من هم قادة العالم؟

يقلق الكثيرين سؤال حول من هم في واقع الأمر قادة العالم. تتكسر رفوف مخازن الكتب من ثقل الكتب التي تبحث في هذا الموضوع، كما تعد الإشاعات والآراء المطروحة في هذا المجال جوهر ومحور المقالات والتحقيقات الصحفية. يمكن لكل فرد أن يعتمد التفسير الملائم لمزاجه وذوقه. وبالتالي من الواضح أّنه في حال وجود "حكومة عليا" سرية، فأول ما يجب أن تفكر به هو إخفاء المعلومات الحقيقية عنها. والطريقة المثلى لفعل ذلك هي ـ إغراق المعلومات الحقيقية في بحر من القشور الفارغة.

بالتالي فإنّ 99% من مواد البحوث التي تدعى بالسرية ـ هي محض تزوير وتضليل إعلامي مقصود. أي إنّ دراستها ـ هي مجرد هدر للجهد وإضاعة للوقت. يمكن للتحليل البسيط أن يعطي نتائج موثوقة أكثر، ولنجرب استخدامه.
1 ـ من النظرة السريعة لما يسمى بالديموقراطية الغربية سرعان ما يقفز إلى العين ما يبدو بنية حكم وقيادة متشابهة، ذات مدلول واحد في هذه المجتمعات، بنية غير قادرة على تأمين ليس النمو فحسب، بل وحتى الاستقرار البسيط. يمارس القادة السياسيون في القمة ترهات سياسية تافهة، لا تحتاج لأية إرادة أو ذكاء أو تعليم. فضلاً عن أنّ الحكومات كثيراً ما تتغير، وتحتل الأزمات والفضائح حصة الأسد من العملية السياسية الواضحة. المثال الجلي على ذلك الحالة الإيطالية. لقد انقرض نموذج "رجل الدولة" الذي كان مشهوراً سابقاً. وتعمل الآليات الانتخابية عملياً بلا جدوى. يقوم الناس بعملية الانتخاب على أساس المقارنة بين الشخصيات المرشحة من الأشباح الإعلامية. وبالتالي فالجاذبية النسبية لهذه الأشباح تتعلق مباشرة بكمية النقود التي تضخها في الحملة الانتخابية، وبمدى حرفية المنتجين وصناع السياسيين. تتناقض الصفات الشخصية الضرورية للوصول إلى السلطة في هذه الانتخابات مع تلك الصفات الضرورية للقيام بالحكم لصالح المجتمع. نصل إلى استنتاج بوجود مستوى أرفع من القيادة، يؤمن صلابة البنية بكاملها.
2 ـ تعود السلطة الحقيقية في هذه الأيام إلى الناس الذين يملكون حق الوصول إلى معالجة واستخدام نوعين من التكنولوجيا:
ـ تكنولوجيا إدارة الوعي الجماهيري،
ـ تكنولوجيا إدارة النخب الأقل مستوى بكثير.
لمسنا ومازلنا نلمس بأنفسنا الاستخدام الواقعي لهذين النوعين من التكنولوجيا الحديثة. من المعروف أنّ مجموعة من الناس تدعى اصطلاحاً بـ"النخبة المالية العابرة للحدود القومية" هي من أوصى وطلب تصميم ووضع هذه التكنولوجيا. وهكذا يتبين أنّ التيارات المعلوماتية في الوقت الراهن أهم من المالية، والأخيرة تجري وراء الأولى. فأزمة البلقان المفتعلة، على سبيل المثال، أدت إلى خروج رأس المال من أوربا، وأدت إلى تخفيض آفاق اليورو...الخ
يقع موطن ومركز تصميم وتصنيع واستخدام التكنولوجيا المذكورة على أراضي الولايات المتحدة وبريطانيا. لكن مقدرة الذين أوصوا وطلبوا تصنيع هذه التكنولوجيا على الاستمرار في إدراتها ومراقبتها، تدعو للشك. وتمتاز هذه الابتكارات في أنّه يمكن استخدامها ضد طالبيها ومن أوصى عليها. ولن استغرب، إن علمت بأنّ الفأر أكل الهر.
3 ـ تعطي هذه التكنولوجيا من وجهة النظر الاقتصادية مفعولاً حاداً. وفعالية التكنوولجيا الأخرى بالنسبة لها تشبه صيد السمك بالصنارة، بالمقارنة مع صيد السمك باستخدام الديناميت. فعلاً، ما المغزى من تحسين نوعية البضاعة وهدر الكثير من النفقات، عندما يمكن ببساطة إقناع الناس باقتناء نوع محدد من البضاعة؟ ما المغزى من تطوير عملية التعاون ذات المنفعة المتبادلة للأطراف الأخرى، عندما توجد إمكانية لإقناع السكان الأصليين بأن يعطوا كل ما لديهم مجاناً وبلا مقابل؟
إليكم هذا المثال المبالغ فيه:
لنفترض وجود مقاطعة فيها مناجم، وأصبحت المناجم غير مربحة، ومن الضروري إغلاقها. تظهر ضرورة نقل السكان، وإعادة تعليمهم، إعادة تأمين عمل لهم...الخ.
لكن لا يستطيع الجميع أن يتعلموا من جديد، فضلاً على أنّه لا يمكن دائماً تأمين فرص عمل جديدة ...الخ. أما إذا تم إقناع جميع أولئك الناس أن يخنقوا أولادهم في مغاطس الحمامات، وأن ينتحروا هم أنفسهم، "فستحل" المشكلة بسهولة كبيرة، مع أقل قدر من النفقات. في الواقع لا تبدو الأمور بهذه البساطة، مع تطور الأحداث تجري كلمات ذات منشأ علمي حول "تنظيم الأسرة"، "التربية الجنسية" وغيرها وما شابه. لكن النتيجة ستكون هي ذاتها. إنّ الفاعلية الحقيقية والعظيمة جداً للتكنولوجيا الحديثة تقود إلى تركيز الجزء الأكبر من الموارد المالية والذهنية لتطويرها بالتحديد. يجري إبطاء التقدم العلمي التكنولوجي في باقي المجالات بشكل كبير، أو يتوقف عملياً. تتطور بشكل ملموس، فقط، ما تسمى تكنولوجيا المعلومات، ووسائل الخدمات، وبعض مجالات علم الجينات الوراثية. حتى في المجال العسكري لا يجري التطور بهذا الشكل. يلاقي الاستثمار في مجال وضع وتصنيع تكنولوجيا المعلومات، وهذا يعني تكنولوجيا إدارة الوعي والتحكم به، استمراراً وتطوراً بارزاً. ويرى العاملون في هذا المجال أنّ التحكم الإعلامي والمعلوماتي بالوعي ليس غير محدود. وما جرى عملياً هو إطلاق آلية الاصطفاء الطبيعي للـ"غباء". وسيتم التحكم تكنولوجياً بالبلهاء، وسيجري تعريضهم لآثار وأفعال قصوى تجعل من استمرار ذريتهم أمراً مستحيلاً. ويمكن أن يحصل الآخرون على آثار ضارة من تلك الأفعال. وهنا تصبح علوم الجينات الوراثية ضرورية للتحكم المباشر بالوعي وإدارته.
4 ـ تخلق مسألة امتلاك تكنولوجيا التحكم عند ممتلكيها، من وجهة النظر النفسية، أوهاماً بأنّهم شخصيات فوق بشرية. عملياً، هم يتخذون قرارات تحدد الدول التي يسمح لها أن تتطور، والدول التي ستضع أسنانها على الرف (أي لا تجد ما تأكله). من هي الشعوب التي ستعيش، ومن هي الشعوب التي يجب أن تموت، ويجري الآن تعداد الملايين! ويتحول البشر في الواقع إلى أصفار وجداول على أقراص الكومبيوترات، ولوحات تسلية على شاشات المقاتلات. سيقول أي عالم نفس إنّ هذه اللعب تجذب نوع معين من المرضى النفسانيين.
5 ـ تعد هذه الظواهر الجديدة عن "الحكام القادة"، من وجهة النظر الطبية، تعبيراً عن انتكاسة مرضية وانحراف في المجال النفسي والجنسي.
من السهل البرهان على هذه الفرضية. تعود بدايات تصميم تكنولوجيا التحكم بالوعي الجماهيري إلى مشروع هارفارد المشهور. ومن المعروف، أنّه، للمشاركة في هذه التصاميم، دعيت وجذبت منذ البداية الشخصيات ذات المواقف السلبية من الجنس البشري. لا يوجد مجال آخر، فالمشروع المذكور تأسس وأقيم نتيجة تضامن المنحطين نفسياً وميلهم للقيام بالأفعال المعادية للمجتمع. كما أنّ تكنولوجيا التحكم بالنخب من المستوى الأدنى بنيت على هذا المبدأ. فمن الواضح أنه من الصعب إقناع الإنسان الطبيعي بأنّ تدمير دولته الخاصة والقضاء على شعبه الخاص يعد خيراً بالنسبة له. ومن جهة أخرى من السهولة إيجاد في صفوف النخبة الفاعلة في أية دولة العشرات من الصنف الآخر الذين يمكن إقناعهم بأنّ انحرافهم الواضح ليس مرضياً ولا تشوهاً، بل علامة انتمائهم للسلالة العليا. يتحالف معهم بشكل طبيعي جزء مهم مما يسمى بالنخبة الإبداعية (الصحفيون، ورجال الفن والأدب...). من المعروف منذ القدم أن الرغبة في إمكانية التحكم بعقول الناس أمر يجذب المنحرفين النفسيين، وهذا ما يؤكده تواجدهم بكثرة في بعض مجالات النشاط الاجتماعي.
6 ـ إنّ السياسة المتبعة من قبل النخبة الجديدة للتوحيد العولمي تنتهي إلى مأزق من وجهة نظر الآفاق المستقبلية. لأنّ الوجود والتطور الطبيعي للبشرية يتعلق بشكل مباشر بالتنوع الأعظمي للشعوب المكونة لها. إنّ التبسيط الكبير لهذه المنظومة ـ هو الطريق المباشر للانحراف والهلاك. تشبه السياسة الاقتصادية للنخبة من حيث الجوهر سرقة الصيد، التي تقود بسرعة إلى إنهاك واستنفاذ موارد الكرة الأرضية الطبيعية، والذهنية والاقتصادية.
7 ـ من الضروري الإقرار بأنّ الصراع مع مالكي التكنولوجيا الحديثة للتحكم بالوعي وإدارته مهمة شاقة.
8 ـ تكمن نقطة الضعف الوحيدة للنخبة الجديدة في أنّها لا تمتلك أية قاعدة اجتماعية (إذا استطعنا تسميتها هكذا). تتركز تكنولوجيا التحكم في أيدي حفنة قليلة من الناس. لا يستطيع الناس بمن فيهم الأغنياء، حتى في الولايات المتحدة، لا يستطيعون الوصول إلى هذه التكنولوجيا، وهم أنفسهم جزء، أيضاً، من المواضيع البسيطة لهذه التكنولوجيا. إنّ عزل بضع مئات من الناس، وإغلاق عشرات الممثليات مثل بعض "المصارف" و"المنظمات" في بلادنا، يؤدي إلى إخراج روسيا من تحكم وإدارة "حكام العالم" الجدد. كما يؤدي تكرار هذه العملية في عدد من الدول الآسيوية الكبرى، مع اعتماد سياسة حصار العالم الغربي بمنع وصول الموارد والمواد الخام إليه (بغض النظر عن الآثار السلبية التي ستنعكس على المبادرين لهذه الخطوة) ستسبب اختناقاً في الاقتصاد الغربي، الذي اعتاد على الحصول على هذه الموارد بلا مقابل يذكر، ويضع نهاية لمشروع العولمة المتوحشة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
285