التهديدات الأمريكية لسورية ألا لا يجهلنْ أحدٌ علينا... فنجهل فوق جهل الجاهلينا

«كلما دق الكوز بالجرة» أي كلما تأزمت الأمور على القوات الأمريكية في العراق، ووجدت الحكومة الإسرائيلية نفسها في مأزق شديد، وطريق مسدود حيال الصمود الفلسطيني، رغم القتل والاعتقال والدمار، تصاعدت التحذيرات والتهديدات لسورية، منذرة بالويل والبثور   وعظائم الأمور، وقد هدد أحد أعضاء الكونغرس بأن صبره قد نفد، ودعا إلى إصدار قانون آخر بعنوان «قانون تحرير سورية» بعد قانون «معاقبة سورية» وعلى غرار قانون «تحرير العراق».

وكان معاون وزير الخارجية الأمريكية ريتشارد أرميتاج قد أعلن يوم 4 أيار الجاري بأن العقوبات التي تعتزم حكومته فرضها على سورية «حتمية» وسيتم تنفيذها، على الأرجح خلال شهر أيار الحالي.

ماهي حجج واشنطن؟

فبماذا تبرر واشنطن تهديداتها؟ إنها تدعي بأن سورية لم تف بالتزاماتها تجاه واشنطن وبخاصة:

1. التعاون لمنع «تهريب» المقاتلين إلى داخل العراق عبر حدودها الطويلة التي تبلغ 400 ميل.

2. لم تغلق سورية مكاتب منظمات المقاومة الفلسطينية المتطرفة.

3. لم تعد سورية نحو ثلاثة بلايين دولار من الأموال العراقية المودعة في المصارف السورية.

4. رفض سورية سحب قواتها من لبنان، والتي ذهبت إلى هناك بموافقة اللبنانيين أنفسهم ولم تطلب الجهات اللبنانية صاحبة الشأن سحبها.

العقوبات المقررة

فما هي العقوبات المقررة التي يراد فرضها على بلادنا؟ إنها حسب المصادر الأمريكية والتي يتوقع أن يعلنها البيت الأبيض يوم 11 أو 12 أيار الجاري:

● حظر استثمار شركات النفط الأمريكية في سورية.

● حظر الطيران السوري من دخول الأجواء الأمريكية.

● خطر الصادرات الأمريكية إلى سورية، وخاصة ـ حسب تعبير المسؤولين الأمريكيين ـ وقف تصدير البضائع الأمريكية التي يمكن استخدامها لأغراض عسكرية.!!

التهديدات الأمريكية وحادث المزة

وإذا ربطنا التهديدات الأمريكية العلنية لسورية بالحادث الذي جرى في حي المزة بدمشق، وما جرى قبله في الجزيرة وأماكن أخرى، فإن كل ذلك يحمل رسالة واضحة إلى دمشق مؤداها بأنه إذا لم ترضخ سورية للشروط والمطالب الأمريكية الإسرائيلية فستواجه إلى جانب العقوبات، أنشطة وعمليات إرهابية أخرى مماثلة أو أكبر على غرار ما حدث في السعودية.

بين عمان ودمشق

والجدير بالذكر، واللافت للنظر أيضاً، هو أنه قبل حدوث التفجير في حي المزة، جرت ضجة في الأردن حول اعتقال جماعة من القاعدة تهدد بتفجيرات في البلاد وأعلنوا اكتشاف كميات من المواد الكيميائية تكفي للقضاء على ثمانين ألف شخص، وجرت مظاهرة كانت على رأسها «جلالة الملكة» هتفوا ضد الإرهاب والإرهابيين ماعدا الإرهاب الأمريكي في العراق والإسرائيلي في فلسطين، وكان الهدف من ذلك على ما يظن، توجيه الأنظار نحو عمان، لتنفيذ ما قرر عمله بدمشق بهدوء وسرية، وهذا أشبه بالمثل الشامي الذي يقول: «الطبل في حرستا والعرس في دوما» ونحن نضيف كان الدوي في عمان و«الفعل» في دمشق.

هل المبررات الأمريكية مقنعة؟

ولا بد أن يتساءل المرء: هل المبررات التي ساقتها واشنطن لمعاقبة سورية مقنعة وواقعية، بل أكثر من ذلك التهديد «بتحريرها» أي بالعدوان المباشر عليها؟

فإذا كانت المبررات والحجج التي استخدمتها واشنطن لغزو العراق ثم احتلاله باسم البحث عن أسلحة الدمار الشامل، وإسقاط حكم صدام حسين الدموي، ونشر الديمقراطية وحقوق الإنسان في بلاد الرافدين، فإن الشعب العراقي الذي «ذاق» الحرية والديمقراطية على أيدي القوات الأمريكية وتمتع المساجين العراقيون بحقوق الإنسان في سجن أبو غريب، حيث مورس أقسى أنواع التعذيب، وبمختلف ألوان الأساليب الشائنة معهم، وإطلاع العالم أجمع على صور «النعيم» التي عاشها المساجين، إن كل ذلك قد كشف واشنطن على حقيقتها وأن كل ما ادعته بأنها رسول الحرية وحقوق الإنسان هي كذب في كذب وأن هدفها الوحيد هو نهب الثروات النفطية العراقية وخدمة الشركات الاحتكارية الأمريكية الضخمة.

ولذلك نستطيع القول إنّ التهديد الأمريكي الإسرائيلي لسورية بـ «تحريرها» ممن؟ لا ندري هدفه الأول والأخير زحزحتها عن مواقفها الثابتة تجاه قضايا ثلاث هامة وهي:

1. موقف سورية الثابت المعارض لغزو العراق قبلاً، والمطالب بعد احتلاله بخروج القوات الأجنبية منه بسرعة حالياً، وترك الشعب العراقي الشقيق ليحل مشكلاته بنفسه دون أي تدخل من أحد.

2. وفي الموضوع الفلسطيني تطالب بانسحاب القوات الإسرائيلية إلى حدود 4 حزيران 1967 وإقامــــة الدولـــة الفلســطيــنية وعاصمتها القدس إلى جانب قضية عودة اللاجئين إلى وطنهم وديارهم وإلغاء المستوطنات.

3.  الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الجولان السوري ورفض التخلي  عن ذرة تراب واحدة، كما أكد ذلك الرئيس الراحل حافظ الأسد.

ولاريب أن السياسة السورية هذه لا تنسجم مع السياستين الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة، مما جعل الباب مفتوحاً لكل من «واشنطن» و «تل أبيب» لتوجيه التهديدات لسورية وفرض العقوبات عليها لإرغامها على إجراء تغييرات في مواقفها حيال ثوابتها.

كيف نواجه التهديدات

إن التهديدات الأمريكية لسورية والتي تتوالى على لسان مختلف مسؤوليها هي تهديدات جدية ومن الضروري إبداء اليقظة التامة حيال ما يحاك لوطننا ونحن نرى بأنه يجب اتخاذ الكثير من التدابير التي تجعل صمود سورية قوياً وحتى لا تؤخذ على حين غرة منها:

1. تشكيل أوسع تحالف وطني ليشترك الجميع في الدفاع عن الوطن، فالوطن ليس لفئة معينة أو حزب معين، ومهما كانت قدرة الأجهزة الحكومية فإنها لا تستطيع مواجهة العدو وحدها فلابد من مساندة الشعب لها.

2. إلغاء قانون الطوارئ الذي مضى على صدوره أكثر من أربعين عاماً والذي طبق بشكل مخالف لما قصد من إصداره.

3. إطلاق الحريات الديمقراطية.

4. التعامل مع جميع المواطنين على قدم المساواة وبدون تمييز، وأن يكون القانون مطبقاً على الجميع وعدم اعتقال أي مواطن دون مذكرة توقيف، ولأكثر من 24 ساعة وتحويله إلى المحاكم صاحبة الشأن.

5. إصدار قانون للأحزاب.

6. تعديل قانون المطبوعات والسماح بإصدار صحف متنوعة وغير حكومية.

7. إلغاء نتائج الإحصاء الذي جرى في الجزيرة عام 1962 وما نتج عنه من أضرار وإعادة الجنسية إلى كل من سحبت منه.

8. حل مشكلة البطالة وخصوصاً بين الشباب والتي تستفحل سنة بعد أخرى وعلى أساس بناء مشاريع صناعية وزراعية كثيرة لا عن طريق إصدار قانون التقاعد المبكر والذي سبقتنا إليه الشقيقة مصر في إصداره وأخفقت في حل هذه المشكلة.

9. زيادة رصد الأموال للشؤون الصحية والتعليمية والاهتمام بالمشافي الحكومية لأنها الملجأ الوحيد للفقراء والكادحين وحتى متوسطي الحال.

10. إيجاد حل عملي وسريع للسكن الجيد والرخيص الذي يتناسب مع مداخيل الشباب.

11. رفع الأجور والرواتب بما يتناسب وارتفاع الأسعار التي تصاعدت في الآونة الأخيرة بعد أن تركت بلا قيود … لـ «وجدان» التجار الكبار الذين لا هم لهم إلا الربح.

12. تسليح جميع المواطنين كما كانت الحال في خمسينات القرن الماضي ليكون الإصبع على الزناد في حال أي خطر.

إن سورية العربية التي صمدت في خمسينات القرن الماضي وأفشلت جميع المؤامرات الاستعمارية التي حيكت ضدها، بفضل النهوض الجماهيري الكبير، وتحالف القوى الوطنية والتقدمية في البلاد وإطلاق الحريات الديمقراطية إلى حدودها القصوى، والتفاف الأكثرية الساحقة من المثقفين حول السياسة الوطنية وكذلك التحالف الذي كان دائماً بين الشعب والجيش، إن سورية تستطيع اليوم أيضاً الصمود في وجه جميع المؤامرات والتهديدات التي تستهدفها فيما لو تحققت البنود التي وردت آنفاً.

 

■ عادل الملا