حروب القرن الجديد أسلحة معنوية وجيوش مفككة الحسم للجيوش أم للشعوب

٭ معنويات الجنود الأمريكيين تدهورت أمام المقاومة العراقية.

٭ وسائل الإعلام «تحبط» و«تدعم» معنويات الجنود.

إذا كانت الحروب القديمة قد دمرت جيوش العالم الوسيط، (جيوش الملوك) وأقامت على أنقاضها (جيوش الشعوب الجرارة)، والآن جاءت الحروب الحديثة لتدمر الجيوش القديمة وتقيم (جيوش الفيالق والفرق المصغرة - أو جنود النوعية من المحترفين).

لكل حرب مشكلاتها الخاصة، فإذا كانت حرب فييتنام أظهرت مشكلة (المجندين السود - أو الملونين)، فإن حرب العراق أظهرت مشكلة حالة العزلة للجنود (أو عدم الانتماء) في المجتمع الامريكي الذي وجد تعبيراً له في مواقف الجنود على أرض المعركة. 

الأمر الذي دفع الإدارة الأمريكية للتوجه إلى عائلات الجنود، والى المجتمع الامريكي من خلال العائلات، لإبراز ضرورة تماسك المجتمع الامريكي في مواجهة (ما يتهدد أمن هذا المجتمع). وكان ذلك تأكيداً جديداً لضرورة تحقيق التلاحم بين القوات المسلحة وبين شعبها، مع بحث جديد عن حلول تبادلية لتنظيم قوات خاصة (نوعية) غير مرتبطة بروابط اجتماعية أو سياسية إلا (رابطة الحرب). ولا يعني ذلك إلا العودة الى أزمنة (جيوش المرتزقة) و(الجيوش الاستعمارية) ونموذجها (الفرقة الأجنبية الفرنسية).

لماذا يقاتل الجندي الامريكي؟

وفي الحقيقة إن تحديد أهداف الحرب، وإضفاء صفة (الدفاع) على الأمن الامريكي وعلى المصالح الامريكية في كل مكان، وربط الأمن الأمريكي بمكافحة ما يسمى بالإرهاب الذي تمثل بالنسبة للامريكيين بأحداث الثلاثاء الأسود وربط نظام صدام حسين بـ: (تنظيم القاعدة) و(حرب أفغانستان)... كل ذلك مما أضفى على غزو القوات الانغلو - أمريكية للعراق صفة (الدفاع الشرعي) و(الحرب المقدسة). وهذا ما عبر عنه جنود الغزو في روائزهم (استبياناتهم) وتصريحاتهم وأحاديثهم.

وجاء انهيار الدفاع العراقي المباغت ليزيد من قيمة الرصيد المعنوي لجنود الغزو، فقد تحقق النصر بأقل مما يتوقعونه من جهد، وبأقل خسارة.

غير أن الحالة المعنوية للجنود الأمريكيين لم تحافظ على ثباتها بل تدهورت أمام المقاومة العراقية. وسرعان ما جرى إبعاد عمليات نقل القتلى عن عدسات الفضائيات وعيون الفضوليين من رجال الإعلام العالمي، وكان ارتفاع الاصابات وزيادة عددها يوماً بعد يوم، وابتعاد الأمل بعودة سريعة إلى الوطن، وعوامل سياسة دولية واقليمية أخرى... كافية لتشكل مطرقة قوية أيقظت تفكير جنود الغزو بعدالة قضية حربهم على العراق.

وإذا كان لتطور وسائل الإعلام وشبكات الفضائيات دور في دعم الروح المعنوية للجنود في الميدان، فإن لهذه الوسائل والشبكات أيضاً دورها السلبي في إحباط تلك الروح المعنوية. مما أدى إلى فتح أسئلة حول عدالة قضية هذه الحرب وحقيقة علاقة نظام العراق بالإرهاب... وذلك أيقظ (الجندي الامريكي) في العراق على حقائق غابت عن الأبصار.

ولعل أخطر ما في هذا التحول هو اقترانه بتحول عالمي.، ففي 1 - تشرين الثاني 2003 حملت صحيفة (لوموند) نتيجة استطلاع الرأي العام على الصعيد الأوربي وليس الفرنسي وحده. وأظهرت أن 60 بالمائة من الأوروبيين يعتبرون أن واشنطن وتل أبيب هما الأخطر على السلام العالمي. لتقوم بعد ذلك المديرية العامة للصحافة والاتصالات في المفوضية الأوروبية بإعلان مؤكدة صحة ما نشرته (لوموند). 

جاء رد الفعل الامريكي - الاسرائيلي الغاضب بسرعة. فعبرت واشنطن وتل أبيب عن غضبهما من السياسة الاوروبية (اللاسامية بحسب تعبير اسرائيل)، لكن ذلك لم يمنع (الصين) من إجراء استطلاع مماثل للرأي وأكدت القناعة ذاتها لدى الصينيين (والتي تقول أن الولايات المتحدة تشكل أكبر تهديد للسلام العالمي.

لم يكن باستطاعة الجنود الامريكيين في العراق تجنب الربط بين ردود الفعل الأمريكية والعالمية على غزو العراق، وبين تصاعد المقاومة وسقوط المزيد من الضحايا في كل يوم، ففي يوم 3 تشرين الثاني 2003 أعلنت مديرة المركز الطبي الامريكي في لاندستول -بألمانيا- (روندا كوروم) بأن عدد الجنود الذين استقبلهم المركز الطبي لتلقي العلاج قد تجاوز (7700) جندي منذ بداية الحرب على العراق. وقد كان ذلك كله عبئاً ثقيلاً حاولت الادارة الامريكية - وزارة الدفاع؛ البنتاغون، خاصة- التعامل معه بتكثيف زيارة القادة العسكريين الكبار للوحدات المقاتلة في العراق، والزيارات المماثلة التي كان يقوم بها رجال الادارة -وعلى رأسهم الرئيس جورج بوش ذاته- وذلك بصورة سرية ومباغتة؛ من أجل رفع الروح المعنوية للجنود، ومواساتهم في معاناتهم، وكان ذلك بدقة هو مأزق الحرب المعنوي أو الأخلاقي.

لقد أظهرت (حرب العراق) بمرحلتيها (حرب الجيش ثم حرب المقاومة) أن قدرات الجندي والمقاتل العربي هي قدرات كبيرة ومذهلة وتتفوق على منافِساتها في جيوش الدول الكبرى، إذ إن كثيراً من الجيوش العربية قد حصلت على أفضل أنواع التسليح، وأكثر أشكال ووسائل التقانة تطوراً، وأرفع مستويات التدريب، مع تتويج ذلك بفضائل الإيمان الذي لا يتوافر نظير له لدى الجيوش الأخرى، وقد جاءت المقاومة الفلسطينية لتؤكد صحة نتائج حرب العراق في مجال دور الرصيد المعنوي للرجال المؤمنين الصادقين.

وتتعرض أقاليم الوطن العربي والاسلامي لحالة فريدة من هيجانات الحروب، بحيث بات احتمال تفجر الحروب أمراً محتملاً ومتوقعاً، ولابد بالتالي من الإعداد لمجابهة كل أنواع الحروب بما فيها الحروب الارهابية، التي عادة ماتكون ذات اتصال وثيق بمخططات العدوان الخارجي.

 

ولا ريب أن كل أولئك الذين عاشوا تجربة العراق بكل أبعادها، خلال العقود السابقة بأيامها وشهورها وسنواتها، يدركون أنه لو تم مجابهة الأعمال التحريضية الخارجية بتصميم وثبات، لأمكن إبعاد العراق عن كل ما عرفه الشعب من الكوارث والنكبات.

معلومات إضافية

العدد رقم:
225