مؤتمر فتح: تخلٍ عن شرعية «الثورة» مقابل «السلطة»!

.. مع تأكيدنا على أن المقدمات الخاطئة تفضي إلى نتائج خاطئة، لابد من التذكير مجدداً بأن اتفاقات أوسلو سيئة الذكر، وعودة السلطة الرئيسية في منظمة التحرير إلى الأراضي المحتلة عام 1994 بموافقة الاحتلال، وما تلا ذلك من تراجع القيادة الفلسطينية تدريجياً عن الثوابت الوطنية الفلسطينية «باسم الواقعية السياسية»، قد وضع حركة «فتح» كبرى الفصائل الفلسطينية، وصاحبة أول رصاصة في الكفاح المسلح الفلسطيني أمام معادلة استراتيجية جديدة: إما التمسك بشرعية الثورة أو القبول بـ«شرعية السلطة»!.

ومن هنا لم تكن نتائج مؤتمر حركة فتح السادس (والذي يفصله عشرون عاماً عن المؤتمر الخامس) مفاجئةً بالمعنى السياسي العام قياساً على سلوك السلطة منذ عام 1994 وحتى اليوم. وكان واضحاً أن خطاب محمود عباس في افتتاح المؤتمر هو «خطاب سلطة» من الألف إلى الياء من حيث التوجه الواضح نحو فك الاشتباك بين شريحة المقاومة ضد الاحتلال واستمرارها، وبين الشرعية الحزبية السلطوية في رام الله. أي أن الخطاب لم يتناول حركة فتح ذات المسؤولية الوطنية الكبرى ودورها تجاه الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج. ولم يغير من هذه الحقيقة حديث عباس مراراً عن ترتيب «البيت الفتحاوي» لأن المطلوب وطنياً الآن- ودون إبطاء- هو ترتيب البيت الفلسطيني عبر تعزيز الوحدة الفلسطينية وإنهاء الانقسام الداخلي الخطير الذي وصل إلى حد الاقتتال والاعتقالات المتبادلة في الوقت الذي تقوم فيه سلطات الاحتلال الصهيوني ليس فقط بتشجيع ظاهرة الانقسام الفلسطيني- الفلسطيني، بل باستمرار الحرب المفتوحة ضد المقاومة واعتقال الآلاف ومن كل الانتماءات، واستمرارها في تهويد الأرض بحيث لا يبقى مكان لإقامة الدولة الفلسطينية ولا مجال للحديث عن حق العودة.
ورغم استمرار جلسات المؤتمر لمدة أسبوع لم يقر مؤتمر فتح أية برامج سياسية أو اجتماعية، بل كان البرنامج الرئيسي هو الانتخابات (انتخاب الرئيس واللجنة المركزية والمجلس الثوري) بما يتلاءم مع تحويل حركة فتح إلى «حزب السلطة» عبر المؤشرات التالية:

• إعادة الاعتبار إلى ثلاث شخصيات قيادية أمنية مركزية كانوا في السابق رؤساء ثلاثة أجهزة أمنية لعبت أدواراً بالغة الخطورة في السلطة وهم: محمد دحلان، جبريل الرجوب، وتوفيق الطيراوي.
• نقل مركز الثقل إلى الداخل وإعطاء الدور القيادي الحقيقي لكادرات فتح في الداخل المحتل: (انتخاب عضو وحيد في اللجنة المركزية من خارج الأراضي المحتلة).
• ترسيخ القيادة السياسية بأيدي قياديين من فتح، هم أبرز المهندسين لاتفاقات أوسلو ومسؤولين عن مسيرة فتح السياسية والتنظيمية في السنوات العشر الماضية، الشيء الذي يجعل فتح اليوم كحزب أكثر تماهياً مع السلطة.

..من اللافت أن الإعلام العربي تناول مؤتمر فتح وكأنه حدث أكبر من القضية الفلسطينية، وانصبت التحليلات ليس على ما ينتظره الشعب الفلسطيني من مؤتمر الحركة على صعيد المراجعة السياسية لمسيرة التسوية برمتها وفشلها في ردع المحتل، ومدى ضررها البالغ على الوحدة الفلسطينية وعلى دور منظمة التحرير الفلسطينية الذي تحول إلى تابع للسلطة في رام الله، بل تركزت التحليلات المقصودة على صراع التيارات داخل الحركة ولمن ستكون الغلبة للتيار العرفاتي أم لمصلحة عباس، أو لمصلحة تيار «محمد دحلان»!
..وإذا كنا نقدر باعتزاز تاريخ حركة فتح المرتبط بإطلاق الكفاح المسلح وترسيخ الشرعية الثورية للمقاومة الفلسطينية الباسلة من كل الفصائل، فإن تماهي قيادة الحركة مع السلطة سيقوي من شوكة الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني وسيزيد قوات الاحتلال إمعاناً في جرائمها ضد المقاومة الفلسطينية دون تمييز بين قواعد فتح وحماس/ أو أي فصيل فلسطيني مقاوم يرفض شروط الاحتلال.
..وإذا كانت قوى المساومة في السلطة قد استخدمت منظمة التحرير الفلسطينية كمظلة لتمرير التراجع عن الثوابت الوطنية الفلسطينية منذ عام 1994 وحتى اليوم، فالمطلوب الآن هو إعادة تأسيس الفضاء السياسي الفلسطيني ومنظمة التحرير الفلسطيني وفق لوحة الإحداثيات السياسية الراهنة دولياً وإقليمياً، ووفق استخلاص الدروس المستفادة من التجارب المريرة للانقسام الفلسطيني الداخلي وخصوصاً بين فصيلي فتح وحماس اللذين يتحملان المسؤولية الأكبر فيما آلت إليه الأمور داخل الشارع الفلسطيني. إن نزوع أي فصيل فلسطيني وخصوصاً فتح أو حماس نحو الاعتقاد بإمكانية خلق «سلطة فلسطينية في ظل الاحتلال» هو قبض على الريح ويفضي إلى التفريط بالحقوق الوطنية الفلسطينية الثابتة في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.
إن بوابة العبور الحقيقية نحو الأهداف الفلسطينية الكبرى هي الوحدة الوطنية الفلسطينية في الداخل والخارج على أرضية خيار المقاومة الشاملة، والتي لا طريق سواها للانتصار على المشروع الصهيوني.

معلومات إضافية

العدد رقم:
416