عن الأسرى الفلسطينيين.. قراءة في انتهاكات الاحتلال
صعدت قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ اندلاع انتفاضة الأقصى سياستها في الاعتقال بحق أبناء الشعب الفلسطيني، من خلال إتباعها لسياسة الاعتقال العشوائي والمنظم بشكل واسع النطاق، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع حاد في أعداد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون ومعتقلات الاحتلال الإسرائيلي حيث بلغ عدد من تعرضوا لعمليات الاعتقال خلال السنوات الثلاث الأولى من انتفاضة الأقصى ما يقارب (32 ألف) معتقل فلسطيني، حسب ما أكده رئيس نادي الأسير عيسى قراقع في ندوة عقدت بمدينة رام الله بتاريخ 3/5/2004.
وقد رافق ذلك اندفاع سلطات الاحتلال الإسرائيلي بتوسيع سجونها ومعتقلاتها، كما أعادت افتتاح سجون ومعتقلات كانت قد أغلقتها خلال السنوات التي سبقت انتفاضة الأقصى، أو تشييد سجون جديدة وفق مواصفات شديدة القساوة والإجحاف، وهذه السجون منها ما يخضع لسلطة ما يسمى بمصلحة السجون الإسرائيلية كسجون نفحة الصحراوي وعسقلان وشطة وهدريم وتلموند وبئر السبع المركزي وبئر السبع ايشل وبئر السبع قسم العزل وسجن الرملة ومستشفى سجن الرملة ونفي تريستا وعتليت...الخ، ومنها ما تتبع لسلطة جيش الاحتلال، كسجون مجدو والنقب الصحراوي وعوفر، حواره وقدوميم وسالم وكفار عتصيون وبيت إيل...الخ.
أما مراكز التحقيق فهي تابعة لأجهزة الأمن مثل الجلمة وبتاح تكفا والمسكوبية، وما زالت الأنباء تتحدث عن إنشاء سجون جديدة مثل سجن جلبوع الذي أفتتح مؤخراً، ووصف بأنه السجن الأشد حراسة، فهو عبارة عن قلعة حصينة شيدت من الاسمنت والفولاذ في غور بيسان بإشراف خبراء ايرلنديين. وهناك سجن آخر مشابه له بالمواصفات افتتح في نهاية شهر حزيران 2004 ويقع بالقرب من سجن بئر السبع، وهناك بعض التقارير التي تشير إلى وجود مركز للاعتقال السري المعروف بسجن رقم 1391 الذي يقع في قرية تعاونية استيطانية وسط إسرائيل، وتفيد آخر الإحصائيات الصادرة عن وزارة شؤون الأسرى الفلسطينية بتاريخ8/7/2004 بـأن عدد الأسرى الفلسطينيين المتواجدين رهن الاعتقال في مختلف السجون الإسرائيلية حتى نهاية شهر حزيران 2004 قد (7400 أسير)، وهذا العدد تقريبي نظراً لعمليات الاعتقال والإفراج المستمرة، منهم (88.6%) من الضفة الغربية و(9.9%) من قطاع غزة و(1.5%) من فلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1948.
وبينت الإحصائية بأن عدد الأسرى الموثقين لدى الوزارة قد بلغ (6066) أسيراً، بينهم (5371) أسيراً من الضفة الغربية و(206) أسير من قطاع غزة و(93) أسيراً من فلسطينيي الداخل. ومن هؤلاء الأسرى (753) أسيراهم رهن الاعتقال قبل اتفاق أوسلو، بينهم (538) من الضفة الغربية و(199( أسيراً من قطاع غزة و(24( من فلسطينيي الداخل.
وتفيد الإحصائية أيضاً بأن عدد الأطفال الذين تعرضوا للاعتقال منذ بداية انتفاضة الأقصى أكثر من (2000) طفل بقي رهن الاعتقال، منهم (470) طفلاً أي ما نسبته (6%) من مجموع الأسرى، بينهم(206) تجاوزوا سن الثامنة عشرة داخل السجن و(22( طفلاً معتقلاً إدارياً و(286) بانتظار المحاكمة و(31) طفلاً محكوم بالسجن لفترات مختلفة بينها الحكم مدى الحياة عدة مرات كما في حالة الأسير علي المغربي من مخيم الدهيشة.
أما بالنسبة للأسيرات الفلسطينيات فتشير الإحصائية بأن هناك (100) أسيرة يقبعن في سجون الاحتلال من أصل (205) فتاة تعرضن للاعتقال، بينهن (28) أسيرة صدرت بحقهن أحكام متفاوتة وصلت إلى الحكم بالسجن مدى الحياة و(69( منهن مازلن موقوفات في انتظار المحاكمة و(3( منهن حكمن بالسجن الإداري و(3( أخريات اعتقلن قبل انتفاضة الأقصى، كما يوجد (18) أسيرة من الأمهات وعدد أبنائهن(75).
وتفيد إحصائية وزارة شؤون الأسرى إلى أن (1873) من الأسرى محكومون إدارياً وأن(3.58) أسيراً موقوفون على ذمة التحقيق، في حين يوجد (309) أسيراً يقضون أحكاماً بالسجن مدى الحياة، ويقضي (309) أسرى حكماً بالسجن أكثر من (15) عاماً وأقل من (50) عاماً، و (142) أسيراً محكومون بالسجن ما بين(10ــ15) عاماً.
وتناول التقرير سنوات الاعتقال التي قضاها الأسرى في الاعتقال، لافتاً إلى وجود(6) أسرى قضوا أكثر من (25) عاماً داخل السجن، بينما يوجد (297) أسيراً قضوا أكثر من (10) سنوات.
ويعيش هؤلاء الأسرى في مختلف مراكز اعتقالهم سالفة الذكر، ظروفاً مأساوية نتيجة لما يتعرضون له من انتهاكات مبرمجة ومخطط لها بأحكام طالت مختلف ظروفهم المعيشية، بهدف كسر إرادتهم والنيل من عزيمتهم، الأمر الذي اعتبرته مختلف المؤسسات العاملة في مجال حقوق الإنسان وعلى رأسها المؤسسات المهتمة بشؤون الأسرى، سواء كانت محلية أو إقليمية أو دولية، انتهاكاً صارخاً لكافة المواثيق والمعاهدات والشرائع الدولية.
ولعل أول هذه الانتهاكات التي ترتكبها سلطات الاحتلال الإسرائيلي بحق الأسير الفلسطيني تبدأ من لحظة اعتقاله الأولى، والتي عادةً ما تجري وسط جو من الرعب والإرهاب، سواء كان ذلك من خلال علميات إطلاق النار الكثيف وقنابل الصوت وفتح الأبواب بتفجيرها وتدمير الممتلكات، أو من خلال تعرض المعتقل وذويه في أغلب الأحيان للضرب المبرح والشتم من قبل جنود الاحتلال الذين يسارعون إلى تكبيل يديه وأحياناً رجليه وتعصيب عينيه. هذا المشهد المروع هو الماثل في أذهان أسر معظم المعتقلين في حال روايتهم لحادثة اعتقال أحد أفراد الأسرة.
المحامي بهاء السعدي مدير مكتب الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق المواطن في مدينة نابلس، يقول إن أول حلقة من حلقات مسلسل الانتهاكات التي تمارسها سلطات الاحتلال الإسرائيلي بحق الأسير الفلسطيني، تبدأ من لحظة اعتقاله، حيث تتم عملية الاعتقال دون مذكرة ودون إخبار المعتقل وذويه بالجهة التي سيتم اقتياده إليها، وذلك يتم بالاستناد إلى مجموعة من الأوامر العسكرية وفي مقدمتها الأمر العسكري رقم 1500 الصادر بتاريخ 5/4/2002 عن القائد العسكري الإسرائيلي للضفة الغربية، الذي يسمح باعتقال أي فلسطيني بدون إبداء الأسباب وبدون مذكرة اعتقال، بالإضافة إلى الاحتجاز لمدة (18) يوماً دون أي إجراءات قضائية، الأمر الذي اعتبره السعدي انتهاكاً صارخاً لاتفاقية جنيف الرابعة. بعض المعتقلين تم إعدامهم بعد اعتقالهم بدم بارد. رئيس نادي الأسير عيسى قراقع أكد ذلك في شهادته أمام اللجنة الدولية الخاصة بالتحقيق في الممارسات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة بتاريخ 3/6/2004 في القاهرة، بأن أكثر من(150) أسيرا فلسطينيا أعدموا بعد إلقاء القبض عليهم.
أساليب التعذيب...
في أعقاب عملية الاعتقال يتم عادةً تحويل الأسير الفلسطيني إلى أحد أقبية التحقيق التابعة لأجهزة الأمن الإسرائيلية، وهذه المراكز هي الجلمة (كيشون)، وبتاح تكفا (هشرون)، والمسكوبية (مجراشل هروسيم)، وعسقلان (شكيما)، حيث تمارس أجهزة الأمن في هذه المراكز كافة ألوان التعذيب الجسدي والنفسي بحق الأسير الفلسطيني، بهدف انتزاع أي معلومات منه، دون الأخذ بعين الاعتبار الأسس والقواعد التي تنظم عمليات التحقيق وفق الشرائع والقوانين الدولية.
رائد عامر مدير نادي الأسير في محافظة نابلس والذي تعرض للاعتقال عدة مرات ولفترات طويلة، يروي الأساليب المستخدمة في عمليات التحقيق مع الأسرى من قبل أجهزة الأمن الإسرائيلي، فيذكر بأن الأسير يوضع بدايةً في ظل ظروف محيطة وصعبة للغاية، حيث يزج به في زنزانة لا تتجاوز مساحتها 1*1.5م وهو موثوق الأيدي والأرجل ومعصوب الأعين بدون فراش أو غطاء، والزنزانة رطبة لا تدخلها أشعة الشمس والتهوية فيها تكاد تكون معدومة، هناك فتحة صغيرة يتم استخدامها لتزويد المعتقل بكميات بسيطة من الطعام، وبعد مرور ثلاثة أيام يكون قد حرم فيها المعتقل من كل ذلك.
ويضيف بأن الأسير يتعرض منذ اليوم الأول لاعتقاله إلى جولات طويلة ومتكررة من التحقيق يمنع من النوم وقضاء حاجته في المرحاض لأوقات طويلة ويتعرض للشبح والضرب والشتم والربط في أوضاع مؤلمة كربط الساقين وشدها إلى الخلف من تحت كرسي ثم الدفع بجسم الأسير نحو الخلف وكذلك إجلاس الأسير لفترات طويلة أمام مكيف هواء بارد ثم ساخن واستخدام الموسيقى الصاخبة لفترات طويلة واستخدام الصدمات الكهربائية واستخدام الكلاب واستغلال مرض المعتقل أو إصابته للضغط عليه والتهديد بالقتل أو اعتقال أفراد الأسرة واستخدام أسلوب الهز العنيف وحرمان المعتقل من زيارة المحامي والأهل ...الخ.
وعلى أرض الواقع ما زال جهاز الأمن العام الإسرائيلي يقوم بممارسة كافة وسائل التعذيب البدني والنفسي بحق المعتقلين للفلسطينيين.
إسرائيل تحاول في أغلب الأحيان أن تنكر تعرض الأسير للتعذيب وفي أحيان أخرى تحاول أن تبرر فعلتها بالضرورات الأمنية. آخر الإحصائيات الصادرة عن وزارة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية الصادرة في آيار 2004، تفيد بأن 96% من الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي تعرضوا لصنف أو أكثر من أصناف التعذيب، و85% تعرضوا للشبح، و95% حرموا من النوم، و87% أجبروا على الوقوف لفترات طويلة وهذا ما أكده رئيس نادي الأسير عيسى قراقع في معرض شهادته أمام اللجنة الدولية الخاصة بالتحقيق في الممارسات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة بتاريخ 3/6/2004 بالقاهرة، حيث أكد بأن 95% من الأسرى تعرضوا للتعذيب والإهانات المتعلقة بالكرامة والإنسانية.
بعد انتهاء التحقيق
في أعقاب انتهاء التحقيق مع الأسير الفلسطيني من قبل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية والتي قد تمتد لفترات طويلة أحياناً لعدة أشهر، إما أن يتم إطلاق سراح المعتقل أو يتم تحويله إلى الاعتقال الإداري في حالة عدم توفر لائحة اتهام، أو يصدر أمر بإيقافه لحين المحاكمة، عند ذلك يحول الأسير إلى أحد السجون أو المعتقلات لتبدأ مرحلة جديدة من مراحل الصراع وكسر الإرادة بين الأسرى وإدارة السجن.
إخضاع الأسرى للتفتيش العاري
الأسير أحمد أبو عز الدين، المعتقل عشر سنوات في سجن مجدو، يروي في شهادته التي نشرت في صحيفة الأيام بتاريخ 8/6/2004، وكان الأسير قد نقل من سجن شطة إلى سجن مجدو قبل شهر، أكد فيها بأنه تعرض للضرب بعد أن أوثق جنود الاحتلال يديه وقدميه بالأصفاد، بسبب رفضه الامتثال لأوامرهم بخلع ملابسه ليلاً.
وفي نداء استغاثة وجهته مائة أسيرة فلسطينية من سجن تلموند للمؤسسات الحقوقية والإنسانية بتاريخ 27/3/2004 عبر نادي الأسير، اشتكت الأسيرة ثورة مرشد شلش المحكومة 6 سنوات من سياسة التفتيش العاري والمذل الذي تتعرض له الأسيرات، وذكرت بأنه يتم الاعتداء بوحشية على أي أسيرة ترفض التفتيش الجسدي.
كذلك أفادت الأسيرة عبير محمود عودة، بأنها تعرضت للضرب عدة مرات على وجهها، على يد السجانين، بسبب رفضها التفتيش العاري. وأضافت بأنها عوقبت بالشبح على السرير لمدة أسبوع، وجرى عزلها في زنزانة لمدة 24 يوماً، وتعرضت خلال العزل للضرب والشبح حيث شبهت الأسيرات سجن تلموند بسجن أبو غريب في العراق.
سياسة العزل..
أقدمت إدارات سجون الاحتلال الإسرائيلي منذ زمن بعيد على إتباع سياسة عزل الأسرى في ظل ظروف سيئة للغاية، بدعوى الضرورات الأمنية، حيث عمدت إلى عزل الأسرى أصحاب القضايا الخطيرة، حسب ادعائها، أو من تعتقد بأن وجودهم بين الأسرى يؤدي إلى المساس بالأمن الإسرائيلي، وكذلك استخدمت أقسام العزل كعقاب للأسرى الرافضين لسياسات إدارات السجون. وقد ناضل الأسرى لسنوات طويلة، حيث خاضوا الإضرابات المتكررة حتى استطاعوا أن يجبروا إدارات السجون على إغلاق معظم هذه الأقسام في عام 1994، ولكن سرعان ما عادت هذه الإدارات إلى إعادة افتتاحها وافتتاح أقسام جديدة في معظم السجون في أعقاب اندلاع انتفاضة الأقصى، وزجت بأعداد كبيرة من الأسرى بداخلها، ومن هذه الأقسام عزل الرملة وبئر السبع ونفحة، ومؤخراً عملت سلطات الاحتلال على افتتاح سجون عزل بأكملها كسجن جلبوع.
محاكم وأحكام جائرة..
يمثل الأسير الفلسطيني في مراحل اعتقاله الأولى أمام المحاكم العسكرية الإسرائيلية التي تمثل أحد أذرع الاحتلال، وهي محاكم غير شرعية وتتناقض مع نظام العدالة. فهذه المحاكم تستند في آلية عملها إلى معايير وأوامر عسكرية تصدر عن قادة جيش الاحتلال. إن المحاكم العسكرية أقيمت بالاستناد إلى الأمر العسكري رقم (378) لسنة 1970، وبموجب هذا الأمر يحق لقائد المنطقة العسكري تشكيل محاكم عسكرية، يكون رئيس المحكمة ضابطاً في الجيش ذا أهلية قانونية بالإضافة إلى قاضيين من ضباط الجيش، ولا يشترط أن يتمتعا بالأهلية القانونية، ويتولى أيضاً قائد المنطقة تعيين المدعي العسكري. وهذه المحاكم هي محكمة (بيت أيل) العسكرية ومحكمة (سالم) العسكرية ومحكمة (ايرز) العسكرية و(عوفر).
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 228