الإكوادور: استمرار فوز اليسار في الأوقات العصيبة

على الرغم من ازدياد المصاعب الاقتصادية في المنطقة والعالم يواصل اليسار في احتفاظه بالفوز في أمريكا اللاتينية. آخر انتصاراته كانت انتصار الرئيس رفائيل كوريا في الإكوادور، هذا الاقتصادي الذي كان قد أنتخب أول مرة نهاية العام 2006 وقد أعيد انتخابه في 26 نيسان الماضي في ظل الدستور الجديد مما وفر لهذا الرئيس ذي الشخصية الجذابة وابن الـ46 عاماً أربعة أعوام أخرى من الحكم إضافة للإمكانية التي أمنها الدستور الجديد في الترشح لفترة ثالثة، إن أراد.

هنالك العديد من الأسباب التي جعلت أكثرية الشعب الأكوادوري يحافظ على رئيسه بالرغم مما يسمعونه من أخبار ودعاية مضادة على شاشات التلفزيون. ذلك لأن دخل أكثر من مليون وثلاثمائة ألف من الفقراء الإكوادوريين قفز إلى ثلاثين دولار في الشهر في بلد بلغ تعداد سكانه 14 مليون نسمة وهي نسبة رغم ضآلتها تدل على أن تقدماً ما قد حصل. كما ازدادت حصة الإنفاق على الشؤون الاجتماعية لتصل إلى 50% من حجم الاقتصاد خلال سنتين من وجود الرئيس كوريا في الحكم. وقد استثمرت الحكومة العام الماضي بكثافة في الشأن العام مع مضاعفة الإنفاق في هذا المجال.
إضافة إلى ذلك فقد أوفى الرئيس كوريا بوعود أخرى كانت شديدة الأهمية بالنسبة لناخبيه، ليس أقلها الاستفتاء الذي أجاز لجمعية تأسيسية أن تقوم بإعادة صياغة دستور جديد للبلاد وافق عليه ثلثا المستفتين. وقد اعتبر ذلك الدستور كأحد الدساتير الأكثر تقدمية في العالم مع ما حققه على صعيد إحقاق حقوق السكان الأصليين والاتحادات الأهلية. وتم أدراج بند مبتكر في هذا الدستور يعطي للطبيعة حقوقاً، حيث يجيز هذا البند برفع الدعاوى القضائية على أساس إلحاق الضرر بنظام بيئي ما.

ظن الكثيرون أن الرئيس كوريا كان يمزح عندما قال أثناء حملته الانتخابية بأنه يرغب في الإبقاء على القاعدة العسكرية الأمريكية في مانتا إذا ما سمحت واشنطن للجيش الإكوادوري في التمركز في فلوريدا. إلا أنه لم يحقق تلك الرغبة وعمل على وضع جدول لإغلاق القاعدة خلال هذا العام. كما قاوم ضغوطاً مارسها عليه الكونغرس الأمريكي وآخرون في قضية دعوى بمليارات الدولارات ضد شركة شيفرون التي تعتبر ثاني كبرى شركات النفط الأمريكية تتهمها حكومة الأكوادور بإهدار المليارات من غالونات النفط الخام وتلويثها للأنهار والجداول في الإكوادور. وفي خطوة غير مسبوقة توقف الرئيس كوريا في تشرين الثاني من العام الماضي عن دفع مبلغ 4 مليارات دولار مستحقة كدين خارجي عندما توصلت لجنة مستقلة لمراجعة الديون إلى أن الاتفاق على استيفاء هذا الدين تم بشكل غير قانوني.
كانت سياسات كهذه مستبعدة على الدوام في الولايات المتحدة حيث كان ينظر إليها على أنها سياسات شعبوية أو (أسوأ)، فقد عنونت صحيفة نيويورك تايمز افتتاحيتها في شهر تشرين الثاني من العام 2007 بالتالي: «التوتاليتاريون في الأنديز» ملخصة الرؤية التي تتبناها مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية والتي مفادها أن الرؤساء كوريا في الأكوادور، وموراليس في بوليفيا، وتشافيز في فينزويلا أصبحوا أكثر ميلاً لحصر السلطة في أياديهم. فبالنسبة لكوريا وموراليس، أوردت الإفتتاحية أن: «مواقفهم المتطرفة تهدد بتمزيق بوليفيا ومثلما تهدد استقرار الإكوادور الاجتماعي الهش».
لقد أثبتت كل من صحيفة نيويورك تايمز ومؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية أنهما على خطأ لأن الإكوادور وبوليفيا أصبحتا أكثر استقراراً على الصعيد السياسي مما كانتا لعقود خلت، حيث تناوب تسعة رؤساء جمهورية على حكم الإكوادور خلال الأعوام الخمسة عشر الأخيرة فقط. أما الآن فقد أصبح هذان البلدان أكثر ديمقراطية من أي عهد مضى.
في الحقيقة تشهد معظم دول أمريكا اللاتينية تحولاً ديمقراطياً يمكن له أن يثبت أن أي نشاط مهما بدا صغيراً ما هو إلا تعجيل في إنهاء الدكتاتوريات التي ابتلت فيها معظم دول المنطقة خلال العقود الأربعة التي تلت الحرب العالمية الثانية. وللمفارقة فإن أداء المنطقة الاقتصادي خلال فترة حكم الدكتاتوريات كان أفضل لدرجة كبيرة من الحكومات الديمقراطية في مظهرها، النيوليبرالية في مضمونها، التي حلت محلها لأن حكومات تلك الحقبة كان لها تأثير أشد في السياسات الاقتصادية.
منذ سنوات عدة زرعت وسائل الإعلام المعادية مخاوف مفادها بأنه سوف يجتاح شعوب المنطقة حنين لأيام الحكومات التوتاليتارية الحقيقية التي كانت سائدة فيما مضى (وليس المتخيلة حالياً) بسبب مستويات المعيشة الجيدة التي كانت متوفرة خلال تلك الحقبة. لكن بدل ذلك الحنين اختارت هذه الشعوب الاقتراع لمصلحة الحكومات اليسارية التي وسعت نطاق الديمقراطية لتطال ليس السياسة فقط بل الاقتصاد والسياسات الاجتماعية.
نجحت الحكومات اليسارية كثيراً فيما فشلت فيه الحكومات النيوليبرالية التي سبقتها. فمن جهة استفادت هذه الحكومات من التسارع في النمو الاقتصادي العالمي الذي طبع السنوات الخمس الأخيرة بطابعه. ومن جهة ثانية غيرت هذه الحكومات من سياساتها الاقتصادية بطرق أسهمت في زيادة النمو الاقتصادي. فقد نما الاقتصاد الأرجنتيني بمعدل 60% خلال ستة أعوام والفنزويلي بـ95%. تعتبر معدلات النمو هذه ضخمة  وساهمت في تخفيض معدلات الفقر مع أخذنا بالاعتبار للركود السابق الذي أصاب هذه البلدان. كما أن الحكومات اليسارية فرضت السيطرة أكثر فأكثر على مواردها الطبيعية وخاصة في الإكوادور وبوليفيا وفنزويلا وأوفت بما تعهدت به وهو توزيع عائدات هذه الموارد على الشعب.
بهذه الطريقة يمكن للديمقراطية أن تنجح، لقد اقترع الشعب للتغيير وقد حصل على ما توقعه من وراء هذا الاقتراع وآماله التي تبدو في محلها، بأن المزيد آت. يجب علينا ألا نفاجأ بأن معظم ناخبي أمريكا اللاتينية قد استمروا خلال الأوقات العصيبة بتأييد اليسار الذي بدوره سيكون مستعداً للدفاع عن مصالحهم.
 
• المدير المساعد في مركز الدراسات الاقتصادية والسياسية في واشنطن

مارك ويسبروت
ترجمه لقاسيون: مالك ونوس

معلومات إضافية

العدد رقم:
410