تقليص دور الأمم المتحدة والغائب الأكبر هو  الدول العربية عندما تتقاطع الأطلسية مع الشرق أوسطية

ماذا يجري استراتيجياً على مستوى العلاقات الدولية؟ وما هي الدلالات والأبعاد الأطلسية الجديدة اتصالاً بالصراع العربي ـ الإسرائيلي ومصير العراق وأفغانستان والحرب على الإرهاب...؟

أسئلة كثيرة تجمعت مع احتفال حلف الأطلسي في مدينة بروكسل بمناسبة ذكرى نزول قوات الحلفاء في النورماندي في الحرب العالمية الثانية. وهنا بعض الملاحظات والاستنتاجات:

1 ـ كان توسيع حلف الأطلسي شرقاً نحو دول أوروبا الشرقية حتى الأمس القريب يلقى صداً من حلف وارسو تحت قيادة الاتحاد السوفياتي السابق. أما الآن فقد حصل هذا التحوّل مع انضمام سبع دول جديدة هي: بلغاريا وأستونيا ولاتفيا وليتوانيا ورومانيا وسلوفاكيا وسلوفينيا. حيث امتدت ذراع الحلف إلى الحدود الروسية، وبذلك أخذ الحلف يمتد من منطقة شمال المحيط الأطلسي إلى القارة الأوروبية حتى حدود الأورال!

2 ـ وبعد هذا التحوّل مباشره جاء لقاء الرئيس الفرنسي شيراك والرئيس الروسي بوتين في موسكو للبحث في هذه النقلة الجديدة للحلف وللإدارة الأميركية على وجه الخصوص. فهاتان الدولتان تشعران بالضغط الاستراتيجي، وتتمسكان في المقابل بقدرٍ من الخصوصية والاستقلالية مع إعلانهما المشترك عن رفض الأحادية القطبية للنظام الدولي. وأخذت فرنسا تتساءل عن مصير الأمن الأوروبي؟ وروسيا تساءل بإلحاح عن أمن آسيا الوسطى، وأمنها الداخلي كدولة فيديرالية؟

3 ـ إلى جانب ذلك، يجري الحلف مشاورات سياسية مع سبع دول في حوض المتوسط هي: مصر وإسرائيل والأردن وموريتانيا والمغرب والجزائر وتونس، لتعزيز التعاون في مجالات الإصلاحات المتعلقة بشؤون الدفاع على سبيل المثال ومن خارج النظام الإقليمي العربي. فهل سيرضى الاتحاد الأوروبي، وتحديداً اسبانيا وفرنسا وإيطاليا واليونان بهذا التمدد الآخر للأطلسي؟ فضلاً عن إشكالية العلاقات العربية ـ الإسرائيلية في مشاريع من هذا النوع سواء أكانت متوسطية أما شرق أوسطية أما أطلسية.

4 ـ وفي حمأة التوسع الأطلسي، تُطرح مسألة إمكانية مشاركة الحلف في القوة المتعددة الجنسية داخل العراق. والذي لقي في قمة الثماني الرفض من قبل فرنسا وألمانيا وإسبانيا. إن الإدارة الأميركية تبدو موافقة على إشراك الأمم المتحدة وحلف الأطلسي في العراق وأفغانستان لإخراجها من ورطتها الأمنية والسياسية. لكن السؤال الهام هو بيد من تكون قيادة القوة المتعددة الجنسية، هل بيد أميركية؟ أم أممية دولية؟ إن هذا السؤال يختصر تجاذب المصالح الدولية في أفغانستان والعراق وامتداداً إلى آسيا الوسطى والشرق الأوسط.

ما كان لحلف الأطلسي أن يتوسع ويستمر بهذا الشكل الصاعد لولا تراجع دور الأمم المتحدة بفعل التحوّلات الجارية على مستوى طبيعة النظام الدولي وقيادته. كما أن ثمة تقاطعاً بين توسع الأطلسي وطرح مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي يتلطى «بالديمقراطية ومجتمع المعرفة والتنمية الاقتصادية» دون أن يقدّم أية ضمانة لصون وحدة العراق واستعادة سيادته المفقودة.

من كوسوفو الى العراق

 

لنعد إلى بيان حلف شمال الأطلسي غداة «انتصاره» في حرب كوسوفو، حين تحدث عن دوره في إدارة النزاعات والأزمات الدولية في البلقان والشرق الأوسط. أي أن الحلف خرج من دائرته الجيوبوليتيكية التقليدية إلى دائرة أوسع ممتدة من آسيا الوسطى إلى الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وأخذ دور الأمم المتحدة في هذا الصدد الذي حدده ميثاقها في الفصلين السادس والسابع يتقلص. إن ما يجري اليوم هو امتداد واستكمال لذاك البيان. والغائب الأكبر هو مجموع الدول العربية التي لم تتفق حتى على الحد الأدنى، بعدما راحت تستجدي الأمن العربي من الخارج ولو كان الاستجداء على حساب القضايا العربية العادلة، ولو كان على حساب التنمية العربية والتقدّم العربي. إنها مفارقة لافتة في هذه المرحلة التي تشهد زحمة مبادرات وتحوّلات إقليمية ودولية على أكثر من صعيد.