ بلدي مايزال تحت قبضة المتطرفين والإرهابيين القتلة واعتقد أنّه ما من بلدٍ يستطيع تقديم الحرية لبلد آخر، بل إن الشعب وحده هو القادر على تحرير نفسه، والدليل على ذلك الأحداث الحالية في أفغانستان والعراق.
أعتقد أنّه إذا كانت كندا وحكومات أخرى ترغب حقاً في مساعدة الشعب الأفغاني وإجراء تغييرات إيجابية، فينبغي أن تفعل على نحوٍ مستقل، بدل أن تصبح أداةً تستخدمها الحكومة الأمريكية لفرض سياساتها السيئة. ينبغي أن تنحاز إلى حاجات ومطامح الشعب الأفغاني وأن تتوقف عن مساعدة أمراء الحرب والعناصر الرجعية والجاهلة داخل النظام. وبتبني مثل هذه المقاربة فقط، تستطيع البلدان اكتساب ثقة الناس والبرهنة على صداقتها للشعب الأفغاني.
نحن نأسف للغاية لمقتل جنود كنديين في أفغانستان. إذا لم تكن الحكومة الكندية قادرة على التصرف على نحوٍ مستقل بدل السير وراء برنامج البنتاغون، نخشى أن لا تفيد جهود القوات الكندية إلا الحكومة الأمريكية أولاً، وليس الشعب الأفغاني.
نريد أن تمارس الحكومة الكندية ضغطاً كي يزاح عن السلطة مجرمون مثل سياف، رباني، قانوني، محقق، فهيم، الملا راكيتي، آل خالجي وآل برشامي، ويحالوا إلى العدالة. ينبغي أن يعلم أصحاب القرار الكنديون أنّ أمراء الحرب من تحالف الشمال هم مسؤولون أيضاً عن الظروف المأساوية التي يعيشها الشعب الأفغاني وعن البؤس الذي يسود حالياً في أفغانستان.
أنا مدركة للمصاعب وللتحديات، ولخطر الموت على يد القوى المعادية للديموقراطية. لكنني أثق بشعبي. ربما يقتلونني يوماً، لأنّ لديهم أسلحة نارية، ولديهم السلطة، وكذلك مساندة الحكومة الأمريكية، لكنهم لن يتمكنوا أبداً من دفعي إلى الصمت أو إلى إخفاء الحقيقة.
شكراً.

معلومات إضافية

العدد رقم:
283