مبارك الجمهورية الوراثية

تحت عنوان: «جمال مبارك أمير جمهوري ومشروع طاغية»، نشرت «قاسيون» مقالاً في عددها (228) بقلم النقابي المصري عطية الصيرفي. ومتابعة للموضوع ننشر فيما يلي مقالاً للكاتب نفسه مع تقديم الباحث إلهامي ميرغني:

أصدقائى الاعزاء 

عم عطية الصيرفى النقابى والقائد العمالي اليساري هو قدوة لجيلنا. فرغم تجاوزه الثمانين متعه الله بالصحة والعافية فهو اكثر شباباً من الكثيرين منا. وهو مستمر فى العطاء متقدماً الصفوف وها هو يقدم مقالاً جديداً بعنوان " مبارك والجمهورية الوراثية " ولأن عم عطية له بوصلته الطبقية فهو يقول فى المقال :

«الطبقات الطافحة والجديدة هي طبقات رأس المال المالي الطفيلي والتابع والكبير التي فرختها الدولة وحققت تراكمها المالي الخرافي من الرشوة والاختلاس والبيزنس وتجارة الممنوع أي من عرق الشعب المصري الكادح والأجير».

هكذا يمسك عم عطية بتوصيف ما يحدث وطبيعة الحلف الحاكم .

تابعوا ما يكتبه عم عطية وادعوا معى ان يطيل لنا فى عمره ليستمر قدوة لجيل يبحث عن القدوة الثورية من امثال عم عطية .

مع خالص تحياتى 

■ الهامي

لا جدال في أن المجتمعات العبودية والإقطاعية هي التي فرخت الدولة الطبقية باعتبارها جهازاً طبقياً قمعياً يستخدم قوات الجيش والشرطة في قهر واستعباد واستغلال الطبقات المنتجة والمقهورة من العبيد والأقنان والفلاحين والعمال .. وأن هذه الدولة الطبقية هي التي طفحت بالدولة الوراثية ذات الطبيعة العائلية والأسرية حيث شهد النيل الخالد في مصر العتيقة هذه الدولة الوراثية العائلية التي تداول حكمها الفرعون الملك والإله الجد والفرعون الملك والإله الابن والفرعون الملك والإله الحفيد..

وهكذا وجُدت الدولة الوراثية والعائلية والأسرية في مصر والصين وفارس وبابل وأشور ومقدونيا وفي الدولة العبرية في فلسطين التي أسسها الملك داود وورثها الملك سليمان بن داود..

كما وجدت في العصر القديم دولة وراثية من نوع آخر تمثلت في الدولة الوراثية الفئوية العسكرية التي يحتكر وراثتها كبار العسكريين وقادة الجيوش مثل دولة إسبرطة والدولة الرومانية الجمهورية التي انتهت باغتيال القائد العسكري البارز يوليوس قيصر، والدولة الرومانية الإمبراطورية التي أسسها الإمبراطور الروماني أوكتافيوس بعد هزيمة الجيش البطلمي بقيادة أنطونيو وكليوباترا في معركة الإسكندرية البحرية مما أدى إلى احتلال الرومان لمصر..

وفي مواجهة الدولة الوراثية بنوعيها العائلي الأسري والفئوي العسكري ظهرت الدولة الديمقراطية في اليونان القديمة التي تداولت بواسطة الانتخاب الحر والمباشر كما ظهرت في دولة الخلفاء الراشدين التي تداولت بواسطة البيعة والشورى ولكن هذه الدولة الديمقراطية الإسلامية قد توارت وتحولت إلى مُلك عضود ودولة وراثية عائلية وأسرية نتيجة للانقلاب السلطوي الذي قاده ونفذه معاوية بن أبي سفيان مؤسس الدولة الأموية الوراثية والعائلية الذي ورث ولده يزيد سلطة الدولة بواسطة بيعة إكراهية حيث جمع صفوة الناس ووقف فيهم خطيباً فقال .. إذا هلك هذا وأشار إلى معاوية .. ثم قال فهذا وأشار إلى يزيد .. ثم قال ومن لم يرض بهذا فذاك وأشار إلى سيفه. وبفضل هذه البيعة الإكراهية تأسست الدولة الوراثية العائلية والأسرية في العهد الأموي وفي العهد العباسي وفي عهد الخلافة العثمانية..

ومن هنا فالدولة المصرية الفرعونية هي الدولة الوراثية والعائلية العتيقة التي فرضت سطوتها المقدسة على المصريين في الدنيا والآخرة مما جعل الفرعون هو الملك والإله معاً طوال آلاف السنين من خلال ستة وعشرين أسرة فرعونية أفرزت الكثير من الملوك الفراعنة الذين قد تبوؤوا عروشهم الملكية بالوراثة العائلية والأسرية فالأسرة الفرعونية الثالثة والأسرة الرابعة عشر أنجبت ثلاثة عشر ملكاً فرعونياً والأسرة السابعة عشرة أنجبت ما يزيد على ثلاثين ملكاً فرعونياً..

ولقد اختفى هؤلاء الملوك الفراعنة ودولهم الوراثية والأسرية فور الغزو الفارسي لمصر، هذا الغزو الذي اندحر أمام فتح الإسكندر الأكبر لمصر الذي انبثقت منه الدولة البطلمية التي قد ولت بالوراثة الأسرية بين الملوك البطالمة الذين انتهى عهدهم بمصرع الملكة كليوباترا واحتلال الرومان لمصر الذين حولوا الدولة في مصر إلى مجرد إدارة احتلالية ظلت تمارس سلطتها في العهد الروماني وخلال الفتح العربي وطوال العهدين الأموي والعباسي..

ثم عادت الدولة الوراثية الأسرية إلى مصر في العهد الطولوني والفاطمي والأيوبي. فالعصر الأيوبي بالذات قد فتح مصر للهجرة المغولية التي كانت بمثابة احتلال استيطاني طفحت منه الدولة المملوكية الأولى والدولة المملوكية الثانية اللتان قد أخذتا بالوراثة الفئوية العسكرية وبالوراثة العائلية والأسرية حيث بلغ عدد السلاطين المماليك 49 سلطاناً منهم 24 سلطاناً في الدولة المملوكية البحرية و25 سلطاناً وقتل 13 سلطاناً ومن تولى المُلك اغتصاباً 22 سلطاناً ومن تولى الملك بالوراثة الفئوية والعسكرية 23 سلطاناً..

ولكن هذه الدولة المملوكية بنوعيها قد تم محوها فور مجيء الاحتلال العثماني لمصر حيث حل محلها إدارة عثمانية احتلالية حتى تم اختيار محمد علي والياً على مصر بالإرادة الشعبية فأعاد إلى مصر دولة الوراثة العائلية التي تداولها أفراد أسرته حتى سقوط الملك فاروق فور قيام ثورة 23 يوليو 1952..

وكان من مهام ثورة يوليو التي أنجزتها بعد أيام من نجاحها هو تغيير الدولة الملكية الوراثية والأسرية..

ومما يذكر أن الرئيس جمال عبد الناصر الذي حكم هذه الدولة نظراً لتمتعه بشعبية واسعة وشخصية كاريزمية ذات تأثير بالغ على الجماهير وعلى من حوله لم يفكر أبداً في قيام دولة وراثية عائلية ولم يفكر الرئيس السادات في ذلك الشأن السلطوي..

ولكن الرئيس حسني مبارك قد راودته في خلال سنوات حكمه الطويلة فكرة إضفاء الشكل المدني على دولته حتى تتوارى مظاهر العسكرة التي تشوبها في مواجهة الديمقراطيات الأمريكية والغربية وذلك من خلال تطوير الشكل الوراثي لدولته..

وفي سبيل ذلك استخدم الرئيس مبارك عبقريته السلطوية التي تفوق عبقرية والي مصر محمد علي والتي اكتسبها من حرفته كطيار ماهر اعتاد على المناورة طويلاً طويلاً ثم ينقض على هدفه بدون خسائر..

وعلى هذا النحو مارس ويمارس سياساته التي وظفت دولته الشمولية وحزبه الشمولي ووحدانيته السلطوية الشمولية في قلب المجتمع المصري وحرث تربته حرثاً عميقاً ثم إعادة صياغته بحيث يتوافق مع أهدافه وسياساته ولهذا قضى قضاءً مبرماً على كل الصراعات المسلحة والسلمية وحتى الاحتجاجات السياسية والاجتماعية تحولت إلى همسات تصب مباشرة في الآذان بعيداً عن عين السلطة الساهرة ومن هنا طفحت طبقات اجتماعية بأهدافها وأخلاقها وقيمها الشاذة والغريبة وراحت طبقات بأعرافها وأخلاقها وقيمها الروحية المصرية والوطنية أدراج الرياح..

الطبقات الطافحة والجديدة هي طبقات رأس المال المالي الطفيلي والتابع والكبير التي فرختها الدولة وحققت تراكمها المالي الخرافي من الرشوة والاختلاس والبيزنس وتجارة الممنوع أي من عرق الشعب المصري الكادح والأجير كما دفعتها الدولة بامتداد نشاطها الرأسمالي فيما وراء البحار من خلال مؤسساتها التي فرضت وجودها الاستغلالي على الشعب المصري مثل البورصة وسوق المال ومنظمات رأس المال باعتبارها نقابات رأس المال التي تحظى بحريات مطلقة في الحياة المصرية المعاصرة..

وتتكون هذه الطبقات الرأسمالية الجديدة من شرائح العسكريين الحاكمين والمالكين من ضباط الجيش والشرطة ومن شرائح البيروقراطيين المدنيين الحاكمين والمالكين من الوزراء والمحافظين وكبار الموظفين ورؤساء وأعضاء البنوك والهيئات وأعضاء مجلسي الشعب والشورى..

والجدير بالذكر أن هذه الطبقات الرأسمالية واعية بوجودها كسلطة ووجودها كبورصة وسوق مال وبيزنس وسمسرة ومضاربات مالية مما جعل تصرفاتها الاستغلالية والاستبدادية تعبر عن مقولة لويس الرابع عشر المشهورة التي تقول: "أنا الدولة، والدولة أنا" وهذا ما جعلها مسؤولة عن إهدار التنمية المستقلة وعن تفشي الفقر والبطالة والبلطجة والجريمة اللتين أصبحتا مصدراً للرزق ومصدراً لانتشار الصراع الطبقي غير السوي ومسؤولة أيضاً عن محو الصراع الطبقي واحتجاجاته السياسية والاجتماعية وذلك من خلال المزيد من خنق الحريات العامة والنقابية والمزيد من السيطرة على النقابات العمالية والمهنية والمزيد من تهميش أحزاب المعارضة ومجلس الشعب الذي لم يعد يحكم أو يشرع أو يراقب..

ومن هنا تفشى الخواء السياسي المسمى بالاستقرار السياسي في الحياة المصرية الذي تبدو ملامحه في اختفاء الشخصيات العامة والزعامات السياسية والعمالية والطلابية على المستوى المحلي والقومي ولم يعد يتردد في الشارع المصري إلا أسماء السادة لاعبي الكورة والراقصات وممثلي المسلسلات التليفزيونية والوزير كمال الشاذلي وسمعته الطيبة ورئيس الوزراء الدكتور الجنزوري وسلطاته والدكتور فتحي سرور ورياسته لمجلس النواب والشاب جمال حسني مبارك..

ولكن من الذي قاد هذه المسيرة الرأسمالية عبر ثمانية عشر عاماً صوب الاستقرار السياسي .. إنه لا جدال الرئيس حسني مبارك الذي ترى فيه الرأسمالية المصرية عموماً مُخلصها الوحيد وأنه يحقق وجودها الاقتصادي والسياسي الفعال وبالمقابل تصب في رحابه ولاءها المطلق وتجسد في شخصه ووجوده كل آمالها وضمان وجودها واستمراره ولهذا باركت موقفه في عدم تعيين نائب لرئيس الجمهورية كان من الضروري اختياره من رجال المؤسسة العسكرية..

ومن هذا المنطلق هرولت الطبقات الرأسمالية في مصر مطالبة بترشيح الرئيس حسني مبارك لفترة رئاسة رابعة بحيث تكون هذه الفترة الرابعة فترة انتقال إلى دولة مدنية يستخلف فيها الرئيس مبارك ما يشاء من الشخصيات المدنية مع العلم أن الرأسمالية المصرية قد حددت ورشحت اسماً بعينه باعتباره أبرز شخصية مدنية مصرية على المستوى القومي والعربي والدولي وباعتباره يحظى بتقدير العالم والعولمة "قل اللهم مالك المُلك تُؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتُعز من تشاء وتُذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير" صدق الله العظيم.. سورة آل عمران.

■ ميت غمر–

 

العامل عطية الصيرفي

معلومات إضافية

العدد رقم:
231