باكستان في الدوامة الأمريكية
تواصل الولايات المتحدة لعبة العصا والجزرة، محاولةً عقد صفقات غير رسمية مع كل بلد بخصوص صراعاته الداخلية أو الخارجية أو مشاكله الاقتصادية وذلك ضمن مساعيها لحشد أكبر تأييد لتحالفها الدولي الهش أساساً ضد ما تسميه بـ «الإرهاب العالمي»، كما هي الحال مع روسيا والشيشان أو الهند وباكستان بخصوص كشمير والديون وبرامج الأسلحة النووية، إلخ...
وفي هذا الإطار جاءت زيارة وزير الخارجية الأمريكي كولن باول الأخيرة إلى كل من باكستان والهند وليبدأ مع قدومه ما كان يخشى من اشتعال العمليات العسكرية في إقليم كشمير المضطرب مع كل ما يعنيه ذلك من انعكاسات تجاه الهند وباكستان، ويؤكد ذلك الحديث عن الحشود العسكرية المتبادلة بين الهند وباكستان!؟.. ناهيك عن تلك التقارير الاقتصادية التي تتحدث عن احتمال أن يخسر الاقتصاد الباكستاني مليار دولار جراء عمليات أيلول في الولايات المتحدة وعن أن هذا الرقم سوف يرتفع كثيراً إذا ما طال أمد العمليات العسكرية ضد أفغانستان علماً بأن ديون باكستان الخارجية تتجاوز أساساً 30 مليار دولار.
فهل بدأ زمام الأمور في باكستان يخرج عن نطاق السيطرة أسرع مما كان متوقعاً حتى ضمن تفاؤلات المخطط الأمريكي المرسوم للمنطقة المتوترة أساساً؟ وما الذي يكمن خلف تصريحات باول قبل زيارته من أن الجنرال مشرف يسيطر تماماً على الوضع في بلاده، حكومةً وجيشاً، على الرغم من الاضطرابات الشعبية التي تحتج على ضرب أفغانستان والتعاون الباكستاني في ذلك؟ وما الذي يكمن وراء التعديلات التي أجراها الرئيس مشرف في جهازي الجيش والاستخبارات تزامناً مع بدء العمليات العسكرية الأمريكية؟ وما هي حقيقة الحريق الذي نشب في مقر قيادة الجيش الباكستاني في مدينة روالبندي والذي قيل إنه أتى على وثائق تخص الحملة الأمريكية البريطانية ضد أفغانستان؟ وكيف يمكن أن تتطور المواجهات بين المتظاهرين والشرطة التي تردي عدداً منهم برصاصها قتلى؟ وهنا قد تطول تداعيات الأسئلة التي لن تلقى إجابات نهائية عنها في هذه اللحظة.
الهند من جانبها تحاول اتخاذ مواقف متشددة لتضمن موطئ قدم لها في أي تسويات سياسية قد تنشأ في المنطقة لاحقاً، مجبرة باول على أداء ما لا يمانع به من سحب تصريحات له في إسلام آباد من أن «قضية كشمير هي قضية مركزية في العلاقات بين الهند وباكستان، ويعدلها على أنها قضية هندية وتخص مشاكل عبر الحدود وأن بلاده ترفض كل أنواع الإرهاب بما فيه ما تتعرض له الهند وذلك في إشارة إلى المتمردين الكشميريين الذين يتلقون دعمهم العسكري حسب عدة مراقبين من الولايات المتحدة ذاتها.
وبين هذا وذاك وفيما تحاول واشنطن ترويع العالم من جديد باحتمال اندلاع حرب عالمية جرثومية من خلال «الجمرة الخبيثة» أو غيرها من الجراثيم، يخشى من أن تكون باكستان قد دخلت تماماً في دوامة تفاعلات داخلية وإقليمية ودولية يراد من ورائها تفتيت وحدة كيانها الوطني كدولة كما جرى ويجري من محاولات في البلقان وإندونيسيا والفليبين ونيجيريا مثلاً، ولتكون باكستان هي التي تقف بعد أفغانستان ومن خلالها على دريئة الاستهداف الأمريكي عملياً..