السؤال باق حول انتهاء طالبان عملياً...!؟ حرب أهلية جديدة تلوح في أفغانستان

بعد سقوط كابول وانسحاب بقايا قوات طالبان إلى المغاور في الجبال الأفغانية الشمالية الوعرة يبدو أن الصراع على أفغانستان بدأ حلقته الأنغلو-أمريكية الثانية المتمثلة في تقسيمها عرقياً وطائفياً وإدخالها في أتون حرب أهلية جديدة تكون كفيلة بإبقاء القواعد الغربية على مشارف ثروات الدول المجاورة، مهددة إياها إما بالاستنزاف أو بالحروب، وكفيلة أيضاً بالقضاء على أكبر عدد ممكن من سكان أفغانستان الذين لم تقض عليهم قاذفات ب52 الثقيلة ومقاتلات ف18 الأمريكية...

فقبل سقوط كابول وعلى وقع انفجار الحمولات الملقاة من هذه الطائرات العسكرية بدا جلياً أن ملامح أزمان سايكس بيكو أو مثيلاتها بين القوى الإمبريالية في العالم أعلنت عن نفسها صراحة ضمن موازين ما بات يسمى «عالم ما بعد الحادي عشر من أيلول» ومعاييره، حيث أعدت وزارة الدفاع البريطانية خطة لتقسيم أفغانستان إلى منطقتين عسكريتين تخضع إحداهما علانية إلى القوات البريطانية والثانية للقوات الأمريكية، ولكن لم يجر الحديث عن نصيب القوات التركية والفرنسية والأسترالية واليابانية والألمانية المقرر إرسالها إلى أفغانستان أو الموضوعة تحت جاهزية الطلب الأمريكي، وربما كان ذلك بسبب مشاركتها الرمزية...
 وبعد دخول قوات تحالف الشمال كابول وعودة الرئيس الأفغاني السابق إليها برهان الدين رباني، صنيعة الاستخبارات الأمريكية في السبعينات والثمانينات، بدأت ملامح الخلاف السياسي العسكري تتضح بين مآرب قادة التحالف المذكور مع مآرب التحالف الأنغلو- أمريكي، تماماً كما كان يتجلى في خضم العمليات ذاك الخلاف في مواقف القوى الإقليمية والدولية واتجاهات دعمها للفصائل الأفغانية المختلفة، ضمن ما بات يعرف في سابقة جديدة في العلاقات الدولية برسم «مستقبل أفغانستان ما بعد طالبان!»
 وبينما باشرت قوات التحالف الشمالي وحكومتها غير المعلنة بتقسيم كابول إلى مناطق عرقية بما ينبئ بفصل دموي جديد في أفغانستان بات الأمريكيون والأوربيون، الذين يتشدقون بوجوب قيام حكومة ذات قاعدة تمثيلية عريضة تشمل مختلف الفصائل الأفغانية باستثناء طالبان، يخشون من أن هذا التحالف وساسته وقواته التي شكلت رأس الحربة والجسد الرئيسي في المواجهات البرية مع طالبان يريدون الاستئثار بالسلطة، بما قد يهدد بدوره المخططات الأنغلو-أمريكية، وذلك في الوقت الذي بدأت فيه القوى الإقليمية البارزة مثل روسيا وإيران بالتحرك الدبلوماسي السريع في كابول لضمان موطئ قدم مبكر في أي تسويات قادمة في أفغانستان ولاسيما بعد اجتماع (6+2) الذي عقد على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك جامعاً الدول المجاورة الست لأفغانستان مع الولايات المتحدة وروسيا...
 إلى ذلك، وبينما فتحت باكستان حدودها أمام اللاجئين الأفغان العائدين إلى بلادهم بعد التطورات الميدانية الأخيرة، تشهد هذه الجارة مزيداً من الحسابات الخاصة، ولاسيما مع ازدياد المخاوف والتكهنات حول مستقبل استقرارها الداخلي بالذات في ظل الامتداد العرقي والطائفي الباكستاني الأفغاني بين قبائل الباشتون الذين انقلبوا عن دعم طالبان ولكنهم لن يرضوا بمزيد من إراقة الدماء في حرب أهلية جديدة سيكونون طرفاً فيها وضحية لها أيضاً، وهم الذين لن ينسوا بحسب متحدثيهم دخول إسلام آباد في تحالف مباشر مع واشنطن ولندن ضد أبناء جلدتهم في أفغانستان وقبض الحكومة الباكستانية المزيد من المكافآت المالية الأمريكية على هذا التحالف والتي كان آخرها 600 مليون دولار بعد مليار دولار على شكل مساعدات اقتصادية إلى جانب وعود فرنسية بالمساعدة في إعادة جدولة الديون لدى نادي باريس مع العلم أن ديون باكستان الخارجية تبلغ 36 مليار دولار وهو ما يرشحها لمزيد من التنازلات المحفوفة بالمخاطر الداخلية...

معلومات إضافية

العدد رقم:
163