فيدل كاسترو: سندافع عن استقلالنا ومبادئنا وإنجازاتنا الاجتماعية
بشرف حتى أخر قطرة من دمنا
وزعت السفارة الكوبية بدمشق النص الكامل لخطاب الرفيق فيديل كاسترو الذي ألقاه في «سان أنطونيو دولوس بانوس» يوم 22 من شهر أيلول الماضي. هذا نصه:
أياً كانت الأسباب العميقة والعوامل ذات الطابع الاقتصادي والسياسي وكبار المذنبين الذين جلبوها إلى العالم، لا يمكن لأحد أن ينفي أن الإرهاب أصبح اليوم ظاهرة خطيرة، لا يمكن الدفاع عنها من الناحية الخلقية، ويجب إزالتها من الوجود.
يمكن فهم حالة الغضب الجامح الناجمة عن الضرر البشري والنفسي الذي أصاب الشعب الأمريكي نتيجة الموت الفجائي وغير المألوف لآلاف من المواطنين الأبرياء، والذي هزت مشاهده العالم. فمن هو المستفيد؟ المستفيد هو اليمين المتطرف، أكثر القوى رجعية ويمينية، مؤيدو سحق حالة التمرد العالمي المتزايد والقضاء على كل ما بقي من تقدميين في العالم، أياً كان منظمو العمل والمسؤولون عنه، فإنه يشكل خطراً هائلاً وظلماً فادحاً وجريمة كبرى.
ولكن لا يمكن باسم العدالة وتحت عنوان «عدالة إلى ما لانهاية» الفريد من نوعه والغريب، استخدام المأساة والشروع على نحو غير مسؤول بحرب يمكن أن تتحول في الحقيقة إلى مجزرة لا نهاية لها بحق أناس أبرياء أيضاً.
شرع في الآونة الأخيرة، وعلى نحو لا سابق له بوضع الأسس والمفاهيم والغايات الحقيقية والدوافع والشروط لخوض هذه الحرب. لا يمكن لأحد التأكيد أن هذا لم يكن أمراً مرسوماً ومحل التفكير منذ مدة طويلة وأنه كان بانتظار فرصة ملائمة. أولئك الذين واصلوا التسليح بعد انتهاء الحرب الباردة حتى العظام واسترسلوا في تطويرهم لأحدث وسائل قتل أبناء البشر وإبادتهم كانوا على وعي بأن استثمار مبالغ طائلة في النفقات العسكرية سيوفر لهم امتياز فرض هيمنة كاملة وشاملة على بقية شعوب العالم، وكان أيديولوجيو النظام الإمبريالي يعلمون تمام العلم ما هم فاعلون ولماذا يفعلون ذلك.
بعد حالة الصدمة والألم الصادق اللذين أحست بهما كل شعوب الأرض حيال الهجوم الإرهابي الشنيع والجنوني على شعب الولايات المتحدة، تولى الأيديولوجيون الأكثر تطرفاً والصقور الأكثر ميلاً للحرب، بعدما تموضعوا في مواقع سلطة متميزة، قيادة البلد الأكثر جبروتاً على وجه البسيطة، والذي يبدو أن إمكاناته العسكرية والتكنولوجية لا حد لها. فقدرته على التدمير والقتل هي قدرة هائلة، بينما خلافاً لذلك، فإن رباطة جأشه وصبره وحكمته وضبطه للنفس هي في حدودها الدنيا.
إن التقاء مجموعة من العوامل ـ حيث لا يستثنى تواطؤ بلدان قوية وغنية أخرى وتمتعهما المشترك بامتيازات ـ والانتهازية والارتباك والذعر التي خيمت أصبحت تجعل من الانفجار الدموي وغير المحمود العواقب أمراً شبه محتوم.
أياً كانت العملية العسكرية التي تندلع، ستكون الضحايا الأولى آلاف الملايين من سكان العالم الفقير والنامي بمشكلاتهم الاقتصادية والاجتماعية التي لا تصدق، وديونهم غير القابلة للتسديد، وكوارثهم الطبيعية والبيئية المتزايدة، بجوعهم وبؤسهم، بسوء تغذيتهم الشامل بين الأطفال والشباب والشيوخ، بوبائهم المريع (الإيدز)، بملارياهم وسلهم، بأمراضهم المعدية التي تهدد بإفناء شعوب برمتها.
كانت الأزمة الاقتصادية الخطيرة قد أصبحت واقعاً فعليا ًوتصيب جميع أقطاب السلطة الاقتصادية من دون استثناء. ستتعمق هذه الأزمة لا محالة في الظروف الجديدة، وعندما تصبح غير قابلة للاحتمال بالنسبة للأغلبية الساحقة من الشعوب، ستجلب الفوضى والتمرد وعدم القدرة على الحكم في كل مكان.
سيكون الثمن غير قابل للتسديد أيضاً بالنسبة للبلدان الغنية، فخلال سنوات عدة لن يستأنف الحديث بكل القوة اللازمة عن البيئة والطبيعة، ولا عن الأفكار والأبحاث المنجزة الخاضعة للاختبار، ولا عن مشاريع حماية الطبيعة لأن مجالها وإمكانياتها ستشغلها عمليات عسكرية وجرائم وحروب لا نهاية لها، على غرار «العدالة التي لا نهاية لها» التي يزمعون شن العملية العسكرية تحت عنوانها.
بعد سماع خطاب رئيس الولايات المتحدة أمام الكونغرس قبل 36 ساعة بالكاد، هل يبقى هناك أمل ما؟
لن استخدم نعوتاً وأحكاماً ولا كلمات مهينة لصاحب الخطاب، وهو أمر لا حاجة له أبداً وهو في غير مكانه في مثل هذه اللحظات المتوترة والخطيرة، أطلب من جميع أبناء وطننا أن يمعنوا التفكير بعمق وصبر حول هذه الأفكار الواردة في العديد من الجمل المذكورة:
ـ إما أن يكونوا معنا أو أنهم مع الإرهاب، لم استثن أي بلد من بلدان العالم، ولا حتى الدول العظمى والقوية، لم أستثن أياً منها من التهديد بالحروب أو الاعتداءات.
ـ سوف نستخدم أي سلاح: لم يستثن أي إجراء ولا يهم أي إجراء هذا من الناحية الخلقية، ولا أي تهديد مهما بلغت قدرته على القتل ـ نووي، كيميائي، بيولوجي، أو غيرها.
وفي الختام، اعتراف لم يسبق سماعه من قبل في خطاب سياسي عشية خوض حرب، وتأتي في مرحلة مخاطر كبرى: لا نعرف ماذا سيكون عليه مسار هذا النزاع، ولكننا نعرف أي لحظة ستكون لحظة الانفجار (...) ونعرف بأن الله ليس محايداً.
إنه لتأكيد يبعث على الدهشة. عند التفكير مليا ًفي الأجزاء الواقعية أو الخيالية من حرب الجهاد الغريبة هذه التي هم على وشك شنها، أعتقد أنه من المستحيل التمييز في أي طرف التعصب هو أكبر.
جرى يوم الخميس أمام كونغرس الولايات المتحدة تصميم فكرة دكتاتورية عسكرية عالمية برعاية القوة حصراً، بلا قوانين ولا مؤسسات دولية من أي نوع كان. لن يكون لمنظمة الأمم المتحدة، التي يتم تجاهلها كلياً في الأزمة الحالية، سلطة ولا أي صلاحية، سيكون هناك قائد واحد وحيد وقاض واحد وحيد وقانون واحد وحيد.
تلقينا جميعاً الأوامر بالتحالف، إما مع حكومة الولايات المتحدة أو مع الإرهاب.
إن كوبا وانطلاقاً من المكانة التي يمنحها إياها كونها البلد الذي تعرض لأكبر عدد من الاعتداءات الإرهابية على مدى أطول فترة زمنية، والتي لا يرتعد شعبها أمام شيء وليس هناك تهديد أو قوة في العالم قادرة على إثارة الخوف في قلبه، تعلن أنه ضد الإرهاب وضد الحرب.
ينبغي على صديق ما موضوعي ورابط الجأش أن ينصح حكومة الولايات المتحدة أن لا تلقي بالجنود الأمريكيين الشبان في حرب مجهولة المصير في أماكن بعيدة ونائية، ويصعب الوصول إليها، كحرب ضد أشباح، لا يعرفون لهم مقراً، ولا إن كانوا موجودين أصلاً أم لا، وإذا ما كان الأشخاص الذين يقتلون يتحملون أم لا أي مسؤولية عن سقوط أبناء وطنهم الأبرياء الذين قضوا في الولايات المتحدة.
لن تعلن كوبا نفسها أبدا ًعدوة للشعب الأمريكي الذي يخضع اليوم لحملة لم يسبق لها مثيل من أجل زرع الحقد وروح الانتقام، لدرجة يصل بها الأمر لمنع حتى الموسيقى المستلهمة من السلام. خلافاً لذلك، ستتبنى كوبا هذه الموسيقى وأغانيها من أجل السلام سينشدها حتى أطفالها ما دامت مستمرة الحرب الشعواء مستمرة والتي يجري الإعلان عنها.
مهما حدث، فلن يٌسمح أبداً باستخدام أراضينا لتنفيذ عمليات إرهابية ضد شعب الولايات المتحدة. وسنفعل كل ما بوسعنا من أجل منع أعمال من هذا النوع تستهدفه. نعبر له اليوم عن تضامننا معه مع دعوتنا للهدوء والسلام، وسيعون ذات يوم بأننا كنا على حق.
سندافع عن استقلالنا ومبادئنا وإنجازاتنا الاجتماعية بشرف حتى أخر قطرة من دمنا في حال تعرضنا للعدوان.
لن يكون من السهل اختلاق الذرائع لفعل ذلك، وما دمنا في الحديث عن حرب باستخدام كل الأسلحة، من المفيد التذكير بأنه ولا حتى هذا سيشكل تجربة جديدة. فقبل نحو أربعين سنة كانت مئات الأسلحة النووية والتكتيكية والاستراتيجية مصوبة نحو كوبا، ولا أحد يتذكر بأنه قد شاهد واحداً فقط من أبناء وطننا قد أصيب بالأرق لهذا السبب.
نحن أبناء هذا الشعب البطل، وبوعي وطني وثوري أرقى من أي وقت مضى. إنها ساعة رباطة الجأش والشجاعة. سيعي العالم وسيرفع صوته في وجه المأساة المريعة التي تهدده وهو على وشك التعرض لها.