ماذا وراء الانسحاب الإسرائيلي من غزة

بعد ثلاث سنوات على وجود شارون في رئاسة الوزراء الإسرائيلي، أعلن أنه كلف مستشاريه دراسة إخلاء 17 مســتوطـنة، من 21 مســتوطـنة فــي قطاع غزة يقطنها 7500 مستوطن.

وبصرف النظر عن مصير مشروع إخلاء المستوطنات والانسحاب العسكري الكامل من هذا القطاع، فإن طرح الفكرة من قبل شارون يؤكد إخفاقه في تركيع الشعب الفلسطيني وتتضمن اعترافاً بأن جميع المحاولات التي بذلت والوسائل العسكرية التي استخدمت لكسر شوكة هذا الشعب وإجباره على الركوع قد ذهبت أدراج الرياح، بل أكثر من ذلك فإن سياسته هذا قد عزلته عالمياً، وأثارت البلبلة داخلياً.

وإذا كان مشروع شارون لا يمثل أرضية صالحة للاتفاق مع الفلسطينيين، رغم تهافت سلطة الحكم الذاتي، وقبولها بهذا الحل الأعرج والناقص، وصرف الأنظار عن قضايا الحل النهائي الذي يجب أن يؤدي إلى انسحاب قوات الاحتلال من الأراضي التي احتلتها إسرائيل منذ عام 1967، وعودة اللاجئين إلى وطنهم وديارهم، وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، فإن هذه القيادة لم تأخذ درساً من اتفاقية أوسلو المشؤومة التي فرطت بالقضايا الأساسية وتمسكت بالمسائل الفرعية. وإن التعاطي مع مسألة كهذه رجس من عمل الشيطان يرقى إلى مستوى الخيانة الوطنية وخيانة لجميع التضحيات التي قدمت على مذبح الحرية والاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية.

إن العودة إلى أسلوب التفريط بحقوق الشعب الفلسطيني والقبول بالحلول الجزئية لن تجلب أكاليل الغار لأحد، والتهافت على العمل لإجراء لقاء مع جلاد الشعب الفلسطيني شارون لن يثمر شيئاً.

ماذا وراء لعبة شارون؟

فهل إعلان شارون نيته بتفكيك المستعمرات الإسرائيلية في قطاع غزة وإخلاءها من قاطنيها يأتي في إطار سياسة التضليل التي يتقنها أم أن هناك أهدافاً أخرى لم يكشف عنها وغائبة عن ذهن المراقبين؟

إن شارون لم يكن رجل سلام، ولن يكون. فسجله الإجرامي بما فيها الفترة الأخيرة التي حكم فيها إسرائيل، وعدوانه المستمر على الشعب الفلسطيني وسعيه للقضاء على هذا الشعب، وحتى العمل على طرده من أرضه ووطنه، أكبر دليل على ذلك، إنه يريد أن يضرب عدة عصافير بحجر واحد:

1. لقد كانت غزة قبل أوسلو جحيمــاً لا يطاق بالنسبة للإسرائيليين وظلت كذلك بعد أوسلو وفي ظل حكومة شارون وقد ثبت له استحالة تطويع أهالي غزة والقضاء على مقاومتهم الباسلة ولذلك فإن الانسحاب منه نجاة من هذا الجحيم.

2. الظهور أمام الرأي العام العالمي بأنه داعية سلام، وأنه أقدم على «تنازلات أليمة» وعلى الفلسطينيين أن يقابلوا «كرمه» بتنازلات أشد إيلاماً وهو يعلم حق العلم أن القيادة الفلسطينية الرسمية كانت دائماً على استعداد لتقديم التنازلات.

3. ومن أجل إطلاق عمليات الاستيطان في الضفة الغربية مقابل المستعمرات التي ستخلى في قطاع غزة.

4. وأخــطر هــذه الأهــداف وأهمهــا هــو تحويل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلى صراع فلسطيني ـ فلسطيني وتأجيج الخلافات إلى درجة الاقتتال فيما بينهم.

وكانت السلطة الفلسطينية قد سارعت على لسان جبريل الرجوب مستشار عرفات إلى الإعلان بأن السلطة لن تسمح لحركة حماس بأن «تستولي» على قطاع غزة وتسيطر عليه في حال انسحبت إسرائيل منه، وقال: سنقاتلهم وسنمنعهم من الاستيلاء على القطاع، وأضاف: إن حماس لن تتمكن من السيطرة على غزة.

وقد ردت حماس على هذه التصريحات، وحذرت من اقتتال داخلي في حال تنفيذ إسرائيل انسحابها من قطاع غزة، وشددت على أنها لن تكون طرفاً في أي اقتتال من هذا النوع.

وقال محمود الزهار: أحد قادة حماس إن حركته متخوفة من المرحلة المقبلة لأنها مرحلة ضبابية، ولاسيما أن مقترحات شارون تجد استجابة من الجانب الفلسطيني الرسمي بطريقة عشوائية، وقال سعيد صيام عضو القيادة السياسية لحماس بأن قيام إسرائيل بالانسحاب من أراض فلسطينية بقطاع غزة لا يعني انتهاء الاحتلال وبالتالي لا يعني توقف المقاومة.

إن هذه الأحابيل السياسية يجب أن لا تمر على القوى الفلسطينية وفي مقدمتها حماس والتي أعلنت بأنه ليس لديها أية نية في إملاء الفراغ وحدها، وليس في جعبتها أي مخطط لتأجيج الصراع الداخلي لأن الخروج من قطاع غزة لا يعني أن الاحتلال انتهى وأن النضال قد توقف، وأن ثوابت الشعب الفلسطيني قد تحققت، فالنضال طويل، وتحالف القوى الفلسطينية على أساس برنامج مشترك واحد والقتال يداً بيد هو الكفيل باسترداد حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة.

 

■ وحيد الشامي