برنامج إنقاذ وطني في الأرجنتين

 تَعدَّدَ الرؤساء والعلة واحدة:الليبرالية …!
في ضوء الاضطرابات الاجتماعية والسياسية التي تحياها الأرجنتين بات واضحاً أن تعقيدات الموقف الاقتصادي الاجتماعي في البلاد لا تتعلق فقط بمن يشغل منصب الرئاسة بعد /فرناندو دو لا روا/ أو ثلاثة رؤساء من بعده في غضون أسبوعين على الرغم من محاولة عدة شخصيات سياسية النأي بأنفسهم عن تحمل مسؤوليات جسام في فترة انتقالية حرجة وتفضيلهم الاحتفاظ بفرصة الترشيح في الموعد الدستوري على أمل المراهنة على الاحتفاظ بسمعة ما وفرصة ما للاستمرارية لاحقاً…

 بؤرة الانهيار اللاحق
وإذا كان هذا المعطى يعد جزءاً من فهم لوحة ما يجري في الأرجنتين وأحد التفسيرات للاستقالات السريعة من جانب الرئيس الأسبق ورئيس مجلس الكونغرس أو رئيس مجلس النواب فإنه لا يغير من حقيقة أبعاد الأوضاع في الأرجنتين والتي كانت مرشحة مع تركيا بحسب الكثير من المراقبين الاقتصاديين والسياسيين لتكون بؤرة الانهيار اللاحق بعد النمور الآسيوية تحت تأثير العلاقة غير المتكافئة مع الاحتكارات العالمية ولاسيما الأمريكية منها في مجموعتي ميركوسر وكيرنز الإقليميتين من جهة ومع المؤسسات المالية الدولية كصندوق النقد والبنك الدوليين من جهة ثانية…
 وإذا كانت النمور الآسيوية قد أضحت قططاً فإن الأرجنتين، وعلى الرغم من الهدوء النسبي في حدة الاضطرابات والمظاهرات التي أطاحت بحكومة ورئيس وترعب من خَلَفه إلى الآن، ومع قرابة 132 مليار دولار بالأرقام الرسمية هي حجم الدين الخارجي فقط لخدمة سداد القروض السخية بالفوائد المركبة التي سبق أن تلقتها من صندوقي النقد والبنك الدوليين ناهيك عن 8 مليارات دولار هي عجز موازنة في خزينة فارغة من القطع الأجنبي و32% هي نسبة البطالة في سوق العمل بحسب الأرقام الرسمية أيضاً، فإنها مازالت مرشحة للانحدار إلى هاوية جديدة، على الرغم من برنامج الإصلاح الاقتصادي أو برنامج الإنقاذ الوطني الذي أعلنه الرئيس ادواردو دوالدو مؤخراً والذي يضم قابلية الانفجار اللحظي بين ثناياه هو الآخر…

فك الارتباط بالدولار
أبرز نقاط البرنامج الجديد هو فك ارتباط العملة الوطنية البيزو بالدولار الأمريكي وتحديد سعر صرف جديد له بالقيمة الفعلية، وهو إجراء قد لا تغيب عنه القيمة السياسية والمعنوية الكبيرة والاقتصادية كذلك على المدى الاستراتيجي ولكنه بالمعنى المعيشي المباشر والآني للجماهير المحتقنة يؤدي إلى ازدياد فقر 15 مليوناً تحت خط الفقر نتيجة التآكل الذي سيلحقه بالقوة الشرائية وقيمة الودائع إثر انخفاض سعر الصرف، وهو بارتباطه بالعنصر الثاني في البرنامج والمتمثل في رفع أسعار النفط ومشتقاته سيزيد من حنق الشارع أكثر فأكثر والذي لن تهدئه فيما يبدو بقية النقاط الإجرائية المتمثلة في تثبيت أسعار الأدوية والخدمات الأساسية وتخفيض الضرائب الحكومية العامة ورفعها على حركتي الاستيراد والتصدير مع فرض إجراءات حماية جمركية…
وجوهر فتيل استمرار الأزمة في بلاد اشتهرت سابقاً بغناها بالمواد الخام والثروات الباطنية والمنتجات الزراعية أنه بعد الليبرالية المنفلشة التي ميزت البرنامج الاقتصادي المطبق منذ عام 1991 والقائم على اقتصاد السوق وفتح الحدود والأسواق أمام الحركة الكاملة للبضائع والرساميل الأجنبية مع بيع القطاع العام وإجراءات التقشف التي تبعت ذلك كله، يبدو البرنامج الجديد محاولة يائسة للجم هذا النمط الذي أدى إلى استشراء الفساد بشكل فاحش إلى ليبرالية مقيدة… أي تعددت الأشكال والليبرالية واحدة …!
 وهكذا لا يعتقد الكثير من المراقبين أن يجدي كثيراً ما تم الإعلان عنه مؤخراً سواء منه ما يتعلق بالبرنامج المذكور أو التوقف عن سداد الديون والحديث من جانب صندوق النقد عن خطط جديدة لمعالجة الوضع الناشئ في الأرجنتين أو التعويل الكبير على أي دعم أمريكي حقيقي لشركاء وصفهم بوش بأنهم فاقدون للكفاءة والقدرة على الوفاء بالتزاماتهم الدولية وهو ما يحمل في طياته نبرة تخلي وتحريض أمريكيين ناهيك عن الدور الذي لعبه ولا يزال يلعبه اللوبي اليهودي بالصفقات والتعاملات والتسهيلات السابقة في تخريب الاقتصاد الأرجنتيني تاركاً البلاد عظماً بلا لحم، بل ومتخذاً من أزمتها الاقتصادية الناشئة سبباً لتبرير موجة من الهجرة الجديدة إلى فلسطين المحتلة لإدخال المزيد من التغييرات في بنيتها السكانية لصالح الكيان الصهيوني…
 وإذا كان عزف اللوبي اليهودي على وتر العداء للسامية المهترئ في وضع لائمة سوء الأوضاع المعيشية للمجتمع اليهودي ضمن تركيبة المجتمع الأرجنتيني يوضح جزئياً آلية عمل هذا اللوبي في إحداث الأزمات وتصديرها وتوظيفها لمآرب أخرى خارج الحدود الوطنية وعبر القارات فإن حال الأرجنتين توضِّح وبمثال جديد أن فاتورة المستحقات السياسية التي دفعتها الحكومة والرئاسة الأرجنتينية، وما زالت، لا تعدو كونها جزءاً من مسلسل الفواتير الاجتماعية الناجمة عن الارتهان للخارج عبر أزلامه في الداخل بمقدرات البلاد الاقتصادية…

معلومات إضافية

العدد رقم:
166