حلم واشنطن ذهب أدراج الرياح
طوت صفحة النسيان الخطة التي وضعتها إدارة بوش لجلب الديمقراطية إلى الشرق الأوسط وباتت كأن لم تكن. وفي دولة ما تزال تضع اعتبارات لما تعنيه المسؤولية السياسية يجب أن يجبر مهندسو تلك الإستراتيجية على ترك مناصبهم.
هل تتذكرون ما كان يقال عن حرب العراق بأن الإطاحة بنظام صدام حسين سوف يؤدي إلى عراق ديمقراطي مستقل ويثبت قواعد السلام في الشرق الأوسط؟ وهل تتذكرون ما قيل أن أساس الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو عدم وجود ديمقراطية في فلسطين ؟ وهل تتذكرون الوعد الذي قطعته وزيرة الخارجية الأمريكية على الولايات المتحدة أنها ستدعم لبنان ؟
الحقيقة أن الارتكان إلى مسألة الديمقراطية لم يكن إستراتيجية بالقدر الذي كان تبريرا لعدم وجود إستراتيجية ،وتلك القضية كانت توفر غطاء من النوع الرديء لعجز إدارة بوش أو عدم رغبتها على مناقشة التحديات الأساسية والفرص الموجودة في المنطقة. وقد شملت تلك الإخفاقات الابتعاد عن جوهر الصراع العربي الإسرائيلي ورفض التفكير في اتفاقات مع سورية وإيران في الوقت الذي كانت فيه تلك الأنظمة (في أعقاب هجمات 11 سبتمبر) تتوق إلى الدخول في مفاوضات.
ويرى عدد من الخبراء والمحللين ومنهم سيمون هيرش وفلاينت ليفريت أن الولايات المتحدة قد أهدرت فرصة استقطاب هاتين الدولتين للانضمام إلى ركب حلفائها في الحرب ضد القاعدة والمتشددين السنة في العالم حيث أن النظامين السوري والإيراني لديهما من الأسباب ما قد يدفعهما للسير في هذا الاتجاه.
بيد أن الإدارة الأمريكية وبمساعدة معظم الديمقراطيين راحت تركز على تقديم الدعم لخطة الحكومة الإسرائيلية لحل أحادي الجانب فيما صبت عداءها تجاه سورية وإيران محاولة أن تلحق الضرر بالاقتصاد السوري وأن تفرض العقوبات ضد إيران وتطالب بالتوصل إلى اتفاقات في الوقت الذي تعلن فيه بشكل واضح عن رغبتها في الإطاحة بنظامي الدولتين.
ولم يكن مفاجأة أنه مع اندلاع المواجهة والقتال بين فلسطين وإسرائيل وسنحت الفرصة أطلقت طهران ودمشق العنان لحزب الله. ومع أن هذه الإستراتيجية تحمل في طياتها قدرا كبيرا من المخاطر لكلتا الدولتين إلا أنه ما من متابع للتطورات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط يختلف على أن ذلك كان أمرا متوقعا على ضوء الموقف الذي زجت الولايات المتحدة بالنظامين فيه.
وبعيدا عن نشر الديمقراطية في المنطقة فالولايات المتحدة في سيرها تنهج تلك الإستراتيجية الثلاثية التي وضعتها إسرائيل للتعامل مع جيرانها والمتمثلة في : الاعتماد على أنظمة دكتاتورية تخاف من شعوبها والدعوة إلى التفريق بين المجموعات المختلفة من ناحية الدين أو العرق بالإضافة إلى الإستراتيجية الثالثة وهي الحرب عند الضرورة.
إن استخدام القوة المفرطة في التعامل مع حزب الله هو أمر يتطلب ديكتاتورية عسكرية من المسيحيين اللبنانيين وحربا أهلية في لبنان يتمخض عنها آلاف القتلى. وربما تجد إسرائيل مبررا في طرحها هذا الحل لو أن حزب الله يمثل تهديدا حقيقيا لوجود إسرائيل.
إلا أن إسرائيل تريد أن تفرض على الدولة اللبنانية أن تقضي على حزب الله دون اعتبار للثمن الذي يمكن أن يتكبده الشعب اللبناني أو مستقبل الديمقراطية التي كان بوش قبل ثلاثة أشهر يكيل لها المديح.
وفي باقي أنحاء الشرق الأوسط ثبت أن فشل بعض الأنظمة العربية في أن تتحدث نيابة عن الشعب اللبناني أن الامر لا يمت بصلة إلى الديمقراطية ، بل هو ناتج عن عاملين:خشية تلك الأنظمة من التوسع الإيراني وزيادة النفوذ الشيعي إلى جانب خشيتهم من الدخول في المواجهات العسكرية.وفي أي من تلك الدول كان يمكن للديمقراطية أن تؤدي إلى سياسات مغايرة تماما أكثر عداء لإسرائيل وللولايات المتحدة.
وهؤلاء المحافظون الجدد الذين يشكلون إستراتيجية بوش الخاصة بالشرق الأوسط يعلنون من ناحية أن الديمقراطية المبكرة للشرق الأوسط أمر ممكن وأنها ستحل مشاكل المنطقة بما في ذلك الصراع العربي الإسرائيلي. ومن ناحية أخرى فكثير منهم لا يخفي اعتقاده بمبدأ ميكافيللي "أفضل لك أن يخافك الآخرون أكثر مما يحبونك ".
والتجربة الإسرائيلية تثبت أن رفض التفاوض والاعتماد على القوة بشكل رئيسي يؤدي فقط إلى صراع لانهائي. والآن فإن حلم الولايات المتحدة أن تجمع بين ديمقراطية الشرق الأوسط وولائه لواشنطن قد ذهب أدراج الرياح ولم يعد له وجود، وأصبح الخيار أمام الولايات المتحدة إما أن تسعى للوصول إلى اتفاقات جوهرية مع اللاعبين الأساسيين في المنطقة أو أن تعد نفسها لحروب متكررة.