صوت بابل

لقد أغلقت السماء أبوابها بعد احتلال العراق، ولم تعد الأدعية تصل. بهذا السبب، صارت كل الأدعية تتزاحم أمام الأبواب ولم يعد باستطاعة أحد الولوج لشرح أية قضية ولإنقاذ مايمكن إنقاذه في مسألة احتلال العراق.

كان أحدهم يتكئ على ذلك الباب الذي كانت بعض شقوقه تهمس له، لم يكن باستطاعته تفسير كل مايقال لكنه أصر. وفي بعض الأماسي كان يحفر بسكينة صغيرة كانت تتناوب أصابعه العشرة الحفر في ذلك الشرخ الصغير، لقد توصل إلى تلك الساحة الفسيحة التي كانت الأدعية تتجمع في جنباتها بنصف عين، وسأل نفسه: هل تلك الأدعية تحرر العراق. رغب كثيراً أن يفهم هذه الأحجية!!

الموت شاهده بأم عينه يوم قصفت العراق، وقد شاهد بعض الأذرع المشلوحة والكثير من الأجساد مرمية في كل مكان، وأصابع أطفال كانت تهم أن تعطي الإجابات لكل التساؤلات التي غامت لزمن عن وجدانه، وكان بعضها مرفوعاً وكأنه يدلل على حالة ما!!

وهؤلاء الذين يعتمدون على تلك الأدعية قد وقفوا حائرين لارابط بينهم، وكأن كل واحد فيهم يرغب في أن يتحدث، لكن لايعرف ِبمَ، هل يمكن للجثث الكثيرة أن تقول شيئاً، لقد التقطها فم الموت الذي أتى مع الغزاة إلى العراق، ومازال يلتهم كل شيء ولن يشبع بسهولة، وعندما أبعد نظره عن ذلك الشق في جدار السماء رؤيت مساحات كبيرة مفروشة بالأجساد التي أسلمت الروح في ذلك اليوم، ودماؤها أغرقت السماء.

اين اليد التي وعدت بأن تنقذ من الموت؟

وهل تأتي المعونة بلا ثمن؟

هل يأتي الدعاء بنتيجة؟

وعندما قلب الأمر على وجوهه الكثيرة أطل وجه نينوى مصبوغاً بالدم، وحمورابي في إثرها يحمل ألواحه، وكان كل من شاهد حدائق بابل في ذلك المساء يصرخ ويبكي أحياناً لكن الصوت العظيم الآتي من البعيد كان يقول: لن تركع بغداد على عتبات ملوثة إلى الأبد!! ولن تجلب الأدعية النصر.

 

■ سلوى شحادة الجندي

معلومات إضافية

العدد رقم:
228