مؤتمر أصدقاء سورية: مدخل لحرب أوسع في الشرق الأوسط

إن مؤتمر ما يسمى ب «أصدقاء سورية» الذي انعقد في اسطنبول يوم الأحد 1 نيسان 2012 يمثل تصعيداً هاماً في مخطط المؤامرة الواسعة لتسعير حرب أهلية دموية وفي الاستعدادات لتدخل امبريالي مباشر. ان ما ينوون عليه ويعملون له بنشاط محموم هو حمام دم يتجاوز  فيه عدد الأشخاص الذين استشهدوا لحد الآن في الأزمة السورية، وحرب من شأنها أن تؤدي إلى صراع عالمي سيهدد ملايين البشر.

لقد أدى هذا المؤتمر بقيادة واشنطن وحلفائها الرئيسيين في الناتو، بريطانيا العظمى وفرنسا والمانيا، بالإضافة إلى تركيا والسعودية والممالك والإمارات البترولية الرجعية الأخرى في الخليج العربي، إلى تطورين أساسيين:
الأول: هو الإعلان عن أن المملكة السعودية وبالتعاون المنسق مع قطر تعمل على إنشاء صندوق بمبلغ 100 مليون دولار لدفع أجور «المتمردين» في سورية. هذا من شأنه أن يؤكد رسمياً على أن تلك الجماعات المسلحة المعروفة إعلاميا باسم الجيش السوري الحر هي عبارة عن قوة من المرتزقة تابعة بتمويلها لإمارات الخليج، حلفاء الامبريالية الأميركية.
أما التطور الثاني: فهو إعلان واشنطن بإنشائها صندوقاً من أجل تقديم مساعدة «انسانية» لسورية ... كذا، بالإضافة إلى تقديم مساعدة «غير حربية أي غير قاتلة»؟!! لأولئك الذين يُسمون بالمتمردين، ستشمل بحسب المسؤولين الأميركيين معدات متطورة للاتصالات المرتبطة بالأقمار الصناعية ومناظير للرؤية الليلية.
على الرغم من تأكيد وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون بالقول بأن هذا سيسمح للجماعات المسلحة التابعة للمعارضة «بحماية انفسهم» من هجمات قوى الأمن السورية، فإن هذه المعدات ستسمح لهم أيضاً بالقيام بهجمات إرهابية أكثر شدّة وفعالية ضد أهداف حكومية وسكان مدنيين ينظر إليهم على أنهم مناصرون للحكومة. هذا سيمكنهم أيضاً من استقبال معلومات مفيدة من قبل الجيش وأجهزة الاستخبارات الأميركية، بالإاضافة إلى طائرات بدون طيار التجسسية التي تغطي سماء سورية.
لقد اتخذت هذه الاجراءات في أعقاب تصريحات مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية وأمينها العام السابق «كوفي عنان» بأن نظام الرئيس السوري بشار الأسد قد قبل خطة السلام ذات النقاط الست والتي تدعو إلى وقف إطلاق النار، وانسحاب الجيش من المراكز السكنية وإلى اتفاق سياسي للحوار  بين المعارضة والدولة حول الأزمة المستمرة منذ أكثر من عام في سورية.
من الواضح أن توظيف السوريين وشراءهم بالمال من قبل قوى خارجية للقيام بهجمات مسلحة ضد القوات الحكومية، بالإضافة إلى قيام الولايات المتحدة بتزويد المسلحين بالمعدات الهادفة إلى جعل تلك الهجمات أكثر إماتة وعنفاً، هو مخطط لعرقلة جهود الأمم المتحدة المبذولة في سبيل تحقيق ما يسمى  بـ «هبوط ناعم» في سورية.
إن الامبريالية الأميركية وحلفاءها لا يهتمون إلا إلى أمر واحد: تغيير النظام. وكل الخطابات والبيانات التي تدّعي الغيرة على «الديمقراطية» و «الحرية» هي واجهة وقحة لهذا الجهد الاستراتيجي.
ان الوضعية التي اتخذتها واشنطن، إلى جانب حكام السعودية والبحرين وقطر، كمحررة للجماهير السورية وكبطلة في الديمقراطية لهي محاولة عبثية لا معنى لها. فهذه الأنظمة وبالتعاون مع الولايات المتحدة ترفض إعطاء الحريات السياسية الأساسية لشعوبها. إلى جانب أن البحرين التي تحوي قاعدة للأسطول الخامس الأميركي، قد انتهجت في أزمتها أسلوب القمع الدموي تجاه الحركة الجماهيرية التي تطالب بالديمقراطية والمساواة في الحقوق.
لقد تم استهداف سورية بغية تغيير النظام فيها لأنها حليف لإيران ولأنها تقريباً البلد الوحيد بالمنطقة الذي لم يسمح للولايات المتحدة بإقامة قواعد عسكرية على أراضيه والذي لم ينضم إلى شبكة تحالفات البنتاغون، حيث نرى تحالف الناتو مع بعض دول حوض البحر الأبيض المتوسط (الجزائر، مصر، إسرائيل، الاردن، موريتانيا، المغرب وتونس)، إلى جانب الدول التي شاركت في مؤتمر اسطنبول من ممالك وإمارات الخليج العربي. 
لقد ظهرت تلك الاهداف الاستراتيجية بوضوح من خلال التحضيرات الأميركية لمؤتمر اسطنبول. فقبل وصولها إلى اسطنبول، ذهبت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون إلى المملكة السعودية بهدف الحصول على ضمانات بزيادة إنتاج النفط لتعويض الأثر الاقتصادي العالمي للحظر الأميركي على استيراد النفط الإيراني، وبهدف تقديم خطط البنتاغون لوضع الدويلات الإماراتية البترولية تحت حماية الدرع الصاروخي المقدم من الولايات المتحدة استعدادا للحرب على ايران.
إن الدافع للسياسة الأميركية تجاه سورية هي استراتيجية امبريالية واسعة وعميقة تهدف إلى تعويض الانهيار الاقتصادي للنظام الرأسمالي الأميركي عبر تعزيز الهيمنة الأميركية على مساحة واسعة من الأراضي تمتد من حوض البحر الابيض المتوسط إلى المحيط الهندي شاملة المناطق الرئيسية لإنتاج الطاقة من الخليج العربي إلى آسيا الوسطى.
وفي سبيل تحقيق هذا الهدف قامت واشنطن بشن حربين خلال عشر السنوات الماضية، في أفغانستان والعراق، وهي تحضر الآن هجوماً ثالثاً أشد خطورة بكثير ضد بلد يحوي 74 مليون نسمة ويقع بين الاثنين، ألا وهو إيران. إن حربا كهذه الحرب سيكون لها آثار كارثية، ليس فقط بالنسبة للايرانيين، ولكن بالنسبة للكوكب كله، وستؤدي إلى صدامات أكثر دموية وشراسة بين الامبريالية الأميركية من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى.
بالإضافة إلى الإجراءات الأساسية من توفير الدعم المالي والمعدات المتطورة «للمتمردين» السوريين، فإن مؤتمر اسطنبول قد اعترف بالمجلس الوطني السوري «كممثل شرعي» للشعب السوري. إن المجلس الوطني السوري هو عميل أميركي بامتياز وهو غير شرعي وغير ممثل للشعب السوري.
إن كومة الفضلات المختلطة هذه من إسلاميين سياسيين، ومنفيين يقبضون رواتبهم من وكالات الاستخبارات الغربية، ومن موظفين فاسدين سابقين في النظام، لا تعكس طموحات الشعب السوري. فعلى الرغم من معارضة الملايين من  السوريين للفروقات الاجتماعية الناجمة عن عدم المساواة، والقمع والفساد السائد، ولكنهم معادون للنظام الراسمالي ومعادون للسياسة الطائفية للاخوان المسلمين ورعاتهم السعوديين الذين لا يعدون سوى بازدياد القمع والصراعات الطائفية والمذهبية وبإحالة سورية إلى وضع أشبه بمستعمرة.
ينبغي على شعوب  العالم كله أن تعارض التدخل الامبريالي وأن تطالب بعدم المساس بسورية. إن تصفية  الحسابات مع النظام السوري  هي مهمة تابعة للشعب السوري وليس للقوى الامبريالية المفترسة التي تعمل على إغراق البلد في حمام من الدم الطائفي والمذهبي من أجل سرقة ونهب المزيد من الثروة النفطية للمنطقة.

 بقلم المحلل السياسي بيل فان اوكن
ترجمة: ميس ضوماط، باريس