الشرق الأوسط الكبير: «تفصيل» المنطقة على قياس العم سام نموذج جديد لأنظمة أكثر استبدادية أمن ومصالح الولايات المتحدة.. قبل كل شيء
أعد الباحثان الأمريكيان «نورا بنساهل» و«دانيال بيما» الباحثان في معهد «راند» تقريراً مطولاً، لحساب سلاح الجو الأمريكي تحدثا فيه عن تصوراتهما لمستقبل الشرق الأوسط، ووضعا لهذا التقرير مقدمة تنفيذية جاء فيها: عدم الاستقرار السياسي في الشرق الأوسط وخطره على المصالح الأمريكية.
وجاء في المقدمة: منذ هجمات 11 أيلول سنة 2001 في نيويورك وواشنطن لعب الشرق الأوسط دوراً أكثر من أي وقت مضى في السياسة الأمريكية، فالولايات المتحدة تعتمد في محاربة الإرهاب على حلفاء لها في الشرق الأوسط، مثل إسرائيل والسعودية وقطر ومصر وغيرها، وإن أي خسارة لشركاء أساسيين نتيجة حدوث تغيرات معادية للأنظمة «الحليفة» أو تزايد العداء للولايات المتحدة ستحد من قدرة واشنطن على محاربة الإرهاب في المنطقة، إلى جانب ذلك فإن الولايات المتحدة لها مصلحة في الحفاظ على أسعار مستقرة للطاقة، وإمداداتها للدول الأخرى وخاصة أن الغرب يعتمد على نفط الشرق الأوسط وأن أي تخلخل في الاستقرار السياسي في المنطقة سيضر اقتصادات مختلف أنحاء العالم.
النزاعات وعدم الاستقرار
وتساءل الكاتبان: ماهي توقعات استقرار الأمن السياسي في المستقبل المنظور للمنطقة؟ وخرج الباحثان بالنتائج الأساسية التالية:
■■ ستتقدم الليبرالية ببطء في دول الشرق الأوسط، وستكون إشاعة الديمقراطية فيها أكثر محدودية، وستسيطر الأنظمة الاستبدادية وغير الديمقراطية بشكل نموذجي عليها.
ويشير التقرير إلى أن الأنظمة في المنطقة تعرضت في الأعوام الأخيرة إلى ضغوط لإصلاح النظم السياسية والتخفيف من السيطرة الحكومية على أجهزة الإعلام المختلفة وقد استجابت الدول لهذه الضغوط عبر السماح باللبرلة مثل إدخال حرية الرأي والتجمع ولكن حد منها الطريقة المتبعة في إجراء الانتخابات والبرلمانات التي انتخبت على أساسها. كما سمحت الدولة للأفراد بالمشاركة في منظمات مدنية لاتزال ذات صلة بالدولة ولاتمثل مصالح عامة الناس ولا الأحزاب السياسية غير المشاركة في الحكم، ويضيف الكاتبان: رغم هذا التعقيد فإن اللبرلة يمكن أن تفتح شهية الشعب للإصلاحات السياسية، فيما لو استمرت، وربما أدت إلى تغييرات ديمقراطية طويلة المدى.
التراجع الاقتصادي وعدم الرضى الشعبي
وقال التقرير: إن التراجع الاقتصادي في هذه البلدان سيزيد على الأرجح من عدم الرضى الشعبي عن الحكومات التي فشلت في خلق فرص عمل للعاطلين عن العمل، أو في جذب الاستثمارات الأجنبية إلى دول المنطقة. كما أن الديون الضخمة والزيادة الكبيرة في الضرائب واستفحال الفساد كلها منعت من النمو الاقتصادي في بلدان الشرق الأوسط. إضافة إلى ذلك فإن المعدل السكاني المتزايد سيفاقم هذه المشكلات في السنين القادمة وستحتاج هذه البلدان إلى استيراد المزيد من المواد الغذائية، وسيتوجب عليها استخدام تكنولوجيات مكلفة لتنقية المياه، وبالتالي فإن التراجع الاقتصادي المتواصل أدى إلى تراجع ثقة الشباب المتعلم والعاطل عن العمل بالحكومات، وستفضي إلى حدوث اضطرابات سياسية واجتماعية وسيوفر أرضاً خصبة لنمو أصولية راديكالية.
أما التخفيف من القيود الحكومية وزيادة المحاسبة من أجل تحسين الأداء الاقتصادي، فسيفقد الأنظمة استقرارها عبر استبعاد دوائر ذات تأثير انتخابي، وذات مصالح خاصة.
الجيش للداخل لا للخارج
وتطرق التقرير إلى دور الجيوش في بلدان الشرق الأوسط، وقال: إن لدى العديد من دول الشرق الأوسط جيوشاً ذات مهمات مزدوجة، فهي من جهة مسؤولة عن حماية أنظمتها من التحديات الداخلية ومن جهة أخرى يقع على عاتقها الدفاع عن بلدانها من الأخطار الخارجية وبما أن سوء الأحوال الاقتصادية والاجتماعية ستزيد من ضغوطها على الحكومات مما يؤدي إلى زيادة المخاطر الداخلية، وهذا سيفرض على الجيوش أن تخصص أفضل مواردها للمهمات الأمنية كقمع المظاهرات وستسعى الأنظمة إلى تعزيز سيطرتها في الداخل وتبدي رغبة أقل في توفير القوة والدعم لقادة الجبهات. وبالنتيجة ستصبح الجيوش أقل فعالية فيما يتعلق بمهمة الدفاع ضد الأخطار الخارجية.
إن هذه النزعة في هذه البلدان، أي الاهتمام بتثبيت السلطة في الداخل والتقليل من شأن الخارج ستكون لها تأثيرات مختلفة بالنسبة للولايات المتحدة. وسيعني بقاء السيطرة المدنية على الجيش ـ كما حلفاء الولايات المتحدة ستكون بيدهم قوة لقمع المجموعات «الإرهابية» داخل حدودهم، وفي الوقت ذاته سيكون هؤلاء الشركاء أقل فعالية في العمليات القتالية.
وصول قادة جدد إلى السلطة
لقد وصل إلى السلطة منذ عام 1997 قادة جدد في كل من إيران والجزائر والبحرين والأردن والمغرب وسورية، وإن وصول قادة جدد إلى السلطة في السعودية ومصر متوقعة في المستقبل القريب، وسيحتاج القادة الجدد إلى التركيز على بناء دعم شعبي لأنظمتهم، ولذلك فسيكونون أقل رغبة في المضي بسياسات أقل شعبية كالتعاون مع الولايات المتحدة في الحرب على الإرهاب، أو تقديم تنازلات لإسرائيل في مفاوضات السلام المستقبلية، كما أن هؤلاء القادة ليست لهم خبرة وسيكونون أكثر عرضة لارتكاب الأخطاء في السياسة الخارجية سواء أكان في تقدير قوة جيوشهم، أو عبر الاعتقاد بأنهم قادرون على إرهاب أعدائهم، أو عبر الثقة بدعم دولي يتبين لهم أنه لايمكن الاعتماد عليه، بل يمكن أن تسبب الإساءة في الحسابات السياسية إلى زيادة التوتر بين الدول.
70 % من احتياط الطاقة في المنطقة
يملك الشرق الأوسط حوالي 70% من الاحتياطي النفطي العالمي ومن المتوقع أن تحافظ المنطقة على تفوقها عبر اكتشاف آبار جديدة، وزيادة في إنتاجه ويتوقع كاتبا التقرير أن تتحول الولايات المتحدة وأوروبا في الأعوام المقبلة من الشرق الأوسط إلى روسيا، وستغدو قارة أسيا المستورد الرئيسي لنفط الشرق الأوسط، ومع تزايد الطلب الأسيوي على الطاقة فيتوقع أن تنمو التجارة الدفاعية على الأرجح بين أسيا وبين الشرق الأوسط وعندها ستجد الولايات المتحدة صعوبة في الضغط على الحكومات الأسيوية لكي لاتصدر أسلحة إلى أنظمة معادية لواشنطن وتل أبيب في المنطقة.
الأنترنت محصور بالفئات الأكثر ثراء
ولاحظ معدا التقرير أن التكنولوجيا المتطورة مثل الأنترنت محصورة أساساً بالفئات الأكثر ثراء وتعليماً في الشرق الأوسط، بينما لواقط الأقمار الصناعية وأجهزة الفيديو والفاكس وآلات التصوير والطباعة أصبحت منتشرة بين العامة، إن هذه التكنولوجيات يمكن أن يكون لها أثر عميق على المشهد السياسي، فهي تساعد على تداول سريع وغير مكلف للمواد المطبوعة بعيداً عن سيطرة أجهزة الإعلام الرسمي ودور النشر الاحتكارية، كما أن اللواقط الفضائية تؤمن للشعوب وصول الإعلام الغربي إليها، وتوفر لها فرصة للاطلاع على وجهات النظر المختلفة حول السياسات العالمية والأحداث التي تقع فيها، وهذا ما سيرغم حكومات الشرق الأوسط على اتخاذ خطوات أكبر لاستئصال الفساد في الإدارات الحكومية ومؤسساتها وجعلها أكثر شفافية وعلى رفع مستوى معيشة الناس، ويمكن أن ترد الحكومات بالقدر نفسه بأن تصبح أكثر استبدادية وتحاول إسكات المعارضة عبر استخدام وسائل الترهيب والترغيب، ويمكن أن تحاول أيضاً تقييد إيصال بعض التكنولوجيات إلى أيدي الناس.
الحصول على أسلحة الدمار الشامل
وأشار كاتبا التقرير إلى أن العديد من الأنظمة في الشرق الأوسط تحاول الحصول على أسلحة كيميائية أو بيولوجية أو إشعاعية أو نووية أو تطويرها، أو الحصول على أنظمة إيصال متقدمة مثل إيران حيث تعمل على تطوير قدرة نووية عسكرية خلال العقد المقبل، حسب رأي كاتبي التقرير.
كما أن الانتشار المستمر لأسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط ستكون له تأثيرات خطيرة في المنطقة وفي أنحاء العالم الأخرى، لأن المسافة الجغرافية بين المتخاصمين في الشرق الأوسط قصيرة جداً ولن تكون هذه الدول بحاجة إلى أنظمة إيصال بعيدة المدى لتوجيه ضربات فجائية وكارثية فيما بعد، وسيقيد انتشار أسلحة الدمار الشامل أيضاً حرية الولايات المتحدة عبر زيادة إمكانية ضرب القوات المنتشرة في المنطقة، ويمكن أيضاً أن يهدد انتشار أسلحة الدمار الشامل بين المجموعات «الإرهابية» حسب ما جاء في التقرير الشرق أوسطية أن يهدد الأراضي الأمريكية نفسها، فأحداث 11 أيلول أظهرت أن بعض هذه القوى لها القدرة على شن هجمات ضخمة ضد الولايات المتحدة.
التوازن بين المصالح المتعارضة
ودعا كاتبا التقرير الولايات المتحدة أن توازن بين المصالح المتعارضة عندما ترسم سياستها الشرق أوسطية. فنظراً لسلسلة الأزمات المحتملة التي يمكن أن تندلع في الشرق الأوسط، يتوجب على الولايات المتحدة أن تختار السياسة التي تؤدي إلى نتائج أفضل. فهناك قضية حساسة وهي إما أن تسعى واشنطن إلى الاستقرار الإقليمي أو أن تشجع الإصلاحات الديمقراطية ولفت التقرير النظر إلى أن إشاعة الديمقراطية في الشرق الأوسط يمكن أن تكون لها نتائج سلبية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية إذ أن إشاعة الديمقراطية يمكن أن تفتح الباب أمام مجموعات قومية أو أصولية تعارض المصالح الأمريكية.
ويعترف معدا التقرير بأن الولايات المتحدة عندما اضطرت إلى الاختيار بين الحفاظ على استقرار الحليف «غير الديمقراطي» وبين دعم التغييرات الديمقراطية وقفت إلى جانب هذا «الحليف غير الديمقراطي». لكن استطلاعات الرأي العام أشارت إلى أن دعم الأنظمة المعادية للديمقراطية أدى إلى تأجيج المشاعر المناهضة لأمريكا بين شعوب المنطقة، ولذا فإن الولايات المتحدة ستكون بحاجة إلى بذل جهد أكبر لشرح سياستها للمواطنين العاديين في الشرق الأوسط، وستحتاج أيضاً إلى إيجاد توازن بين إمكانيات التغيير الديمقراطي مع احتمالات عدم الاستقرار وخسارة حلفاء أساسيين في المنطقة.
■ ترجمة: إيلي شلهوب