العراق: أعقد حرب مقاومة في التاريخ
تتعرض المقاومة العراقية، هذه الأيام، إلى أكبر هجمة تضليلية عاتية تعبر عن حقد دفين عليها، بسبب أعمالها البطولية، والتي تتسع ساحة أعمالها، والتي تكبد قوات الاحتلال خسائر فادحة، وتحول العراق، حسب تصريحات الرئيس الفرنسي شيراك إلى جحيم.
إن الذين يهاجمون المقاومة يستغلون ظاهرتين بارزتين على السطح وهما:
الهوية الإسلامية للمقاومة على مختلف أشكالها وألوانها، على الرغم من وجود قوى متعددة أخرى، أي أن الهجوم على المقاومة يأتي من منطلق طائفي مذهبي، باعتبار أن معظم القوى الإسلامية الشيعية ـ إن لم نقل جميعها ـ لاتزال تراهن على التعاون مع الاحتلال، وتدعو إلى إخراج المحتلين «بالطرق السلمية والسياسية»!! والمقصود بذلك القيادات الشيعية، لا الشارع الشيعي الذي يبدي تعاطفاً شديداً مع المقاومة دون المشاركة الفعلية فيها، تحت ضغط قياداتهم.
نحن مع كل من يقاوم الاحتلال
إننا لانستطيع أن نمنع أية قوة تصمم على مقاومة الاحتلال وطرده، بغض النظر عن الخلافات الإيديولوجية معها، طالما أنها ترفع السلاح في وجه المحتلين سواء أكانوا في العراق أم في فلسطين، فمادامت هذه القوى تحارب الإمبريالية والصهيونية فنحن نساندها.
الظاهرة الثانية: هي انحياز هذه القوى التام للخطط الأمريكية في المنطقة، ورفض أي شكل من أشكال مقاومة الاحتلال، بما في ذلك في فلسطين حيث يدعي هؤلاء بأن الانتفاضة «أضرت بقضية الشعب الفلسطيني وتسببت له بالمآسي»!! مع أن المقاومة الفلسطينية جاءت رد فعل على الاحتلال الإسرائيلي وأعماله الإجرامية.
استغلال أحداث التفجير
وفي هذا الصدد يستغل أعداء المقاومة أعمال التفجير والخطف واستهداف الشرطة ومراكزها، لاتهام المقاومة بها، بهدف إضعافها وعزلها عن الجماهير، وهذا الجانب الأبرز في موقفهم. وإذا كنا نرفض هذه الأعمال التي تقوم بها قوى مشبوهة ليست بعيدة عن المخابرات الأمريكية والإسرائيلية، فإن أعمال المقاومة الفعلية للاحتلال تتزايد يومياً في مختلف أنحاء العراق والتي تكبده خسائر كبرى في الجنود والعتاد، والتي تخفيها قوات الاحتلال عن أعين العالم، وبخاصة عن أعين الشعب الأمريكي.
هل الرياح تسير
كما تشتهي حكومة علاوي؟
جاء خطاب رئيس الوزراء العراقي إياد علاوي في واشنطن، ليظهر أمام الشعب الأمريكي ولصالح معركة بوش الانتخابية، أن الأمور في العراق تسير على مايرام وضمن المخطط المرسوم، أي رهن نفسه لصالح بوش، وأكد فيه:
1 ـ إن المقاومة محصورة في بعض المحافظات،والأمن مستتب في أكثريتها.
2 ـ الحديث عن الانتخابات العراقية المقبلة ـ إن جرت ـ كدليل على تقدم الديمقراطية في العراق، وأن الغارات الجوية والصاروخية على مدينة الفلوجة نظير جنين البطلة، لأكبر دليل على هذه الديمقراطية الأمريكية المزيفة!!
خروج العراق بأكمله عن السيطرة
إن ادعاءات علاوي يكذبها الواقع، فالعراق بأكمله خرج عن السيطرة وأصبح من الضروري إعادة احتلاله، وقد ردت صحيفة «النيويورك تايمز» الأمريكية على تخرصات علاوي في تقرير لها يقول إنه في الثلاثين يوماً الأخيرة وقع أكثر من 2300 هجوم استهدف قوات الاحتلال الأمريكية باستثناء المناطق الكردية وشملت المحافظات جميعها، من نينوى وصلاح الدين في الشمال الشرفي، إلى ديالي وبابل في الوسط، إلى البصرة في الجنوب، والموصل في الشمال، ونقل التقرير عن آدم كولينز المختص بالشؤون الأمنية قوله: لو نظرت إلى خريطة انتشار ساحة العمليات لوجدت أنها ليست قلة من المحافظات، كما يشاع، بل كل الأراضي العراقية وأن معدل العمليات يصل يومياً إلى 80 عملية، وقد توزعت كالآتي: 238 عملية في محافظة نينوى، و325 عملية في صلاح الدين، و332 في الأنبار، و 123 في وسط العراق، و 76 في ديالى، و13 في بابل، ويستنتج التقرير أن أي محافظة لم تنج من الهجمات.
أعقد حرب مقاومة في التاريخ
وفي الخامس من تشرين الأول الجاري نشرت وكالة الإسوشييتدبرس عن مراسلها جيم كران الذي تحدث عن مواجهة «الولايات المتحدة لانتفاضة معقدة في العراق» بأن «الولايات المتحدة تواجه في العراق أعقد حرب عصابات في التاريخ» فالمئة والأربعون ألف جندي أمريكي، المدربون على الحرب الكلاسيكية فشلوا في فهم هذه الحرب التي يشنها أكثر من تنظيم، وبأهداف متعددة، ولارأس قيادي لها، وإن ذلك يعتبر أكبر تحد من أي ثورة أخرى واجهتها الولايات المتحدة، لأن كل ذلك يصعب المهمة، بل يجعلها شبه مستحيلة للقوات الأمريكية، وبخاصة أن هذه القوى تذوب بين المدنيين، ويرى بعض الخبراء المستقلين أن المقاومة تتسع وتحقق إنجازات، فاستمرار القتل والقتل المضاد يزيد الكراهية لقوات الاحتلال بين العراقيين، ويمنع عملية «الإعمار» أي النهب، التي كانت واشنطن تمني العراقيين بها.
الرهان على القوات العراقية
ولذلك فإن الحل الوحيد بنظر الخبراء الأمريكيين وعملائهم العراقيين، هو الرهان على القوات العراقية المدعومة من القوات الأمريكية للقيام بالمهمة على الشكل التالي: تنفذ القوات الأمريكية عمليات الاقتحام الأساسية، ثم تسلم المواقع للقوات العراقية، وهذا مافعلته في النجف، وماتفعله حالياً في الفلوجة.
أما المراسلون الأمريكيون في العراق فيشككون بحجم المهمة الملقاة على عاتق القوات العراقية وقدرتها على الصمود وحدها في ساحة المعركة أمام قوى المقاومة. ومع كل التحذيرات والتشكيك بهذا الحل، فإن الوقائع اليومية تظهر أن الطرف الأمريكي وعملاءه قد حسما الأمر لجهة إخضاع الشعب العراقي وإحكام السيطرة عليه بأي ثمن، وبدون أخذ النواحي الإنسانية بعين الاعتبار، وأكبر دليل على ذلك هو قصف المواقع والمنازل عشوائياً في الفلوجة طوال 24 ساعة تحت حجج واهية، لإيقاع خسائر كبرى بين السكان، لإجبارهم على الانصياع والاستسلام، والتخلي عن خيار المقاومة، وفي الوقت ذاته تقدم لهم الحكومة العلاوية الجزرة من خلال مفاوضات مشبوهة بالإعمار والتعويض.
فهل سينجح هذا المخطط؟
ويأتي الرد على هذا التساؤل من الشاعر العربي القديم الذي قال:
ماكل مايتمنى المرء يدركه
تجري الرياح بمالا تشتهي السفن
■ محرر الشؤون العربية
عادل الملا
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 232