الشرق الأوسط الأكبر السلام بين القاتل.. والضحية
صار مفهوم «الشرق الأوسط الأكبر» في غضون بضعة أشهر واحداً من المحفزات الجديدة للفكر الاستراتيجي الأمريكي.
فقد شرح الرئيس بوش في خطابه عن حالة الاتحاد أسس هذا الفكر عندما قال: طالما أن الشرق الأوسط ظل موطناً للاستبداد واليأس والغضب، فسيستمر ظهور رجال وحركات تهدد أمن الولايات المتحدة وأمن أصدقائها، وكذلك فإن الولايات المتحدة ستواصل انتهاج استراتيجية متقدمة للحريات في الشرق الأوسط الأكبر.
ثلاث وظائف أساسية للمشروع
ولاشك أن مشروع «الشرق الأوسط الأكبر» هدفه تحقيق ثلاث وظائف أساسية في آن واحد:
1. توحيد الاستراتيجية الأمريكية.
2. تبسيط مشكلات المنطقة.
3. التضليل في الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني.
ومن البديهي أن مركزية الصراع الإسرائيلي العربي هي المؤهلة حسب المشروع للاختفاء عبر المفهوم الأمريكي الجديد وفي تحديد الرهانات الاستراتيجية للمنطقة على السواء. لقد تحولت الديمقراطية ومرض الإيدز ومكافحة «الإرهاب» رهانات شمولية لأرضية موحدة مصطنعة تتيح بناء جدران جديدة، وإزالة الصبغة السياسية عن مجموعات صراعات المنطقة تحت لافتة الكفاح من أجل الديمقراطية.
إن تطابق مفهوم الشرق الأوسط الأكبر تقريباً مع خارطة الإرهاب الدولي يتيح إعادة محورة الاستراتيجية الأمريكية مع الدفاع عن الديمقراطية وترقيتها. فالخطاب الأمريكي الذي استخلص الدروس والعبر من العدوان على العراق واحتلاله، بدأ يغير تبريرات الحرب، فقد أخذ يتجنب ذريعة الإرهاب غير المثبت، وحجة أسلحة الدمار الشامل العراقية، التي لم يعثر عليها أحد لصالح الحرب «المنتصرة» ضد الاستبداد. ولذلك فإن مفهوم الشرق الأوسط الأكبر يمكن أن يرتبط بمفهومين ماثلين في الفكر الاستراتيجي الأمريكي وهما:
1. مفهوم صدام الحضارات الذي نظَّر له صامويل هونتنغتون.
2. ومفهوم الدومينو الديمقراطي الذي سيؤدي إذا ماسقط نظام أن يتبعه سقوط الأنظمة الأخرى.
وهذان المفهومان يفترضان نوعاً من الوحدة بين العالمين العربي والإسلامي، فيركز المفهوم الأول على خطر كامن، بينما يعد الثاني بحل ممكن للمشكلة.
ولذلك فإن مفهوم الشرق الأوسط الأكبر يجمع مابين المفهومين لأن هذه المنطقة بالذات هي التي يمكن أن تحقق الولايات المتحدة من خلالها مهمة مزدوجة وهي: إلغاء الخطر عن طريق توسيع الديمقراطية.
وعملياً فإن العراق، وليس الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، هو الذي يشكل نقطة الارتكاز ضمن مجموعة «الشرق الأوسط الأكبر» وإذا كان استقرار العراق هو الوارد فإن الاندماج فيه سيكون بالضرورة على حساب الولايات الإقليمية الأخرى ومن ثم فمن غير المرجح أن يتيح موضوع «الشرق الأوسط الأكبر» المتسم بالالتباس والتبسيط المفرط وافتقاره للطابع السياسي للدول التي قسمتها حرب العراق بأن تتصالح ولاسيما أن القضية الإسرائيلية الفلسطينية هي أول من سيقع عليها دفع الثمن.
فضلاً عن ذلك فإن التناقضات كثيرة ومتعددة، فكيف يمكن التوفيق بين هدف الثورات السياسية الداخلية، والاستقرار الإقليمي. وهل يمكن تجاهل احتمالات التحول الديمقراطي إلى أنظمة استبدادية معادية للغرب؟ وإلى أي حد سيستمر زعزعة أنظمة تمثل حليفات للولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب؟
وهل يمكن تجاهل وجود خصوصيات وطنية في منطقة يزعم أنها موحدة بحكم مشكلاتها المشتركة، وفي الوقت نفسه يجري تجاهل صحة الحلول الشمولية متعددة الأطراف.
ومن وجهة نظر أوروبية، لابد أن يكون لمفهوم الشرق الأوسط الأكبر دلالة في المستقبل وهي أن تستخدم في إضفاء طابع الشرعية على الأطر المتعددة الأطراف العاملة لإحلال السلام في المنطقة:
1. فكرة عقد المؤتمر الدولي حول الشرق الأوسط.
2. ومؤتمر دولي حول العراق تشارك فيه كل البلدان المجاورة وتحديد مايتعلق بالهدف الأمني.
وفي قلب هذه الأطر الأمنية المتعددة الأطراف يمكن أن يكون لاندماج حلف شمال الأطلسي أو الاتحاد الأوروبي له دلالة، بما تقدمه هذه المؤسسات من ضمانات لتنفيذ الاتفاقات المحتمل الوصول إليها بين الأطراف المعنية.
■ بقلم: نيكول نيوسوتو