كرامة الأمعاء الخاوية

لم يكن يوم الأسير الفلسطيني في «السابع عشر من ابريل/نيسان» هذا العام، _ وهو الموعد الذي قرره المجلس الوطني الفلسطيني في دورته التي انعقدت عام 1974، من كل عام ليكون وقفة التضامن الحقيقية مع الأسيرات والأسرى، كجزء من التقدير والوفاء للتضحيات التي بذلوها_ يوماً عادياً في حياة أكثر من 4700 أسير وأسيرة داخل معتقلات وسجون العدو الصهيوني، بينهم ست أسيرات و180 طفلا، و330 معتقلا إداريا، و 28 نائبا منتخبا، بالإضافة إلى ثلاثة وزراء سابقين، ونخبة من القيادات السياسية، موزعين على قرابة 17 سجنا ومعتقلا ومركز توقيف.  ومن بينهم أيضاً، الأسرى القدامى، الذين مضى على اعتقال( 59 ) منهم وبشكل متواصل أكثر من عشرين عاماً في سجون العدو مما يُطلق عليهم مصطلح «عمداء الأسرى»، فيما عدد «جنرالات الصبر» وهو المصطلح الذي يُطلقه الفلسطينيون على من مضى على اعتقالهم أكثر من 25 عاماً قد وصل عددهم إلى ( 23 ) أسيرا . ويُعتبر الأسير كريم يونس من المناطق المحتلة عام 1948 والمعتقل منذ يناير 1983 هو عميد الأسرى وأقدمهم جميعاً.

في هذا اليوم، أشهر أكثر من 1600 معتقل من هؤلاء الأسرى والأسيرات سلاح الإضراب في وجه حكومة الجلادين الدموية، وواجهوا بعزيمة أقوى، قوانين وإجراءات السجان، من خلال تصعيد شكل الاحتجاج «الإضراب المفتوح» الذي أخذ شكل الإضراب الفردي _ ومازال _ سمته الأساسية على مدى عدة شهور، لينتقل مجدداً، نحو شكل متقدم «إضراب شبه جماعي» يعيد للحركة الوطنية الأسيرة وحدتها في وجه قوانين الاعتقال التعسفية. هذا الأسلوب الكفاحي، الجماعي، الوحدوي، سيوفر لجماهير الشعب والأمة، ولكل أنصار الحرية ومقاومة الاحتلال والعنصرية، العوامل المساعدة لطرح قضية المعتقلين والمعتقلات كـ «أسرى حرب»، على المؤسسات الحقوقية الدولية، للعمل على تخفيف الأحكام الصادرة بحقهم، كخطوة على طريق تحسين ظروف اعتقالهم، والعمل الجاد والمثابر لإلغاء سياسة الاعتقال الإداري .
لقد أصبحت تجربة الاعتقال جزءاً من الحياة اليومية للشعب العربي الفلسطيني. فمنذ قيام الكيان الصهيوني الاحتلالي، دخل المعتقلات ومراكز التحقيق الصهيونية أكثر من مليون مواطن، ومازال يرزح في غياهب المعتقلات أكثر من مائة معتقل من أبناء شعبنا المحتلة أراضيه منذ عام 1948. إن كل عائلة فلسطينية على امتداد فلسطين التاريخية، لديها أسير أو محرر أو مطارد. وفي حكايات شعبنا، يتناقل أفراد العائلات والمجتمع صور البطولة  والتضحية لنماذج من الواقع، للذين مروا بتجربة السجن.
إن سياسة الاعتقال والاختطاف التي أصبحت خطة عمل حكومات العدو المتعاقبة، تؤكدها أرقام المعتقلين، والمختطفين من على حواجز قطاع غزة، في الأشهر الثلاثة الأخيرة. فمنذ بداية العام الحالي وحتى الآن، قام العدو بما يقارب 900 حالة اعتقال في مختلف المناطق. كما استهدف عدداً من محرري صفقة تبادل الأسرى الأخيرة.
إن الإضراب الذي بدأه أكثر من 1600 معتقل، هو بداية الانطلاقة، لمشاركة الآلاف المتبقية في السجون، بالإضراب الجديد، الذي لم يستقطب جميع الأسرى والأسيرات في لحظة إعلانه، نتيجة عدة عوامل، سيعمل قادة الحركة الأسيرة من مختلف القوى والفصائل على تجاوزها بالأيام القادمة. وإذا كانت خطة عمل مشتركة لتجاوز «الحسابات الفصائلية الضيقة» داخل الساحة السياسية، مهمة وطنية ملحة، فالأجدى والأهم، أن تتجسد هذه الخطوة الضرورية داخل السجون، من أجل تحقيق وحدة الحركة الأسيرة، أداة وأهدافاً، في نضالها الطويل، الذي حدد بيانها الأخير الذي حمل عنوان «إضراب الكرامة»، برنامج العمل المشترك، الذي وقعت عليه والتزمت به الحركة الأسيرة، رغم بعض «الاجتهادات» التي جعلت أجزاءً منها غير ملتزمة بالإضراب الراهن.
لقد حدد الأسرى  في بيانهم  الهدف من الإضراب «نيل الحقوق الإنسانية البديهية، التي تنكرت لها حكومة الاحتلال على مدى سنوات طويلة مضت، إلى أن تكللت هذه الجهود بالتوافق على خوض إضراب مفتوح عن الطعام بالتزامن مع « يوم الأسير».  مؤكدين على أن« إضرابهم قد أقرته الحركة الأسيرة، بكافة أطيافها السياسية، ويقضي بالامتناع عن الطعام والشراب، عدا الماء حتى تتحقق كافة المطالب، التي انطلق من أجلها الإضراب»، مؤكدين على «إغلاق ملف العزل الانفرادي، الذي يقضي بموجبه أسرى، مضى على عزلهم أكثر من عشر سنوات متتالية، في زنازين انفرادية تفتقر لمقومات الحياة البشرية والنفسية والمادية، والسماح لأهالي أسرى قطاع غزة بزيارة أبنائهم في السجون، الذين حرموا منها منذ ست سنوات متتالية.  فمنذ ذلك الحين لم تقم ولا زيارة واحدة لأي أسير من قطاع غزة». كما طالب المضربون بـ «تحسين الوضع المعيشي في السجون، الذي تداعى بقرارات سياسية وقوانين جائرة، مثل ما يسمى بـ «قانون شاليط» الذي حرم الأسرى من أبسط الحقوق، كالتعليم ومتابعة الإعلام من خلال سحب العديد من القنوات الفضائية وكل الصحف المكتوبة، ووضع حد لسياسة الإهانة والإذلال التي تقوم بها مصلحة السجون بحق الأسرى وذويهم، من خلال التفتيش المهين العاري، والعقوبات الجماعية، والاقتحامات الليلية»
إن النضال من أجل حرية الأسيرات والأسرى يجب أن لا يتوقف عند هذا اليوم _الذي يريد البعض تحويله إلى مناسبة تضامنية موسمية. إن العمل الجاد والمنهجي لإعطاء هذه القضية بعدها السياسي/ الإنساني يجب أن يتصدر برنامج عمل القوى السياسية والقوى المجتمعية/الأهلية. إن حراكاً محلياً وإقليماً وعالمياً، على القوى السياسية والأهلية أن تبدأ بتنفيذه، كالمؤتمرات، وورشات العمل المتنقلة مابين المدن والدول، من أجل متابعة قضية الأسيرات والأسرى، خاصة في الدول الأوربية والأمريكيتين، توازي في نشاطاتها، مؤتمرات لجان العودة والجاليات الفلسطينية السنوية، والعمل على أن يكون بند الأسرى ومعاناتهم على جدول أعمال العديد من اللقاءات والمؤتمرات الإقليمية والدولية، للمساهمة في تعرية السياسة الصهيونية العدوانية في هذا المجال، ولتشديد الضغط على حكومة العدو، من أجل تخفيف الإجراءات بحق الأسرى، وإلغاء الاعتقال الإداري، وكافة أشكال الاحتجاز التي تتناقض مع القوانين والمواثيق الدولية التي تنظم علاقة المحتل مع أبناء الشعب الخاضع لاحتلاله