وكالات وكالات

د. عزمي بشارة: حرب شارون لم تنته

نشرت صحيفة «الحياة»، اللبنانية في عددها الصادر يوم 9/12/2001 مقالة للمناضل الوطني الفلسطيني والعضو العربي في الكنيست الإسرائيلي د. عزمي بشارة تحت عنوان: «حرب شارون لم تنته» جاء فيه:

 عندما شن شارون حربه على لبنان عام 1982، تبين أنه صاحب نظرية لم يفصح عنها في بداية الحرب، وهي أنه كان يرغب في تهجير الفلسطينيين من لبنان إلى العراق والأردن، وأنه يبغي تطبيق نظرية الدولة الفلسطينية في شرق الأردن وأنه يريد تغيير نظام الحكم في لبنان، لكن شارون فشل في مشروعه السياسي وكاد هذا الفشل أن يودي بمستقبله السياسي في إسرائيل ذاتها، كما تبين له أن الوضع العربي ليس من التردي لدرجة أن يقبل بأن تصبح إسرائيل مصدر شرعية لأي نظام سياسي عربي، وأن الشعب اللبناني ينبض حياة ليس فقط في حياته اليومية، وإنما أيضاً عندما يتعلق الأمر بقضاياه الوطنية.
وجاء في المقالة: لقد سطعت الانتفاضة الأولى بعد مرور خمس سنوات فقط، وتأكد أن القضية الفلسطينية ليست استعارة لفظية على لسان القيادات الفلسطينية بل هي قضية حقيقية تنبض في قلوب وعقول وضمائر ملايين البشر، وأنه لا يتوفر في جعبة إسرائيل ولا في ترسانتها العسكرية حل أمني لهذه القضية. وأضاف:
ولكن هناك عناصر سياسية أساسية عاندت التغيير وبقيت على حالها:
1- يمثل شارون مزاجا ًسياسياً وأمنياً لا يؤمن بسلام عادل ودائم مع العرب عموماً والفلسطينيين خصوصاً. وتعود جذور هذا التيار إلى جيل عام 1948 من الجنرالات الذين يعتقدون أن حرب 1967 هي استمرار لحرب 1948، وأن نموذج التسوية مع العرب هو عبارة عن هدنة تطول أو تقصر بمقدار ما يستسلم العرب لمنطق موازين القوى القائمة، ولذلك قد يقبل هذا المزاج بالتسوية مع الفلسطينيين ولكن كنوع من الهدنة يقبلها صاغراً من دون حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية، ومن جهة أخرى، لايتوقع هذا المزاج من الفلسطينيين التخلي عن أحلامهم، ولكنه يشترط عليهم التخلي عن محاولة تحقيقها، ومحاربة كل من تسول له نفسه أن يترجمها إلى برامج سياسية، وهو لا يفرض عليهم هدنة دون مقابل، بل مستعد لتقديم «تنازلات مؤلمة» من نوع إعادة الانتشار وتسليم الفلسطينيين مناطق لحكمها ضمن شروط التسوية.
2- لم يعترف شارون بفشل حربه في لبنان، ولو جلس شارون ليفاوض أولئك الذين ادعى أنه قضى عليهم لشكل ذلك اعترافاً بفشله، وأضاف: هناك حساب لايزال مفتوحاً منذ الحرب في لبنان ولن يسوى الحساب من وجهة النظر هذه إلا بتنحي عرفات وما يمثله، أو أن يتحول إلى منفذ لأوامر، بخوض حرب أهلية فلسطينية.
وأضاف: لقد صعّد شارون من سياسة الاغتيالات الإرهابية، ووضع شروطاً تعجيزية للعودة إلى المفاوضات لأنه ليس لديه مايقوله في مفاوضات الحل الدائم ولأنه سيفاوض الفلسطينيين بعد إنهاكهم على نوع من التسوية أو الهدنة لسنوات طويلة بحيث لا تتطرق هذه الهدنة إلى أي من القضايا التي اعتبرها اتفاق أوسلو قضايا الحل الدائم: الحدود، القدس، المستوطنات، اللاجئين.
لقد تجاوز التصعيد الشاروني الاغتيالات. فطال المواطن الفلسطيني العادي وتلاميذ المدارس. فعبأ الشعب الفلسطيني، رغم التعب والإرهاق بنقمة وحقد ينسفان أي إمكان لتنفيذ مخططاتها السياسية على الأنقاض والخرائب المادية والمعنوية. وتابع يقول:
لقد أدرك شارون تمام الإدراك أن أدوات القمع التي يستخدمها تستفز عمليات في الداخل الإسرائيلي ولكنه أقدم عليها عن سبق الإصرار والترصد معتمداً في ذلك على:

* حكومة الوحدة الوطنية والتفاف الجمهور الإسرائيلي حول سياسة أوهموه بأن بديلها الوحيد سقط في كامب ديفيد، وأنها حرب وجود لاخيار فيها.
* وعلى سياسة أمريكية خرقاء يقودها مغامر شاب بعقلية ريغان تعطيه هامش حرية واسع في ظل هيمنة رموز ولغة وثقافة سياسية استيطانية تحترم «القبضاي» في حماية أهل البلدة الخائفين من الأشرار.وعلى عجز العرب دولاً وشعوباً وثقافة في مواجهة هذه السياسة فهم ينقسمون كعادتهم بين لوم الفلسطينيين واستثارة غضب أمريكا، وبين توجيه اللعنات للزمن والقدر وبين التباكي من المؤامرة العالمية ضد العرب والمسلمين.
وأنهى مقالته بقوله:هناك أكثر من سبب ليهب العرب لنصرة أخوتهم الفلسطينيين الصامدين في أحلك الظروف الدولية. فشارون لم يجرؤ على مواصلة تنفيذ سياسته بهذا الشكل الحربجي السافر من دون ضوء أخضر أمريكي، وإذا مرر العرب تعامل بوش بهذا الشكل مع الفلسطينيين فسوف يتعامل معهم بنفس المنطق، الواحد تلو الآخر.
ولايزال في إمكان العرب أن يفهموا الإدارة الأمريكية أنهم فاهمون أن إسرائيل فاهمة، أن ما يجري في رام الله وغزة هو النموذج للتعامل الأمريكي مع العرب بعد أفغانستان.

معلومات إضافية

العدد رقم:
165