الشرق الأوسط الكبير الاستعمار باسم الشراكة والإصلاح.. تعديل الشكل لكن الوصفة نفسها:

بعد تعديل طفيف في العنوان وإعادة صياغة لغة وتفصيلات مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي طرحته أمريكا في شباط الماضي– ودون مساس بجوهره وأهدافه – أقرت الدول الصناعية الكبرى المهيمنة على العالم في 9/10 حزيران الماضي نفس المشروع تحت عنوان " الشراكة من أجل التقدم والمستقبل المشترك مع منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا".

إن طرح المشروع محاولة للخداع والتمويه. الشراكة لا تكون إلا بين متكافئين في القوى واختيارية وبين أطراف لا توجد بينهم تناقضات عدائية أو تناحرية. وهي شروط غائبة في العلاقة بين شعوب المنطقة والدول الصناعية الكبرى والتشكيلات الدولية التي تتبعها.

فهذه العلاقة كانت ولا زالت قائمة على هوة سحيقة في ميزان القوى. أما الواقعة المباشرة المنشئة للمشروع فهي الإكراه بغزو العراق واتخاذه مرتكزاً لإعادة تشكيل المنطقة، إكراها مسبوقاً بـ 13 عاماً من حصار إجرامي له، وأكثر من خمسين عاماً من عدوان الكيان الصهيوني على فلسطين والبلاد العربية بالأصالة عن نفسه وبالنيابة عن تلك الدول عامة، وأمريكا خاصة لاستعادة وترسيخ سيطرتها الاستعمارية على المنطقة. أما المصالح، وكما هو واضح، فمتناقضة تناقضاً عدائياً وتناحرياً، تناقضاً بين المقهورين والقاهرين، بين المستعَمرين والمستعِمرين. وإلا بماذا نفسر زرعهم للغزاة الصهاينة في فلسطين واحتلالهم للعراق وتهديداتهم لكل بلدان المنطقة واعتداءاتهم التي لم تنقطع على بلادنا منذ نهاية القرن الثامن عشر؟ تعديلات أم تحديات: يمكن تلخيص وتبويب التعديلات التي أدخلتها قمة الدول الثماني الكبار واعتمدت من قبل القمتين التاليتين: الأوربية الأمريكية وحلف الأطلنطي في التالي:

 -1 تعديلات تستجيب لمطالب الحكومات العربية:

 النص على اعتبار حل النزاعات المزمنة في المنطقة وخاصة النزاع الإسرائيلي الفلسطيني عنصراً هاماً للتقدم في المنطقة، وعلى دعم التسوية الدائمة والشاملة والعادلة للنزاع العربي الإسرائيلي المؤسسة على قراري مجلس الأمن 242، 338 ورؤية الرئيس بوش لدولتين إسرائيلية يهودية وفلسطينية وخطة شارون للإنسحاب من غزة وخريطة الطريق، وعلى ألا يعوق استمرار هذه النزاعات تنفيذ المشروع بحيث يسير التنفيذ جنباً إلى جنب دعم الدول الثماني لجهود التسوية.

 الإصلاحات المطلوبة لا تفرض من الخارج وتحترم سمات واختلافات وخصوصية كل بمن البلدان المخاطبة بالمشروع.

والتعديل الأول لا يلزم الدول الثماني في الحقيقة بشيىء غير ما هو قائم من مواقف كانت ولا تزال تصب حتى اللحظة في طاحونة الكيان الصهيوني واستيطانه وتهويده لفلسطين، والإعداد المكثف الذي لا يتوقف للحظة لتضييق الخناق على الشعب الفلسطيني لترحيل البقية الباقية منه على الأراضي الفلسطينية. وهو مجرد وعد أجوف بتسوية عادلة يسوغ للحكومات العربية الخضوع للمشروع بحجة التزام الدول الثماني بحل القضية الفلسطينية وبإنسحاب إسرائيل من الأراضي العربية المحتلة 1967.

وهي حجة تكذبها المرجعيات المعتمدة التي لا هم لها غير تصفية المقاومة الفلسطينية وترك الشعب الفلسطيني تحت رحمة الكيان الصهيوني. كما كذبها مجدداً وعد بوش الجديد الذي اعتمده الكونجرس الأمريكي وحوله بذلك إلى سياسة دائمة لكل إدارة أمريكية قادمة، والذي أكد على بقاء الكتل الإستيطانية الكبيرة في الضفة الغربية والقدس، وعدم العودة إلى حدود 1967، وعدم عودة اللاجئين الفلسطينين إلى ديارهم التي طردوا منها. لذلك فإن هذا التعديل ليس مقايضة البقية للباقية من حرية القرار الوطني للدول العربية بتحرير أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة وإنما هو تسليم في الاثنين معاً.

-2 تعديلات للحفاظ على مصالح الاتحاد الأوربي ومشروعاته التوسعية القائمة في المنطقة وكذلك مصالح ومشروعات أي من الدول الثماني التي بدأت تنفيذها من قبل في المنطقة:

 خصصت وثيقة "الشراكة..." خمس نقاط من نقاطها الأثنتي عشر(2( للتأكيد بأن المشروع يمثل تحدياً جماعياً للدول الثماني، والإدعاء بتحملها مسؤولية دعم الحرية والإصلاح: التزمت وثيقة "خطة الدول الثماني للإصلاح" بتكثيف وتوسيع الارتباطات الجماعية والفردية القائمة بالفعل مع دول المنطقة بل وأثبتت هذه الارتباطات والاتفاقيات تفصيلاً والدولة التي تقوم بتنفيذها والدول التي تنفذ فيها.

ولا نرى ثمة داعياً لذكر الأمثلة التي توضح بأن الخطة حرصت على تأكيد توافق الدول الكبرى على الحفاظ على مشروعات كل منها في المنطقة، سواء كانت حكومية أو أهلية، سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية أو تعليمية أو تربوية أو مهنية أو غيرها ــ من مشروع توجهه أو ترعاه واحدة أو أكثر من الدول الثماني أو غيرها من الدول الصناعية المتقدمة، وهو ما يدل على قوة التأثير والنفوذ المتشعب في تخطيط وإدارة شؤوننا الداخلية وعلى حقيقة مشروعات ومساعدات هذه الدول في بلادنا التي لم تخفض تخلفها وتبعيتها في أغلب المجالات بل كرستها وعمقتهما. فأي نتائج كارثية ستلحق بناء جراء التكثيف المستهدف؟

-3 تعديلات في التنظيمات والمؤسسات التي تخطط وتشرف على المشروع وتديره.

 عدلت الصيغة النهائية للمشروع في أشكال التنظيمات والمؤسسات اللازمة للمشروع تخطيطاً وإشرافاً وإدارة: - إنشاء هيئة مركزية لتقرير السياسات والتوجيهات والإشراف باسم "منتدى المستقبل" على المستوى الوزاري يضم ممثلي الدول الثماني الكبار ومنتديات موازية من قادة رجال وسيدات الأعمال في الدول الثماني ــ والمنطقة، وقادة منظمات المجتمع المدني. وسيعقد الاجتماع الافتتاحي قبل نهاية العام الحالي.

 تأسيس هيئة باسم "حوار مساعدة الديمقراطية" تحت رعاية "منتدى المستقبل"، يضم حكومات ومنظمات المجتمع المدني وتنظيمات أخرى من الدول الثماني الكبار والاتحاد الأوربي وبلدان أخرى وبلدان المنطقة.

ويختص بتنسيق ومشاركة المعلومات والدروس المستفادة من برامج الديمقراطية في المنطقة وتعظيمها أو طرح برامج جديدة، وبتجريد الموضوع يتبيِن بوضوح مفهوم الدول الإمبريالية للديمقراطية وهو تحويل بلادنا بصورة كاملة إلى ضيعة للأثرياء المحليين ومتبوعيهم وموكليهم من الرأسماليين الأجانب وبتزييف وعي الجماهير ويدعم ويبني ويمول منظمات ومؤسسات وجمعيات ومراكز تحت واجهات متعددة تشكل قواعد لنفوذ القوى الليبرالية الجديدة أو ربما أيضاً الإسلامية من الطراز التركي (اردوخان وجول) القابلة بالخضوع للإمبريالية الأمريكية والعالمية وفوزها بكل انتخابات برلمانية ومن ثم تشكيل الحكومات الدمية التي تأتمر بأمرهم.

 وطرحت الصيغة الجديدة تأسيس عددٍ من الأجهزة ووسائل التمويل البديلة: تأسيس مجموعة استشارية للتمويل الصغير يديرها البنك الدولي. إتاحة تسهيلات لتنمية المشروع الخاص لدى هيئة التمويل الدولي IFC لمساعدة جهود المنطقة لتحسين مناخ الأعمال والاستثمار وزيادة فرص التمويل للمشروعات الصغيرة والمتوسطة. وغيرها من المشاريع. 

والواضح أن الجديد أكثر توافقاً مع سياسات وعمل المؤسسات العالمية التي تسيطر عليها أمريكا وحلفاؤها الكبار، وأن من بين الأشكال الجديدة كـ "منتدى المستقبل" و"حوار مساعدة الديمقراطية" ما يتيح تأثيراً ونفوذاً أكبر للدول الإمبريالية في السيطرة على تخطيط وإدارة وتنفيذ سياسات دول المنطقة.

-4 تعديلات تقيم التزاماً للمنطقة حكومات وقطاع أعمال ومجتمعاً مدنياً بالخضوع للسيطرة الأمريكية والعالمية والعمل مع الدول الثماني الكبار متحدين للقضاء على كل مقاومة وطنية سواء ضد هذه السيطرة أو ضد الكيان الصهيوني.  

 لم تتناول الصيغة الأولى الأمريكية صراحة هذه المسألة وإنما تناولتها بشكل خفي ومن زاوية أن المنطقة بثقافتها وأوضاعها الاقتصادية والاجتماعية المتدنية باتت مصدراً لتفريخ الإرهاب.

■ اللجنة المصرية

 

لمناهضة الاستعمار والصهيونية

معلومات إضافية

العدد رقم:
227
آخر تعديل على الإثنين, 28 تشرين2/نوفمبر 2016 14:31