«مسؤولية الحماية».. صيغة امبريالية جديدة لبسط الهيمنة

تُعبر الصيغة «مسؤولية الحماية» Responsibility to Protect أو مصطلح R2P عن أحدث الصرعات  الأمريكية لتبرير العدوان العسكري وتغيير الأنظمة السياسية في الدول الضعيفة. صارت هذه الأداة مذهباً جديداً يستحضر مصطلح «محميّة»- التسمية القانونية للبلد المستَعمَر الذي تهيمن على إدارته قوة كبرى.

بدأت الأمم المتحدة ما سيؤول إلى مناقشة ممتدة بشأن مبدأ «مسؤولية الحماية» أو ما أصطلح على تسميته اختصاراً R2P. وهذا المبدأ هو الصيغة الأقرب لما يسمى بالمفهوم «الإنساني» للتدخل العسكري في شؤون الدول النامية.
الشخصية الرئيسة لهذه المناقشة في إدارة اوباما ستكون السفيرة سوزان رايس التي ستستخدم مبدأ «مسؤولية الحماية» لتبرير الممارسات العسكرية الأمريكية في الصومال، السودان، والدول الأخرى المماثلة. أحد أبرز المعارضين لهذا المبدأ هو السيد ميغويل دي ايسكوتو، رئيس نيكاراغوا/ رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة.
«مسؤولية الحماية» هي إحياء لمصطلح «محمية»- الإطار «القانوني» لإدارة بلد ما باعتباره «مستعمرة» من دولة كبرى. هذه هي طريقة الأمم المتحدة السابقة، إذ سحبت عصبة الأمم مستعمَرة جنوب غرب أفريقيا من ألمانيا المهزومة بعد الحرب العالمية الأولى، وأعطتها لحكم البيض في جنوب أفريقيا لغاية ظهور جمهورية ناميبيا المستقلة العام 1990.
«المحمّية» هي ما بادرت إلى إقامتها كل من بريطانيا وفرنسا على أنقاض الإمبراطورية العثمانية في معظم أنحاء الشرق الأوسط، وأيضاً بعد الحرب العالمية الأولى، وبذلك يمكنهم حماية النفط والموارد الأخرى للمحميّة، وكذلك بزعم حماية سكانها. كانت فلسطين محميّة بريطانية، لكن بريطانيا لم توفر الحماية لسكانها العرب من الصهاينة الذين اغتصبوا أرض فلسطين العام 1948.
هايتي هي حالياً، وبحكم الأمر الواقع، «محميّة» تابعة للأمم المتحدة بالعلاقة مع كل من الولايات المتحدة، فرنسا، وكندا. في الواقع، فإن الصيغة الجديدة للمحميات، قد تم تحسينها ودعمها نظرياً في سياق مذهب «مسؤولية الحماية»- بعد أن أُعيد إحياء مفهومها، بخاصة لإنكار سيادة شعب هايتي على وطنه بعد إسقاط نظام الرئيس الهاييتي جان برتراند أريستيد في عام 2004.
يرفض رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة مذهب المحميات المطروح تحت ستار R2P. وضِعَ بلده نيكاراغوا، كحال دول أمريكا الوسطى كافة، باعتباره محمية تابعة للولايات المتحدة التي اعتبرت نيكاراغوا كمستودع للعبيد السود الأمريكان المحرَرين. وفي الثمانينات موّلتْ عصابات الكونترا، وفخخت موانئ نيكاراغوا في تحد لمحكمة العدل الدولية التي لم تتمكن من توفير الحماية من الأمريكان.
تقف أفريقيا بشكل حاسم ضد مفهوم «مسؤولية الحماية» بعد أن شهدت حماية غير متوازنة ومنحازة لتطبيق «العدل» من قبل المحكمة الجنائية الدولية التي اقتصرت أحكامها على الأفارقة فقط، لكنها لم تفعل شيئاً لحماية أفريقيا من الاستعمار الجديد الذي فرضته الولايات المتحدة وأوربا.
ومن بين المشاركين في المناقشات الدائرة في الأمم المتحدة نعوم شومسكي الذي يصف هذا المبدأ بـ«الإمبريالية الإنسانية». وهذا هو بالضبط ما سيؤول بيد الولايات المتحدة وفق الصيغة المطروحة من سوزان رايس لمفهوم R2P، حيث تسمح لواشنطن العمل من جانب واحد كلما قررت التدخل العسكري بذريعة تنفيذ ضرورة إجرائية لمصلحة البشرية. وفي الممارسة العملية، فهذا لا يختلف عن مذهب بوش وسائر المذاهب الأمريكية السابقة والتي بررت تغيير الأنظمة السياسية وفق الهوى السياسي لواشنطن.
إن ما يحتاجه كوكبنا للحماية منه هو بالذات الولايات المتحدة الأمريكية التي ستبقى، كما وصفها الدكتور مارتن لوثر كنغ قبل أربعين عاماً مضت، بـ: «المتعهد الأكبر للعنف في عالمنا».

غلين فورد /  ترجمة: د. عبدالوهاب رشيد

معلومات إضافية

العدد رقم:
415