المقاومة العراقية... والجنون الأمريكي

وصف وزير الخارجية الأمريكية كولن باول، ووزير الداخلية العراقية فلاح النقيب الوضع في العراق بـ«أن ثورة مسلحة تستعر فيه» وأن قوات الاحتلال وقوات الشرطة العراقية تخوضان الحرب ضد ماسمياه بـ «الإرهابيين» أي رجال المقاومة البواسل.

وقال الصحافي البريطاني المختص بشؤون الشرق الأوسط باتريك سيل: إن المعارك التي شهدتها بغداد في الآونة الأخيرة أدت إلى تدهور الوضع الأمني إلى حد انتقال المبادرة إلى أيدي المقاومة، وأن القوات الأمريكية التي تساعدها الشرطة العراقية المسحوقة، والقليلة التدريب، التابعة لرئيس الوزراء إياد علاوي لاتكاد تسيطر على شيء خارج المنطقة الخضراء، حيث مقر السفارة الأمريكية التي تشكل دولة ضمن دولة ومقر الحكومة العلاوية المحتمية بالقوات الأمريكية.

رد فعل عشوائي

ورداً على هذا الوضع المتأزم والخطير تلجأ القوات الأمريكية إلى القيام بأعمال عشوائية، وذلك بتكثيف هجماتها على المدن العراقية من الفلوجة إلى بغداد إلى الرمادي إلى باقي المدن، حيث تسيل يومياً دماء عشرات القتلى والجرحى. ظناً منها أن هذه الطريقة ستحقق لها هدفين اثنين:

• وضع حد للمقاومة الوطنية ضد الاحتلال وتأمين أجواء مريحة لإجراء الانتخابات المقررة في كانون الثاني المقبل عام 2005.

• وبالتالي تهيئة الأجواء المريحة لبوش للفوز بفترة رئاسية ثانية. فهل يمكن تحقيق هذين الهدفين؟ إن الإجابة على هذا السؤال هي النفي.

الأكاذيب انفضحت

لقد انفضحت الأكاذيب الأمريكية جميعها، التي اعتمدتها في غزوها للعراق واحتلاله إذ تبين للشعب الأمريكي والعالم بأسره أن أسلحة الدمار غير موجودة، وأن الديمقراطية وحقوق الإنسان، والعيش الكريم بعد زوال الحكم الدكتاتوري الدموي لم يكن إلا حلماً، فقد انتقل شعب الرافدين من «تحت الدلف لتحت المزراب» وأن ضحاياه الذين سقطوا على يد القوات الأمريكية قد فاق ماخسره على يد حكم الجلاد صدام حسين، ولذلك فإن الولايات المتحدة قد خسرت الحرب استراتيجياً عندما خسرت عطف الشعب العراقي وثقته، وأخذ التأييد للمقاومة يشمل الأكثرية الساحقة منهم ويتزايد يوماً بعد يوم الالتحاق بفصائل المقاومة من جميع القوميات والأديان والمذاهب والطوائف بغض النظر عن العمليات المشبوهة التي تتناول المدنيين وبغض الطرف عن الجيش الأمريكي. ولذلك فإن أي محاولة لكبح جماح المقاومة غير وارد أبداً مهما اتخذت قوات الاحتلال من أساليب همجية، بل أكثر من ذلك فإن المجازر المتواصلة ضد المدنيين العراقيين أدى إلى تفاقم الوضع الأمني لدرجة دفع الرئيس بوش وتابعه بلير البريطاني للمسارعة إلى إلقاء ثقلهما خلف عميلهما إياد علاوي والإشادة به وبقدرته على إجراء الانتخابات في موعدها المقرر، لكن الأوضاع الأمنية المتردية تجعل هذا الهدف بعيد المنال، وإذا كان أمل واشنطن بتحقيق نصر سريع قد تبدد فإن آمالها في التوصل إلى مخرج مشرف من المستنقع العراقي قد غدا أصعب.

رؤية واشنطن عند غزو العراق

عندما قررت واشنطن غزو العراق كانت رؤية إدارتها تقوم على ولادة جديدة كدولة عميلة ومركز قوى للنفوذ الأمريكي، تؤوي قواعد عسكرية وتترك للشركات الأمريكية استغلال النفط الضخم وتتكفل بإعادة إعمار العراق بحيث يبقى هذا البلد على جانب من القوة يكفي لموازنة ثقل كل من إيران وبلدان الخليج، وبالتالي تدعم السيطرة الأمريكية السياسية والعسكرية على نفط المنطقة وتثبت تفوقها على منافسيها جميعهم إقليمياً ودولياً، ولكن حساب الحقل اختلف عن حساب البيدر وقد اتهم الضابط البريطاني الكولونيل نيم كولينز الولايات المتحدة وبريطانيا بالإخفاق لفشلهما في التخطيط لمرحلة «السلام»، وقال: إن حرب العراق خلقت فراغ سلطة خطير، كان هناك قدر قليل من الأعداء، أو التفكير لما سيحدث بعد الغزو. فالطبيعة لاتقبل الفراغ وكذلك السياسة، إذا اسقطت شيئاً فعليك أن تكون مستعداً لأن تأتي بما يحل محله.

ومن الواضح أنه إذا كانت إسرائيل قد حققت أهدافها من غزو العراق فإن الأهداف الأمريكية الاستراتيجية لم يتم تحقيقها ولن يتم، فبدلاً من أن يصبح العراق دولة عميلة، تحول إلى مرتع للعنف المعادي لأمريكا ولأشدهم عداءً لها.

ويبدو أن المقاومة على مختلف فصائلها مصممة على إجبار الغرب على الانسحاب من العراق، وطرد أمريكا خارج المشرق العربي كما طُردت من إيران عام 1979.

ولذلك فإن أمريكا تجد نفسها في مأزق هو أشد مايكون خطورة وحرجاً، إنها لاتستطيع البقاء بهدوء، ولاتستطيع الانسحاب، وهذا مايتفق عليه الحزبان الجمهوري والديمقراطي، ولايزال الفخ ينغلق على قواتها في العراق.

حملة بوش الانتخابية

هذا من جهة الوضع المتأزم في العراق، فهل الوضع مريح لبوش في معركته الانتخابية للفوز بفترة رئاسية ثانية.

إن مهندسي حملة انتخاب بوش لولاية ثانية جعلوا مما يسمى بمكافحة «الإرهاب» الشاغل الأول في ذهن الناخب الأمريكي، وتعمد الدبلوماسية الأمريكية لإعداد أكثر من ملف على الساحة الدبلوماسية ليأخذ بعضه طابع الإنذار والتوعد أبرزها ملفات إيران وسورية والسودان، أما العراق فقد اتخذ بعداً مختلفاً في دبلوماسية واشنطن التمهيدية، بتحميل الأسرة الدولية مسؤولية إفشال الانتخابات العراقية والتشجيع على الإرهاب.

إن الفشل الأمريكي في ضبط الحالة الأمنية سيؤثر على وضع بوش الانتخابي ويبدو واضحاً أن إطالة أمد الوجود الأمريكي في العراق سيزيد من تفاقم الأزمة الأمريكية عمقاً واتساعاً.

إن نتيجة الانتخابات ليست مسألة أمريكية داخلية في نهاية المطاف، فالخوف من بقاء طاقم بوش ينتاب شطراً كبيراً من العالم، وإن لم يكن منافسه كيري افضل منه بقليل أو كثير.

 

■ عادل الملا

معلومات إضافية

العدد رقم:
230