الاختراق: التطبيع الفقهي... الدين السياسي

كيف يتناسل هؤلاء المطبعون بأنواعهم وفصائلهم؟ من يحركهم ومن يوقِّت لحظة تحركهم؟ لماذا يتبدى سُعارهم حينما تلوح في الأفق لحظة تغيير ما في الوطن العربي؟ هل من علاقة بين تطبيع رجال المؤسسة الدينية ووصول جماعات الدين السياسي إلى السلطة في مصر وتونس وثوار الناتو والدين السياسي في ليبيا حيث إسلام برقة وإسلام بنغازي وإسلام طرابلس. هذه الإسلامات التي تحتفي بها اسلو الأرض المحتلة. إنتظروا هنا وجهزوا ثلاثة سفراء إلى ليبيا. آه يا قذافي اضعت المال واضعت نفسك والبلد! وانتصار الوهابية على ديكتاتورية علي عبد الله صالح في اليمن

في حالة اليمن، ومجيء حبيب الجفري أحد رجال المؤسسة الدينية إلى الكيان باسم زيارة الأقصى، لا يجوز لنا تبرير ديكتاتورية الديكتاتور فقط لأنها كانت تسد الطريق على المطبعين، هذا إذا كان هو الذي فعل ذلك وليس الموقف القومي للشعب العربي في اليمن. فمن المعروف أن القوى الوطنية والقومية واليسارية في اليمن هي ضد التطبيع بوضوح اللهم إلا إذا تمكنت التسوية الوهابية الأخيرة للصراع الاجتماعي في اليمن من اجتثاث هؤلاء! ومع ذلك، لا شك ان الرهبة من سلطة صالح قد لعبت دوراً في ردع المطبعين حتى لو كان صالح يتمنطق برفض التطبيع لأغراض أخرى. وقد أُقامر بالقول، أن هذا الحبيب الجفري قد حُرِّك من قبل العربية السعودية لإضفاء طابع وهابي على التطبيع وتعبيد الطريق ليأتي خادم الحرمين ليخدم الحرم القدسي!
 
المؤسسة الدينية
ليس شاني أن أمارس الفتوى في الدين، بل حتى لو كنت أعلم فلن أفعل لأن ما يراه المرء اليوم هجمة هائلة من الفتاوى يقوم بها من يدري ومن لا يدري ومن يعلم ومن لا يعلم ناهيك عن أن الأمر ليس دينياً بل سياسياً. هذا مع ضروورة الإشارة إلى أمرين هامين:
الأول: أن من يتقن العربية بوسعه فهم القرآن الكريم من حيث نصوصه وإن كان من الصعب الإحاطة ببيانه وجمالياته اللغوية، وهذا يغنيه عن فتاوى من يُسمون «العلماء».
والثاني: إن ما انطبق على الأزمان الماضية لا يمكن انطباقه على الزمن الحالي من حيث طبيعة الحياة متطلباتها نمط الإنتاج والعلاقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ناهيك عن العلاقات الدولية.
بودي هنا تركيز التفريق بين الإيمان بمعنييه الفلسفي والبسيط من جهة وبين المؤسسة الدينية. فالإيمان بمعناه الفلسفي يذهب بالإنسان إلى فهم الوجود وبناء علاقة صوفية مع الخالق لا تخرج عن نطاق الفرد نفسه ولا يخرج هو بها لتطويع الناس واستلابهم، كما أن الإيمان البسيط أو الشعبي هو الحالة الأولية لهذه العلاقة الحرة.
أما المؤسسة الدينية، فهي في الغالب سياسية ورسمية في مستويين:
· مستوى العلاقة الارتباطية بالسلطة السياسية، وهذه السلطة طبقية بالطبع
· ومستوى وجود سلطة لهذه المؤسسة يتم تسخيرها لمصالح رجالات هذه المؤسسة. علماً بأن الإثنتين مترابطتين في الغالب.
من هنا، فإن السلوك السياسي المغطى بالدين من قبل المؤسسة الدينية لا علاقة له بالدين والإيمان تحديداً، وإنما هو فعل إنساني وضعي يُعطي نفسه مضمونا دينياً كي يفرض نفسه على الناس ويقبلوا به ليس لصحته المنطقية بل لغطائه الديني.
لو قرأنا هذا في سياق الحديث عن التطبيع فإننا لن نجد مجيىء هذا الشيخ أو ذاك (الحبيب الجفري من اليمن، أو جمعة مفتي مصر)  إلى الأرض المحتلة سوى دور سياسي أو سياسي مصلحي لمن قام بذلك، وهذا مشابه تماماً لمجيىء الراقصين والشعراء والفلاسفة…الخ.
إن الأصل في وقوع اي بلد تحت استعمار استيطاني أو عسكري هو تحريره. وعليه، فإن أي مجيء خارج أو بعيداً عن العمل النضالي للتحرير ليس سوى استسلام طوعي وتطوعي للمحتل. أي تكريساً لسيطرته وقبولاً بالمرور من تحت يافطته.
 
 الاشتباك على بوابة الطبقات الشعبية
لا بد لنا من التنبه إلى اللعبة الخبيثة التي يقوم بها المطبعون من غير أهل السلطان. فقد وصل الكيان الصهيوني إلى لحظة لم يعد يهمه اعتراف هذا النظام او ذاك به. ولا اعتراف هذا الحزب أو ذاك ومجيء أمينه العام أو حاشيته إلى الأرض المغتصبة.
وصل الصراع كي يتكاثف على أبواب الطبقات الشعبية. وعليه، فإن بدايات محاولة اختراق جبهة الطبقات الشعبية لا بد أن تتأتى من اختراق نخب لها صلاتها وتأثيرها على الطبقات الشعبية لتشكل حالات اختراق لهذه الجبهة.
فرجل الدين، وخاصة لدى المؤمن العادي يشكل «قدوة» ويمكن لفتواه أن ترشد  أو تضلل الكثيرين. من هنا تكمن خطورة مجيىء مفتي الديار المصرية إلى الأرض المحتلة وهو مجيىء لا يمكن رؤيته إلا في مستويين:
· المستوى السياسي بمعنى تكريس نهج انور السادات في قيام المؤسسة الدينية بخدمة المؤسسة السياسية وهو الأمر الذي رفضه البابا شنودة الراحل، ويبدو أن خرقه يتم الآن بعد رحيل الرجل. كما لا يمكن النظر إلى مجيىء مفتي مصر معزولاً عن الرسائل المعلنة والخفية التي قدمتها قوى الدين السياسي المصرية والتونسية مؤخراً إلى الإمبريالية الأميركية والكيان على شكل تأكيدات أن اتفاق كامب ديفيد مصاناً.
· هنا يظهر المستوى الثاني مرتبطاً بالأول وهو ان تطوع رجل الإفتاء بالمجيىء هو مثابة اختبار لمواقف قيادات الدين السياسي. ولكن من الذي يقوم بهذا الاختبار؟ مَن غير الكيان الصهيوني عبر آلياته في الاختراق؟ من المعني بتكريس تعهدات رجال الدين السياسي تجاه الكيان، ومن المعني بالتدقيق في ذلك سوى الكيان والولايات المتحدة؟ وهذا يفتح على أمر يثير شكوكاً لا يمكننا غض الطرف عنها: فليس وراء هذه التصرفات المثيرة للجدل سوى مصالح معينة قد تتخذ شكل رشوات، وبيع للذات. ومعروف أن الكيان والإمبريالية خبراء وضالعين في شراء الذمم طالما ثمن الموقف مالاً!
وضمن الهجمة على قلعة الطبقات الشعبية، يندرج مجيء الفلاسفة حيث يفتح مجيئهم ثغرة في جبهة القطاع الطلابي خاصة حين لا تكون هناك حركة طلابية بل شظايا وفلول طلابية. ويفتح مجيىء المطربين ثغرة في جبهة  ما يطلبه المستعمون!
إن اتكاء بعض المشايخ على النصوص الدينية هو تمطيط للتفسير من جهة، كما أن السلفية في كل أمر هي مسألة لا تخرج عن إعادة حشر العصر الحالي في ما مضى، وهذا لا يمكن تحقيقه، ولا يورث سوى تذابح محلي حيث تنشغل الناس في قتل بعضها البعض من أجل امور يندى لها الجبين.
ففي عصر نرى فيه أن ما ننتجه كعرب ليس سوى التكاثر البشري، وهو أمر ينتج بالفطرة والطبيعة، بينما تمتلىء حياتنا اليومية بكل ما لا نصنعه، وإن اعتدنا تقليد صنعه، فنحن لم نبتكره. والمبتكرون منا ليسوا في الوطن، بل خارجه. اية معادلة وضيعة نعيش: تكاثر الناس وقلة الإنتاج وكثرة الاستهلاك واستيراد الضحايا للبغاء ونزيف الفوائض لأعداء الأمة والبشرية!
هنا يحل الفقيه محل العالم والمطاوعة محل القانون والغيبيات محل العلمانية والثورة المضادة محل الثورة!