جهاد أسعد محمد جهاد أسعد محمد

أنظمة دول (الاعتدال).. مهام أمريكية مستعجلة..

لعلها المرة الأولى في تاريخ التبعية التي تحكم علاقة الأنظمة العربية بالراعي والحامي الأمريكي التي تفرض فيها الولايات المتحدة على (حلفائها المرتعدين) الذين يشكلون الغالبية الساحقة من أنظمة الحكم في العالم العربي أجندات صارمة وتفصيلية محددة بآجال زمنية قصيرة المدى، غير قابلة للتأجيل أو الأخذ والرد، أو حتى مجرد إبداء الرأي أو تقديم (النصيحة) فيما يتعلق بالشؤون الثانوية أو الهامشية منها، فهذه الأجندة المتخبطة ببنيتها وجدولتها وأولوياتها محكومة بأزمات كبيرة جداً، داخلياً وخارجياً، وبوقت يتناقص بتسارع كبير وممانعات واستعصاءات متفجرة وغير قابلة للاستشراف أو التوقع..

مؤشرات ودلائل كبيرة وكثيرة وممتدة من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب تجعل الأمريكيين يشعرون أن خيوط العالم قد بدأت تفلت بشكل نهائي من بين أصابعهم، ولا تقدم الكثير لإيقاف هذا التدهور غير المسبوق أجهزة التحكم عن بعد أو عن قرب التي يملكونها، ولا وكالة الاستخبارات بجواسيسها ومستخدميها، ولا العملاء المباشرون وغير المباشرين، ولا حتى الدراسات الاستراتيجية المتتابعة منذ أواخر الخمسينات من القرن الماضي والتي لم تتوقف أبداً..
فإذا كانت بعض بقاع الأرض غير مهمة استراتيجياً من المنظور الأمريكي، وليس على درجة كبيرة من الأهمية بذل الجهود المضنية لإبقائها تحت السيطرة المباشرة (وخاصة إذا كانت خالية من مصادر الطاقة، وليست في موقع أو سلوك ذي تأثير على هندسة خريطة العالم الذي يتصوره عتاة البيت الأبيض والبنتاغون)، فإن بقاعاً أخرى، وخصوصاً في الشرقين الأدنى والأقصى، من غير الوارد أو القابل للتصديق أمريكياً أن تترك مقاديرها لحركة التطور الطبيعي، وهنا مربط الفرس..
فثمة أشياء في (منطقة الشرق العظيم) أو (الشرق الأوسط) كما يطيب للقوى الاستعمارية أن تسميه، على وجه التحديد، بات الأمريكيون يدركون أنها قد وصلت إلى مرحلة التحول النوعي، بعد أن ظلت تتراكم طوال أكثر من قرن، وبما أن هذا التحول النوعي الذي بدأت ملامحه بالاتضاح بعيد احتلال العراق مباشرة الذي لم تهدأ فيه المقاومة يوماً واحداً، ورسمت فيه السياسة الوطنية الإيرانية الساعية للتحرر والتقدم التقني والعسكري أحد أبرز خطوطه، وتجلى بـ(أخطر) صوره في الصمود الأسطوري للمقاومة اللبنانية ضد العدوان الصهيوني صيف هذا العام، وما أعقبه في لبنان وفلسطين والشارع العربي بدايةً، من تصاعد للنفس المعادي للهيمنة الأمريكية، ومن ثمّ انتقال عدواه إقليمياً إلى أكثر من موقع في الشرق.. أفغانستان التي استيقظت فيها المقاومة ضد القوى الإمبريالية المتحالفة على احتلاله.. والسودان الذي تجرأ على الإجهار بعداء صارخ للمشروع الأمريكي الهادف إلى تقسيمه..إلخ، كل هذه التغييرات (المفاجئة) تجعل الأمريكيين الآن، الدبلوماسيين والعسكريين على السواء، يستشعرون ضرورة إنجاز مشروعهم (المشرقي الجديد) الذي تلقى ضربات متلاحقة ويكاد أن ينهار بالسرعة القصوى وبكل الوسائل المتاحة ومهما كانت التكاليف أو العواقب، خاصة وأن جميع القرارات الدولية التي استصدروها في مجلس الأمن لم تقدم الحاسم والمرتجى..
من هنا، جاءت جولة رايس الأخيرة للمنطقة العربية ولحكام دول (الاعتدال) على وجه الخصوص لفرض خطوات محددة على هؤلاء الحكام يجب أن يقوموا بسيرها دونما إبطاء، حتى وإن أدى ذلك لإحراجهم بشدة أمام شعوبهم، وفضح ما ظل مستتراً من عوراتهم، وهذه الخطوات تتوزع مساراتها غير المتشعبة كثيراً لا من حيث الشكل ولا من حيث المضمون بين لبنان وفلسطين وسورية والعراق وإيران في وقت واحد، فالمطلوب أمر واحد لا غير: ضرب القوى الممانعة أو المقاومة، والعبث بالسلم الأهلي في هذه البلدان، والحقيقة أن بعض هؤلاء الحكام بما يملكون من أجهزة وأموال وسطوة وتأثير تاريخي، استطاعوا أن يدفعوا الأمور ولو مؤقتاً بالاتجاه الذي يريده أسيادهم القادمين من وراء البحار..
ففي فلسطين استطاعت اليد العابثة المحلية بارتباطاتها الإقليمية والدولية أن تختلق مقدمات نزاع قد يصبح في منتهى الخطورة في حال تصاعد أكثر ومضى باتجاه الاستمرار في إسالة دماء (أخوة السلاح)..
وفي لبنان الذي أغرقته سياسات الليبرالية الجديدة بالديون وخلق له التدويل التاريخي الأزمات السياسية، ماتزال الأقلية التي تحكمه باسم الإمبريالية ولصالحها تبذل كل ما باستطاعتها للنكوص السياسي بالانتصار العسكري الذي حققته المقاومة ضد العدوان الأمريكي الصهيوني على الشعب اللبناني، متلقية في هذا السبيل كل الدعم اللازم السياسي والمالي من الحلفاء الإمبرياليين ومن أنظمة دول الخليج ومصر والأردن..
وفي العراق الذي تتزايد فيه حدة وإصرار ودقة المقاومين، يحاول عرابو المشروع الأمريكي دفع جميع الأطراف المفاخرين بطوائفهم وعروقهم إلى مزيد من خلق نقاط الاختلاف والتباين مع (خصومهم) أو (أعدائهم) في الداخل لصالح تمتين علاقتهم مع حلفائهم وربما أشقائهم الأمريكيين!!
أما النشاط الدبلوماسي الحثيث والأموال الباذخة والجهد المركز، فيجب أمريكياً أن ينصب على ما يسمونه المحور السوري الإيراني وتشعباته في لبنان وفلسطين والعراق، وهذا الملف هو الأسخن الآن بفضل الضغط الدبلوماسي والسياسي والاقتصادي على نقطته (الأضعف) سورية، متضمناًُ فيما يتضمنه دعم قوى (المعارضة) السورية سواء الموجودة في الداخل أو في الخارج، وقد وصل التخطيط  إلى مرحلة جد خطيرة، وقد تحمل الأيام أو الأسابيع القادمة قفزة (عدوانية) في التنفيذ قد تكون واسعة وشاملة..

معلومات إضافية

العدد رقم:
284