خطة «الفصل» الشارونية.. هروب من جحيم غزة

في الوقت الذي يتكرر فيه الحديث عن نية حكومة شارون بالانسحاب من قطاع غزة وتسليمه إلى الفلسطينيين، تتابع القوات الإسرائيلية أعمالها العدوانية اليومية ضد الشعب الفلسطيني، فتقتحم الأحياء وتدمر البيوت على رؤوس أصحابها وتعتقل المواطنين بشكل عشوائي وتقودهم إلى السجون والمعتقلات، وتغتال عمداً الناس العاديين فضلاً عن الناشطين، وتجرف الأراضي الزراعية وتقتلع ألوف الأشجار المثمرة.

إنذارات فلسطينية

ومن جهة أخرى تتخذ سلطات الاحتلال الإسرائيلي إجراءات أمنية مشددة قرب المدن والمستعمرات، إثر ورود إنذارات بأن الفلسطينيين يعدون العدة للقيام بعمليات ضد أهداف إسرائيلية عشية عيد الفصح اليهودي.

وتذكر وكالات الأنباء أن حصاراً عسكرياً مشدداً فرضته القوات الإسرائيلية على المدن والقرى الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وإن دوريات راجلة ومحمولة سُيرت على كافة الطرق المؤدية إلى المدن والمستعمرات الإسرائيلية.

لماذا الانسحاب من غزة فقط؟

والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا التركيز على الانسحاب من غزة. وهل سيكون كاملاً، لايبقى فيه أي أثر لجندي محتل ولا لمستوطنين إسرائيليين، أو ستترك فيه أسافين لعرقلة الوصول إلى استتباب الوضع في القطاع وإعادة بنائه؟

كما أن هناك سؤالاً آخر: هل سيعقب الانسحاب من قطاع غزة، انسحاب ثان من الضفة الغربية حتى حدود 4 حزيران 1967، وإخلاء المستوطنات التي بنيت خلال سنوات الاحتلال؟

الهروب من الجحيم

ثمة أسباب عدة تدفع شارون للانسحاب من غزة:

●● الخلاص من الجحيم الذي يعيش فيه جنود الاحتلال. وكان أحد أهداف اتفاقية أوسلو هو رغبة الإسرائيليين الشديدة للخروج من القطاع لأن البقاء فيه غدا لايطاق، فسكانه البواسل  حولوا حياة الإسرائيليين إلى جحيم، وهذا الوضع رغم كل القتل والدمار باق على حاله، وقبل أن يرغموا على الانسحاب منه كما حصل لهم في جنوب لبنان، ويرى بعض المعلقين السياسيين أن استمرار شارون في محاصرة القطاع والعدوان اليومي المسلط عليه واغتيال ناشطي المقاومة وقادتها وآخرهم اغتيال الشيخ أحمد ياسين أراد أن يقول إنه لم يخرج من  القطاع من موقع الضعف بل من موقع القوة، بخلاف الانسحاب العشوائي الكيفي من جنوب لبنان، ولأنه لايريد أن تتكرر مرة أخرى الهزيمة النكراء تحت ضربات المقاومة اللبنانية الباسلة.

●● تخفيف الضغط الدولي على حكومته والخروج من العزلة التي أحيط بها وليظهر نفسه أنه رجل سلام لارجل عدوان.

●● تثبيت أقدام الاحتلال في الضفة الغربية والاحتفاظ بأكبر مساحة ممكنة في المفاوضات المقبلة.

●● رمي الكرة في المرمى الفلسطيني ليختلفوا فيما بينهم حول إدارة القطاع لعله تفتح ثغرات بين القوى الوطنية الفلسطينية يمكن أن تؤدي إلى اقتتال أبناء الوطن الواحد بعد أن كانوا متحدين ضد العدو المشترك.

خطة الفصل

وقد ذكرت صحيفة «هاآرتس» الإسرائيلية أن الرسائل التي جرى تبادلها مع الإدارة الأمريكية سيعلن فيها شارون أنه سيعرض خطة «الفصل» على حكومته وعلى الكنيست للمصادقة عليها وهي تشمل الانسحاب من قطاع غزة من طرف واحد وأربع مستوطنات في الضفة الغربية وسيعلن التزامه المبدئي بخارطة الطريق ورؤية بوش، وسيؤكد ـ حسب قول الصحيفة ـ أن الجدار هو «مجرد وسيلة مؤقتة» فقط!

تعهدات بوش

وبالمقابل سيعلن بوش في الرسالة الأمريكية:

1. تعهده بدعم خارطة الطريق وسيعد بعدم تأييد أي خطة بديلة.

2. لن يكون هناك تقدم سياسي قبل أن يعالج الفلسطينيون أمر «الإرهاب»، أي القضاء على منظمات المقاومة الوطنية الفلسطينية. وهذا الطلب يلتقي مع مطلب السلطة الفلسطينية والقيادة المصرية والأردنية ومع المشروع الأمريكي التونسي المقدم للقمة العربية حول الشرق الأوسط الكبير الذي يجمع «العاصي، والطايع» في سلة واحدة، أي لا يميز بين المقاومة المشروعة للاحتلال وبين من يعمل للخراب والدمار.

3. كما أن بوش سيعد في رسالته بعدم مطالبة إسرائيل بالانسحاب إلى خطوط 4 حزيران 1967.

4. وسيشير بوش في رسالته إلى عودة اللاجئين، لا إلى وطنهم وديارهم، بل إلى الدولة الفلسطينية المنقوصة أرضاً ومساحة وسكاناً في المستقبل.

5. وفي هذا الإطار ستشكل خطة الفصل، المرحلة الأولى من استئناف المفاوضات حين «تستغل» القيادة الفلسطينية الحالية من جانبها، الانسحاب الإسرائيلي من القطاع للشروع في مكافحة «الإرهاب»!!، وياللخجل، ومنظماته، إكراماً لعيون بوش وشارون وحسني مبارك وعبدالله الثاني ومن لف لفهم من أعداء الشعب الفلسطيني والمتآمرين عليه.

حذار حذار من الاختلاف والاقتتال

 

هذا ما يجري طبخه لقضية الشعب الفلسطيني في مطابخ الإمبرياليين والصهاينة والرجعية العربية، وخصوصاً ثوابته الوطنية التي تتمثل بالانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية إلى حدود 4 حزيران 1967، وإلغاء جميع المستوطنات التي بنيت خلال الاحتلال وعودة اللاجئين إلى وطنهم وديارهم، وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، وهذا يقتضي الحذر واليقظة تجاه مكائد أعداء الشعب الفلسطيني والرد عليها بتقوية التحالف بين القوى الفلسطينية بدون استثناء والاتفاق على برنامج مشترك وخطة موحدة لتحقيق الأهداف المشتركة وإلا فسيجد الشعب الفلسطيني نفسه قد خسر كل ما قدمه من تضحيات في سبيلها وسيصبح كريشة في مهب الريح..