صندوق النقد الدولي في مصر..فاجتنبوه !!

دخلت مصر الثورة مرحلة جديدة، فبعد طي الصفحة الأولى والتخلص من عصابة مبارك والتي كانت تمثل واجهة النظام لا أكثر، يبدو أن النظام لم يتغير .
 إن المتابعة وفقا لأجهزة الإعلام تعطي صورة محددة عن التغيير وطبيعته المطلوبة، فالقراءة العامة التي تروج لها وسائل الإعلام لا تشكك بمنجزات التغيير، بقدر ماتشك بالمجلس العسكري. تقدم الصورة إعلامياً على أن المشكلة هي بقاء السلطة بيد المجلس العسكري أو في استمرار المشير طنطاوي الصديق السابق لمبارك.
توضح القراءة المتأنية للواقع المصري الأبعاد الجوهرية للأزمة المصرية، فالنظام السابق/ الحالي ليس نظام مبارك، إن مبارك أحد حماة النظام الذي غيره السادات. وقع السادات اتفاقية كامب ديفيد والتي كان من المستحيل أن تصل إليها مصر لو لم يتم تغيير نظام عبد الناصر.

يتذكر الجميع عمالة السادات من خلال معاهدة السلام، لكن قلة هم  من يتساءلون كيف تجرع المصريون هذه العملية.
 تكمن الحقيقة في الإجراءات التي رهنت مصر قبل عملية السلام وبعدها، بالمعنى العريض إن الأنظمة لايمكن أن تكون تابعة سياسيا مالم تكن تابعة اقتصاديا. أمنت معاهدة كامب ديفيد هذه التبعية عبر نموذج مصر الاقتصادي، حيث اشترطت المعاهدة على مصر نموذجا تنمويا ليبراليا يصفي دور الدولة الاقتصادي وصولا إلى تصفيته السياسية. أمن ذلك السادات من خلال تصفيته للصناعة المصرية التي كانت قد وصلت إلى حد تجميع طائرات «الميغ» الروسية، ولضمان عدم النهوض من جديد فُرض على الحكومات المتعاقبة القروض الأمريكية وتمويل الجيش الذي كان يملك المصانع قبل خصخصتها وبيعها. هكذا فقط أمن الكيان الصهيوني عمالة نظام مبارك خلال 30 عاما وتخلف مصر الاقتصادي والانكفاء عن دورها السياسي الوطني .
صفع السقوط المدوي لمبارك وجه الأمريكيين واسرائيل، وكان التوصيف الأولي عند البعض هو سقوط نظام كامب ديفيد، لكن الحقيقة هي سقوط سدنة هذا النظام، إن النظام الذي بُني على إضعاف الدولة المصرية وقدراتها الاقتصادية وارتهانها للخارج عبر القروض المشروطة، لا يمكن أن يسقط إلا بتحقيق ثورة عميقة في بنية النظام الاقتصادي الاجتماعي وهو ما لم يتوضح فعليا حتى اللحظة.
يلوح بالأفق اليوم وفد صندوق النقد الدولي، وهو نذير الشؤم الذي رفضه المجلس العسكري العام الفائت، وكان وقتها مؤشراً على تحرك واشنطن السريع لمنع المصريين من الإفلات من قبضتهم الاقتصادية وبالتالي عدم قدرتهم على التحكم بمدى التغير السياسي، كان المطلوب من ذلك منع المصريين من البحث عن البدائل الجدية المتمثلة بأموال الفاسدين وإعادة توزيع الثروة من أيدي الناهبين الكبار إلى أيدي الشعب المصري والبحث عن نموذج التنمية الذي يؤمن استقلال مصر السياسي.
إن عودة وفد صندوق النقد اليوم محملا ب 3،2 مليار دولار كقرض لا يعلم أحد حتى اللحظة ماضرورته . إن سعي وفد الصندوق إلى ترتيب توافقات لهذا القرض ليس مع حكومة الجنزوري فحسب بل مع مجلس الإخوان وربما المجلس العسكري، يوحي بأن عملية الإقراض هي رشوة طويلة الأجل تؤمن صفقة سياسية ما.
فهل المطلوب هو رأس الثورة المصرية عبر طلقة القرض الدولي، وهل ستؤمن مدخل التبعية اللاحق لهذا النظام في حال تم قبوله، وهو مؤشر على مستقبل النظام الجديد ومستقبل الثورة المصرية وبالتالي مصير الشعب المصري في التحرر.