اسبانيا... مصرفيون يديرون عمليات الارهاب!

وحذر لاروش إدارة بوش «أن لا تطلق أية حملات مجنونة حول أحداث مدريد» وأن «تقوم عوضا عن ذلك بالنظر والبحث عن المعلومات الاستخبارية الحقيقية». واقترح لاروش أن يتم النظر إلى «الأصدقاء الدوليين لحفيدة موسوليني» قاصدا بذلك الشبكات الإرهابية من الفاشيين الجدد في إيطاليا وإسبانيا وأمريكا اللاتينية التي كانت تدير عمليات «الإرهاب الأعمى» و«استراتيجية التوتر» منذ أواخر الستينات وحتى بداية الثمانينات في إيطاليا.

كما أشار لاروش إلى التحذير الذي أصدره في أغسطس عام 2003 بعد أن قام نائب الرئيس ديك تشيني بإصدار تصريحات أشار فيها إلى تهديدات إرهابية جديدة ضد الولايات المتحدة. قال لاروش: «ذكرت حينها أنه من الضروري جدا مراقبة الجانب الناطق بالإسبانية من منظومة السيناركية العالمية»، التي تمثلها مجموعة الفاشي الإسباني بلاس بينار (Blas Pinar) المسماة «القوة الجديدة» (Fuerza Nueva). هذه الشبكات تم إحياؤها مجددا بالتوازي مع جهود صامويل هنتجتون في إشعال «صراع حضارات» جديد يهدف إلى استفزاز وخلق مواجهة بين الولايات المتحدة والشعوب الناطقة بالإسبانية في أمريكا الجنوبية وشبه الجزيرة الايبيرية. 

كما حدد لاروش السياق الذي ارتكبت فيه هذه الجرائم، وهو أن النظام المالي العالمي على وشك أن ينحل. خطورة الوضع المالي هذه تعترف بها حتى المؤسسات الرسمية مثل بنك التسوية العالمي. إن الانهيار النظامي تم تفاديه لحد الآن فقط عن طريق «إغراق النظام بالنقود»، لكن هذا لا يمكن أن يستمر. إن الإرهاب يتم استخدامه الآن بغرض ابتزاز الشعوب وإجبارها على القبول بإجراءات دولة البوليس على الصعيد السياسي والقبول بسياسات التقشف الاقتصادي على غرار تلك وضعها وزير مالية هتلر يالمار شاخت في عام 1933. وأضاف لاروش «لهذا فإنك عندمـــا تنظر إلى شبكات الإرهاب، عن ماذا تبحث؟ ستجد مصرفيين هم وراء الفاعلين الحقيقيين الذين يديرون عمليات الإرهاب.» 

وقد استبعد عدد من الخبراء الاستخباريين الذين تشاورت إكزكتف إنتلجنس ريفيو معهم أي دور لمنظمات إرهابية إسلامية أو منظمة إيتا الانفصالية في التفجيرات، بالرغم من وجود احتمال أن عناصر من هذه المجموعات قد تم استخدامها كأدوات في هذه العمليات. إن طبيعة هذا «الإرهاب الأعمى» تنم عن بنية تنظيمية عالية المستوى التي تملك القدرات على توفير الاختراقات الأمنية لتمكين الإرهابيين من النفاذ من خلالها وتنفيذ عملياتهم. 

وقد أيد أحد أبرز خبراء مكافحة الإرهاب الفرنسيين مقارنة لاروش لأحداث مدريد مع «استراتيجية التوتر» التي اتبعت في إيطاليا في السبعينات والثمانينات. القاضي الفرنسي جان لوي بروجيير (Jean-Louis Bruguieres) المختص في مكافحة الإرهاب أدلى بحديث صحفي مع صحيفة «ذي سكوتسمان اون صانداي» ذكّر فيه أن الهجمات المتتالية على القطارات التي انتهت بتفجير محطة قطار بولونيا في عام 1980 كان قد تم تنفيذها من قبل جماعات «فاشية جديدة» ومنها مجموعة «أوردينو نوفو» (Ordini Nouvo) ، لكن التهمة ألقيت أول الأمر على جماعات يسارية راديكالية. إن أصول هذه الجماعات الفاشية الجديدة تعود إلى الشبكات النازية (السيناركية) مثل «الأوركسترا السوداء» (Black Orchestra) المرتبطة بأجهزة المخابرات الأنجلوأمريكية التي أصبحت هي التي تقود الإرهاب النازي الجديد. استراتيجيتهم سطرت في وثيقة مكتوبة تقول: «في رأينا، خطوتنا الأولى هي تدمير بنية الدولة الديمقراطية تحت غطاء نشاطات شيوعية». أخبر بروجيير صحيفة ذي سكوتسمان: «هنالك شبه فظيع يخص هذه الجملة اليوم». 

كما قام خبير آخر هو كنوت ميلينتين (Knut Mellinthin) بنفي مصداقية رواية «القاعدة وإيتا» وذلك في صحيفة «يونجه فيلت» الألمانية اليسارية. واقترح ميلينتين مراجعة «استراتيجية التوتر» التي أرهبت إيطاليا في السابق مشيرا إلى التشابهات بين جريمة مدريد والتفجير في ميدان بيــازا فونتــانــا التــي قتــلـت 17 شخــصا وجرحت 85 آخرين في ميلانو الإيطاليــة عـــام 1969 والتفجير في قطار إيتاليكوس عام 1974 الذي راح ضحيته 12 شخصا وجرح 50، بالإضافة إلى تفجير محطـــة قطار بولونيا في عام 1980 الذي قتل فيه 85 شخصا وجرح 200. كل تلك الجرائم تم ارتكابها من قبل خلايات فاشية جديدة مرتبطة بدوائر عسكرية وبوليسية وأمنية إيطالية وأيضا مرتبطة بدوائر في حلف الناتو والمخابرات الأمريكية. وقد برزت كل تلك الحقائق في محاكمات تمت لاحقا وفي نهاية التسعينات حيث اعترف عدد من الأفراد الضالعين في تلك العمليات بحقيقة أن تلك العمليات لم تكن من فعل جماعات يسارية بل من فعل جماعات يمينية. كان الهدف في إيطاليا هو منع وجود تحالف قومي بين اليمين واليسار، إي حزب اليمين المسيحي الديمقراطي والحزب الشيوعي. وعندما حاول رئيس الوزراء الدو مورو المسيحي الديمقراطي مخالفة لعبة الحرب الباردة القذرة ومخالفة أوامر هنري كيسنجر في عدم محاولة إدخال الحزب الشيوعي في حكومة تحالف وطني، تم اختطافه من قبل ما قيل حينه أنها «الألوية الحمراء» اليسارية وتم قتله فيما بعد. المهم في القضية هي أن جميع ضباط الشرطة المسؤولين عن البحث عن مورو وإنقاذه أفشلوا جميع تلك المحاولات. وقد عرف فيما بعد أن جميع هؤلاء كانوا أعضاء في محفل «بي 2» الماسوني الذي كان يعمل مع المخابرات الأمريكية والناتو. 

«إن ما على المرء أن يخشاه أن تكون الهجمات على القطارات في مدريد هي استراتيجية مشابهة لاستراتيجية السبعينات والثمانينات، وأن هجمات جديدة من نفس النوع ضد التجمعات المدنية العادية في القطارات أو الأسواق وغيرها قد تحدث في دول أوربية أخرى.» 

إن القوى المالية والمصرفية (السيناركية) الذي وضعت هتلر وموسوليني في سدة الحكم ثم خرجت من الحرب العالمية الثانية دون أضرار تذكر لتسيطر من جديد على مجرى السياسات الغربية، هي ذاتها اليوم التي تريد السيطرة على مقدرات الشعوب الغربية بواسطة فرض دكتاتورية سياسية واقتصادية للمحافظة على مواقع قوتها العتيدة. إنها تسير قوى اليمين وغيرها من وراء الكواليس لخدمة أغراضها. وأحيانا تظهر بعباءة تحت مسمى آخر حسب ما يناسب استراتيجيتها لخلق حالة توتر وهلع بين شعوب أوربا والولايات المتحدة، لتسلم هذه الشعوب طواعية حقوقها تحت ضغط الإرهاب لأنظمة دكتاتورية.