«رؤى عبد الله- أوباما- نتيناهو» - تكامل أم تضارب؟!-

من المتداول الآن بين النخب العربية السياسية الرسمية وأجهزة إعلام الدول العربية المهزومة أن قضية فلسطين و«الحلول» المطروحة بشأنها أصبحت محصورة بين «ثلاث رؤى» تختزل مجازاً بأسماء عرابيها وهي:

مبادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز وتعود بداياتها إلى مؤتمر القمة العربية في فاس عقب احتلال بيروت 1982، وكان عبد الله آنذاك ما يزال ولياً للعهد ثم جرى إقرارها في قمة بيروت 2002 وقد أجاب عليها فوراً شارون بأن اجتاح مجدداً مواقع السلطة الفلسطينية وحاصر مقرها في رام الله وبداخله الرئيس ياسر عرفات حتى اغتياله بالسم.
مبادرة الرئيس الجديد للولايات المتحدة باراك أوباما الذي ورث «رؤية بوش» حول «حل الدولتين وقيام الدولة الفلسطينية» حتى نهاية عام 2005، وكان سقف ما طرحه أوباما في واشنطن وفي خطابه بالقاهرة يوم 4 حزيران الجاري العمل على قيام دولة فلسطينية دون أي تحديد لحدودها، والقدس مفتوحة للعبادة ووقف الاستيطان لإبقاء مكان ما لإقامة «تلك الدولة».
خطاب/ رؤية بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الكيان الصهيوني منذ أسبوعين في جامعة «بار إيلات» في تل أبيب والذي جاء متكاملاً مع جوهر خطاب أوباما الذي رحب فيما بعد «بالخطوة الجريئة والرؤية الجديدة لنتنياهو عندما جاء على ذكر الدولة الفلسطينية»، وحسب خطاب نتنياهو اتضح التكامل بينهما: «أوباما طالب بالدولة الفلسطينية ونتيناهو سارع إلى تقديم صورتها ومواصفاتها».

... إن البحث المعمق في «جوهر الرؤى الثلاث» آنفة الذكر، ونقاط التقاطع بينها يذكرنا كيف كانت الدول الاستعمارية تقرر مصائر شعوب منطقتنا في الغرف المغلقة وتطلب من الحكومات والإمارات العربية التابعة لها الموافقة على تلك المخططات بعيداً عن حقيقة موقف شعوبها.
ولعل الذي تغير الآن هو أن دول «الاعتدال العربي» هي من تبادر علنا بتقديم «الحلول» التي ترضي واشنطن ولا تغضب الكيان الصهيوني. وكلنا يعرف أن الصحفي اليهودي الأمريكي الشهير توماس فريدمان هو من صاغ الخطوط العريضة لما يسمى بالمبادرة العربية.
... «فالمبادرة الهدية» ودون أخذ أي اعتبار للحقوق الوطنية الثابتة للشعب العربي الفلسطيني، اعترفت للكيان الصهيوني بـ78% من أرض فلسطين التاريخية أي 56% التي تضمنها قرار التقسيم بالإضافة إلى 22% احتلتها العصابات الصهيونية بين بدء حرب 1948 وبين التوقيع على اتفاقية الهدنة 1949.
... وعندما تتحدث «المبادرة العربية عن إيجاد حل عادل لقضية اللاجئين» وليس عن تطبيق قرار الأمم المتحدة رقم 194 تكون دول الاعتدال العربي قد أقرت ووافقت ضمناً بمؤامرة «توطين اللاجئين» وتخلت عن مبدأ حق العودة الذي هو حق شخصي ولا يذهب بالتقادم.
... وعندما يكون الرد الإسرائيلي على «المبادرة العربية» سلسلة من الحروب العدوانية (وآخرها حربا تموز وغزة) بتشجيع من واشنطن يصبح واضحاً أن الإستراتيجية الإسرائيلية- الأمريكية ليس فقط لا علاقة لها بالسلام من قريب أو بعيد، بل تهدف جهاراً نهاراً إلى استكمال إخضاع من لم يخضع بعد من الدول العربية لمخططات واشنطن وتل أبيب وأولها انجاز «التطبيع» مع الكيان الصهيوني، وكان هذا واضحاً في خطاب نتنياهو الاستفزازي «حول استعداده لزيارة العواصم العربية» فهنيئاً للشعوب العربية «بحكام يصرون على بقاء المبادرة العربية على الطاولة»!
... وهنا نذكر دول الاعتدال العربي بأن «رؤية نتنياهو» لا تختلف عن سابقيها سوى في الصراحة والوضوح المذلين لمن اتهم المقاومة «بالمغامرة»:

1 ـ إن أهم ما في خطاب نتنياهو هو «شرعنة» الوقائع التي أوجدها الاحتلال سابقاً وخلق وقائع جديدة عبر الاستيطان والذي هو أهم وسيلة لضم الأراضي واستيعاب المهاجرين وصولاً إلى «الدولة اليهودية الخالصة» على كل الأرض وطرد من بقي في أراضي 1948.
2 ـ نتنياهو يقبل «بدولة فلسطينية منزوعة السلاح والسيادة» وشمعون بيرس وضعها ضمن حدود مؤقتة أما الكنيست فطالب بأن تكون على أراضي شرق الأردن ومنزوعة السلاح أيضاً.
3 ـ بعد عودته من القاهرة منذ أيام ورغم تصريحاته إلى جانب مبارك حول ضرورة تحريك عملية السلام وقع زعيم حزب العمل أيهود باراك قرار بناء ثلاثمئة وحدة سكنية استيطانية جديدة في الضفة الغربية المحتلة وبالأمس القريب جداً طرحت سلطات الاحتلال مناقصة جديدة «لشراء أملاك الغائبين» من مهجري عرب 1948.
4 ـ «تجاوب» نتنياهو مع «طلب أوباما» بفتح القدس للعبادات ولكنه أصر على بقائها «عاصمةً أبديةً» للكيان الصهيوني.

إن كل يوم جديد يكشف الخدعة الأمريكية حول سراب السلام وأوهام الحلول المطروحة في «الرؤى الثلاث» التي تتكامل، ولا تتضارب فيما بينها، ولكنها تتناقض على طول الخط مع مصالح شعوبنا الواقعة بين سندان التحالف الإمبريالي- الصهيوني ومطرقة النظام الرسمي العربي.
ومن هنا لا مفر من التمسك بخيار المقاومة الشاملة لأنه الوحيد الذي سيعيد الأرض ويحفظ الحقوق والكرامة الوطنية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
410