زلزال إعادة انتخاب نـجاد وارتداداته

مرة أخرى، تكشف التطورات الداخلية والدولية التي أعقبت ظهور نتائج انتخابات الرئاسة في إيران، والمرتبطة بها، جملة من الوقائع والمعطيات على الساحتين الإيرانية والعالمية، ضمن مسار مرسوم أو مأمول غربياً لأخذ إيران من الداخل، وما يقابله من إصرار فريق إيراني ذي قاعدة اجتماعية واسعة على المواجهة، وتثبيت المشروعية عبر قبوله بإعادة فرز جزئي للأصوات في الصناديق المطعون بمصداقية نتائجها من جانب المرشحين الخاسرين، رغم أن ذلك لن يغير من واقع الأمر شيئاً في ظل الفوز الساحق للرئيس محمود أحمدي نجاد.

ازدواجية المعايير
على المستوى الأول تظهر هذه التفاعلات ازدواجية المواقف مما شهدته المنطقة من عمليات انتخابية لم يفصل بينها أكثر من أسبوعين، حيث لم تقم أية عاصمة غربية بالتشكيك بنتائج الانتخابات النيابية اللبنانية التي أوصلت فريقاً معيناً محسوباً عليها إلى «الأكثرية»، وقابلت ذلك بالتهليل والترحيب، رغم الطبيعة الطائفية للتصويت وإشكالياته  ورغم المال السياسي والابتزاز الخارجي الذي مورس للوصول إلى هذه النتيجة، في حين سارعت هذه العواصم ذاتها، وفي مقدمتها تل أبيب، إلى التشكيك فوراً بنتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية، ولكن مع توزيع أدوار  أوربي أمريكي، اعتمد خلاله الطرف الأول الهجوم المباشر في حين اعتمد الثاني النمط المبطن، أي إستراتيجية أوباما التخديرية، عبر الحديث عن أن «الانتخابات هي شأن داخلي إيراني، ولكن ينبغي الاستماع إلى أصوات الشعب الإيراني»، في إشارة إلى تظاهرات أنصار المرشحين الخاسرين وفي مقدمتهم مير حسين موسوي، وكأن غالبية الشعب الإيراني لم تصوت لأحمدي نجاد مرة أخرى، وكأن هؤلاء ليسوا شعباً إيرانياً كونهم «اقترفوا» هذه الخطيئة. وفي هذا يقول نجاد متهكماً إن استفتاءً تقوم به مؤسسة او صحيفة ما يشمل 3000 شخصاً يفرض على العالم عينة للقياس، في حين يجري تجاهل استفتاء 40 مليون ناخب إيراني.
 
تصويت طبقي
على المستوى الثاني تعد نسبة التصويت بواقع 85% من الناخبين المسجلين نسبة تصويت قياسية في دول العالم الثالث، أملتها المناظرات، وتركيز نجاد على محوري العلاقة مع الغرب ومكافحة الفساد، وبروزه مرشحاً للفقراء، في تسليط للضوء على الجانب الطبقي الاجتماعي للصراع في إيران ومعها وحولها، حيث بينت أحجام التصويت وتوازعه أن مراكز المدن الكبرى التي تضم الأغنياء صوتت لصالح موسوي، في حين اكتسحت الأصوات لنجاد الصناديق في أطراف المدن الكبرى ذاتها والمحافظات والقرى الفقيرة المترامية في أرجاء البلاد، وهذا مؤشر هام، تتحسب منه مراكز القرار في العالم، لإدراكها أن أربع سنوات أخرى لنجاد ونهجه في سدة الحكم ربما تجعل إيران دولة عصية على الاختراق سياسياً وطبقياً، ولاسيما في ضوء العلاقات القوية التي تربط إيران/ نجاد بفنزويلا/ شافيز، وهو ما تعرض بسببه نجاد لانتقادات واسعة من خصومه السياسيين.
غير أن الأخطر في المشهد الإيراني هو إصرار الفريق الآخر على عدم الإقرار بالنتيجة والتسليم بها وتعمد إحداث عمليات الشغب والتخريب للمباني والممتلكات الحكومية والعامة والخاصة، والاشتباك مع قوات الأمن في عمليات كر وفر من الطرفين أسقطت ضحايا، بما يجعل أصوات 63% من الناخبين الإيرانيين لمصلحة نجاد ضرباً من «الديكتاتورية»، وذلك تنفيذاً لتهديدات مسبقة أطلقها أنصار المنافسين حتى قبيل إجراء الانتخابات، أي إما أن يفوز موسوي أو الخراب، في معركة كسر عظم بين مكونات البنية السياسية الاجتماعية في إيران، ولاسيما بين التيار الليبرالي الموالي للغرب والمحابي للأغنياء ومراكز الفساد الكبرى، وتيار مواجهة الغرب وإملاءاته الموالي للفقراء والمعتمد على مواجهة الاختراق عبر مراكز الفساد، بما يثبت ترابط القضية السياسية بالاقتصادية الاجتماعية والديمقراطية.
 
زلزال إعادة انتخاب نجاد
ولكن أن يصل الموضوع إلى حد قيام بعض أعضاء المنتخب الإيراني لكرة القدم وهم خلال مباراة خارجية برفع رموز موسوي، وإن كان ممارسة ديمقراطية، ولكنه بالنسبة لبلد شبه مغلق كإيران، يعني أن الفريق الآخر لن يسلم بسهولة أو دون تفجير الأوضاع في إيران من الداخل، وهو يندرج ضمن مؤشرات تصل في توقعها إلى احتمالات بدء مسلسل اغتيالات سياسية فيها، ولاسيما أن إعادة انتخاب نجاد أحدثت زلزالاً غير مسبوق في أوربا التي توحد سياسيوها في جبهة واحدة ضده.
احمدي نجاد أكد في المقابل أن «نتائج الانتخابات تؤكد أن عمل الحكومة التاسعة يقوم على النزاهة وخدمة الشعب» في إشارة إلى ولايته الأولى (2005-2009).
وأضاف «أيد 25 مليون شخص هذه الطريقة في إدارة البلاد التي باتت راسخة في الثورة» مؤكدا  «أن هذه الانتخابات وضعت ديمقراطية الغرب أمام تحد كبير».
في هذا الوقت اتهمت وزارة الخارجية الإيرانية في بيان لها وسائل إعلام أجنبية بأنها «ناطقة باسم من يقومون بأعمال الشغب» وفق بيان نقلته وكالة الأنباء الطالبية الإيرانية.
وأورد البيان أن السلطات الإيرانية التي تعتبر أن ممثلي الصحافة الأجنبية يتلقون أوامر من دولهم، تتهم بعض الدول بدعم التظاهرات غير القانونية ضد السلطة.
وكانت الخارجية الإيرانية، ورداً على التدخلات الفاضحة من الدول الغربية والاستدعاءات لسفراء إيرانيين في عدد من الدول على خلفية الانتخابات، استدعت العديد من الدبلوماسيين الأوروبيين. ونقل التلفزيون أن وزارة الخارجية أكدت للقائم بالأعمال التشيكي يوزف هافلاس أنه «لا يحق للاتحاد الأوربي ولا أية دولة أخرى التدخل والإدلاء بملاحظات فظة بخصوص إيران».
وتم لاحقا استدعاء السفير البريطاني سايمون لورنس غاس ونظيره الفرنسي برنار بوليتي احتجاجاً على الموقفين البريطاني والفرنسي من هذه الأحداث، وتم إبلاغ السفير البريطاني «إدانة الملاحظات غير اللائقة وغير المهذبة» التي ادلى بها رئيس الوزراء غوردن براون ووزير الخارجية ديفيد ميليباند، وأكدت الدوائر الدبلوماسية الإيرانية أن على فرنسا أن تظهر «ذكاء وتهذيباً» في مواقفها من إيران.  كذلك تم استدعاء سفراء كل من ايطاليا وألمانيا وهولندا.
 
أحمدي نجاد مرشح الفقراء
بموازاة ذلك أصدر المعسكر المناهض للإمبريالية في 14/6/2009 بياناً له حول الانتخابات الإيرانية، ومما ورد فيه أنه من منظور مناهض للإمبريالية، فإن فوز أحمدي نجاد في الانتخابات الرئاسية الإيرانية هو شيء إيجابي من حيث كون الطبيعة السائدة في شخصية الرئيس الإيراني المعاد انتخابه هي رفض إعادة ترتيب «الشرق الأوسط» وفق السياسة الأمريكية، وأنه حتى أدوات الإعلام الغربي ليس بوسعها تجاهل حقيقة كون الفقر هو من يدعم ترشيح الرئيس الإيراني، فإدانته للفساد داخل مؤسسات الدولة هي ما جلب له في الإعلام الغربي صفة الـ«شعبوي»، وهذا في الحقيقة اعتراف غير مباشر بالدعم الشعبي الواسع الذي يحظى به أحمدي نجاد، وأنه من المعلوم أن المؤسسة الرأسمالية حول رفسنجاني لا تؤيّد أحمدي نجاد، وأن الدول الغربية تتجاهل العيوب التي تظهر في عمليات الاقتراع إذا انتهت هذه بفوز القوى التي تحقق مصالح الغرب، في حين يبدأ الصراخ حول الغش والخديعة إذا كانت النتائج معاكسة، وأن أحمدي نجاد لا يسيطر على كامل جهاز الدولة، بل في أحسن الأحوال فقط على قطاع منه، وإلى حد ما لا يعدّ أحمدي نجاد جزءاً من النخبة الحاكمة، ما يجعل قلب نتائج الانتخابات يتطلّب ما يشبه انقلاباً تقف فيه مراكز القوى في الدولة متحدة وراء أحمدي نجاد أو على الحياد، أو أن تتلاعب جهات مؤيدة لنجاد وقائياً بالانتخابات، وهذا مستبعد.
وأضاف البيان أن نسب المشاركة العالية في الاقتراع التي تجاوزت 80 بالمائة هي مؤشر على قوة واستقرار النظام السياسي في إيران، فهذه النسب لا تحلم بها حتى الديمقراطيات الغربية التي تلقت صفعة من خلال ارتفاع نسبة المشاركة وفوز أحمدي نجاد، فالمعايير المزدوجة التي تصم إيران بالدكتاتورية هي نفسها التي تبرر دعم أعتى دكتاتوريات المنطقة، وبالتحديد التي تؤيد الوجود الغربي وتنظم انتخابات صورية لا توجد فيها معارضات حقيقية ولا تترشح فيها غير النخب الحاكمة، في حين تشكل الانتخابات الإيرانية مفصلا للخيار الوطني بين طريقين، مع الإشارة إلى رغبات الطبقة الوسطى التي تؤيد شرائح منها موسوي بأفق حريات سياسية وثقافية أوسع، هي مطالب تختلط في خط المعارضة الحالي مع خط مهادنة للغرب سياسياً ومع توجه رأسمالي واضح المعالم اقتصادياً، وهذا الرابط هو المرفوض وهو في النهاية العائق أمام من يطالبون فعلا بالحريات السياسية، فمناهضة الإمبريالية هي الشرط الأولي لحركة ديمقراطية حقيقية، في حين يتجه التيار العام في الطبقة الوسطى الإيرانية، ورغم بعض خطاب يساري. نحو ممالأة الغرب.
 
رفسنجاني والفساد أكبر الخاسرين
في الاتجاه ذاته ذهبت قراءة الكاتب والباحث المصري فهمى هويدى في مقالة له بعنوان الفقراء حسموا معركة الانتخابات الإيرانية خلص فيها إلى أن تجديد انتخابات أحمدي نجاد للرئاسة لا يبدو أن له تأثيره على السياسة الخارجية، التي يتولى المرشد «السيد على خامنئى» مفاتيحها الأساسية. ولنا أن نحمد الله على أن تلك السياسة نجت من رياح «الاعتدال» الذي بشر به السيد مير موسوي. وأضاف: سألت خبيراً إيرانيا عن الخاسر الأكبر في الانتخابات، فقال إنه هاشمي رفسنجاني وليس موسوي، لأن الرجل الذي يعد أحد أعمدة النظام يشغل اثنين من أهم مناصب الدولة «رئيس مجلس الخبراء، ورئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام» اتهمه أحمدي نجاد أثناء إحدى المناظرات العلنية بالفساد المالي هو وابنه، فجرح صورته وأهدر سمعته، ولم يبال باحتجاجه لدى المرشد، الأمر الذي يعد اغتيالا أدبيا وسياسيا له، يطعن في شرعيته وفي الظروف العادية فان ذلك يفترض أن يسدل الستار على دوره السياسي.
ومع إعادة انتخاب نجاد بالظروف المحيطة بالعملية يبدو أن إيران ستطل على أبعاد لم تألفها من قبل وسيكون لتفاعلاتها الداخلية انعكاسات ومعان على المنطقة في ظل مختلف التطورات العالمية، وانكسارات المشروع الإمبريالي الكوني.

معلومات إضافية

العدد رقم:
409