ردع إسرائيلي بالاسلحة النووية وتصفيةالنخب العربية الحاكمة
منذ حوالي ستة أشهر قدمت لرئيس الحكومة الإسرائيلية شارون ووزير دفاعه إحدى أهم الوثائق الإسرائيلية التي كتبت على الاطلاق في المواضيع الأمنية والتي وضعت تحت عنوأن "مستقبل إسرائيل الاستراتيجي" والتي أعدت بإشراف مركز ارئيل، قد سمحت الرقابة بنشرها بالكامل وهو أمر مدهش لأنها تناقش بالتفصيل سياسة إسرائيل النووية بغية تطوير قدرتها على توجيه "ضربة نووية ثأنية" وبالضرورة التبكير بمهاجمة الدولة التي تطور سلاحاً نووياً، وكل هذا لم يصغ بعبارات أو أساليب غامضة أو ملتوية، وأنما في شكل حقائق وتوصيات واستنتاجات توضح أن نقطة أنطلاق معدي الوثيقة هي أن إسرائيل تملك مخزوناً من الأسلحة النووية.
وربما لم تكن هناك حاجة إلى الاهتمام أو التأثر بمغزى توصيات هذه الوثيقة المتطرفة و دلالاتها لو أن معديها كانوا مجرد شخصيات اكاديمية بحتة، لكن وجود أربعة من كبار العسكريين السابقين الذين تقلدوا مناصب مختلفة في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، يكسب الوثيقة أهمية أكبر وهؤلاء العسكريون الأربعة من بين معديها الستة، هم: اللواء احتياط بروفيسور يتسحاق بن يسرائيل الذي كأن يشغل حتى عهد قريب منصب إدارة أبحاث و تطوير الأسلحة والبنية التكنولوجية بوزارة الدفاع و د.آدير فريدور كبير الباحثين في هيئة تطوير الأسلحة بهيئة الأركان، ونعمأن بلاكند المساعد السابق لنائب وزير الدفاع في ميدان "الأسلحة الخاصة" والعقيد المتقاعد وعضو الكنيست السابق يؤاش تسيرون، والشريكان الآخران في إعداد الوثيقة هما من الأكاديميين الأمريكيين .
و نظراً لأن الوثيقة تناقش قضايا مهمة للغاية لأمن إسرائيل و نظراً لأنه من المحتمل أن يتبنى صناع السياسة في إسرائيل أسسها وتوصياتها التي تتفق في معظمها مع فكرهم الأمني فأنه ينبغي تلقي قراراتها بشيء من القلق، والسبب أن توصياتها المتعلقة بجيران إسرائيل وبمستقبل النزاع تبدو وكأننا نعيش في الخمسينات.
وعلى سبيل المثال فإن معدي الوثيقة يقرون بأن النزاع بالنسبة لبعض دول المنطقة يبدو و كأنه نزاع محصلته صفر، أي أنه نزاع هدفه الأوحد والوحيد هو تدمير دولة إسرائيل، وهذا على حد تقديرهم " تصور لا يسمح في أيامنا هذه بأي احتمال للتوصل إلى حل و تحقيق مصالحة، ويقررون أن الخطر كل الخطر يتمثل في أن هذه الدولة تعد"دولاً أنتحارية" ولو أنها تملك سلاحاً نووياً فأنها سوف تطلقه على إسرائيل أي أن زعماءها غير عقلانيين لايمكن ردعهم حتى بالسلاح النووي. إن التاريخ قد أثبت أن زعماء المنطقة يتصرفون بعقلأنية كبيرة خاصة إذا كأن الامر متعلقاً بأسلحة غير تقليدية وعلى سبيل المثال ، فإن صدام حسين لم يطلق صواريخ كيماوية على إسرائيل عام 1991 خوفاً من رد إسرائيل النووي.
أن الاستنتاج الذي خرج به معدو التقرير هو أنه ينبغي منع هذه الدول من التزود بأسلحة نووية، حتى عن طريق توجيه ضربات وقائية للاماكن والمنشآت التي تستخدم في تطوير سلاح نووي كما توصي الوثيقة أيضاً بالتصفية الجسدية لبعض النخب الحاكمة في تلك الدول وبقتل العلماء العاملين في برامجها النووية.
و إذا فضلت محاولات منع الدول المعادية من التسلح بسلاح نووي فإن إسرائيل سوف تضطر إلى نبذ سياسة الغموض النووي التي تتبعها، و الأنتقال إلى سياسة الردع النووي العلني والعملي و هذا سوف يتطلب اتخاذ إجراءات دقيقة يمكن تمييزها بوضوح وبسهولة لاقناع الأعداء تماماً باستعداد إسرائيل وقدرتها على استخدام سلاحها النووي ضدهم ولكي يكون ذلك فأن عليها بناء قدرة على توجيه ضربة نووية ثانية وعلنية قادرة على تدمير حوالي 15 مدينة من دول العدو من إيران و حتى ليبيا.
و في مقابل تطوير القدرة على توجيه ضربة نووية ثانية فإن على إسرائيل اقامة تشكيل دفاعي مضاد للصواريخ الباليستية العابرة للقارات متعدد الطبقات، ويتضمن إلى جانب منظومة صاروخ حيتس، نظاماً يعتمد على الطائرات التي تسير بدون طيار ومحملة بالصواريخ لمهاجمة منصات الصواريخ في عمق أراضي العدو وضرب صواريخه وهي في المجال الجوي للعدو بمجرد اطلاقها وباستثناء العقبات التقنية الصعبة والتكليفات المالية الباهظة جداً لتطوير هذه الأنظمة الدفاعية المضادة للصواريخ النووية – فأن الوثيقة توصي باعتبار هذه الأنظمة عنصراً رئيسياً من عناصر الاستعداد الإسرائيلي، الأمر الذي يتعارض مع المنطق الاستراتيجي الذي يفترض أن يوجه الفكر الإسرائيلي في العصر النووي.
لقد اكثر معدو الوثيقة من الاستشهاد بالسياسة الامريكية، و كان الأجدر بهم أن يتعلموا من الامريكيين في موضوع الوقاية من الصواريخ، لقد توصل الأمريكيون في نهاية الستينات إلى استنتاج مؤداه أنه ليس هناك سوى احتمال واحد فقط في مواجهة الصواريخ النووية وهو احتمال الرد لقد أدرك الأمريكيون واقتنع السوفييت أيضاً بأن محاولة الدفاع عن أنفسهم ضد الصواريخ هي محاولة محكوم عليها مسبقاً بالفشل، وأن نصب أنظمة دفاعية في مواجهة صواريخ الطرف الآخر لن يؤدي إلا إلى عدم الاستقرار وإلى الأضرار بمصداقية الدولتين .
لقد تجاهل معدو الوثيقة التطورات الايجابية التي حدثت بالمنطقة ولم يغيروا من تقديراتهم المتشائمة في الملحق الذي أضافوه إلى الوثيقة في الشهر الماضي، حتى بعد خروج العراق من دائرة التهديدات الموجهة لإسرائيل و بعد قرار ليبيا بالتخلص من أسلحتها غير التقليدية. أن منطقهم الذي لا يؤمن بأن التفاعلات السياسية سوف تؤدي إلى الحد من التهديدات الوجودية، يمثل مشكلة كبيرة لأن تبنيه سوف يتطلب استثمارات ضخمة في الاستعدادات لمواجهة التهديدات التي لم تعد قائمة في أغلبيتها كما أن احتمالات تحقق الجزء الباقي منها أصبحت ضئيلة جداً أن المشكلة تكمن في أن هذه الوثيقة تتفق تماماً مع هوى و فكر رئيس الحكومة و وزير الدفاع وبقية صناع السياسة الحالية الذين لا يؤمنون بالتسويات السياسية ويفضلون تضخيم تهديدات وهمية، ويواصلون رصد الأموال الطائلة لميزانيات الدفاع.
■ بقلم : رؤيين بدهاتور .
ترجمة: ياسين حسام الدين
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 232