دراسة :بصدد العوامل التي يمكن أن تقوض أمن الصين ومستقبلها

 *الجزء الأول/ تنشر «قاسيون» الجزء الأول من دراسة ماركسية للتطورات الحديثة في جمهورية الصين الشعبية، التي تشكل خطراً يهدد الصفة الاشتراكية للمجتمع الصيني، تحت عنوان: «كيف نسهر على استمرار الاشتراكية خلال السنوات العشر القادمة»!!..

إن المقالة الواردة أدناه، صينية الأصل مجهولة الكاتب، وزعت بسعة ودرست ونوقشت، في الصين ـ بما فيها الحزب الشيوعي الصيني كله وفي الخارج.عبر الإنترنت.

إذا أردنا استخلاص العبر من أحداث عام 1989، وتجنب ما حصل في بلدان أوربا الشرقية والاتحاد السوفياتي، حيث أطيح بالسلطة السياسية للبروليتاريا، فسيتوجب علينا تحليل ودراسة كل العوامل التي تمس أمن الدولة في الصين تحليلاً دقيقاً.

يقتصر هذا المقال على الحديث عن العوامل المتعلقة بالاقتصاد الوطني، والسياسة، والثقافة، أي العوامل التي يمكنها التأثير على أمن الدولة الصينية بصورة عميقة في خلال الفترة القادمة. كما يتناول المقال نظام الملكية في الصين، والعلاقة بين الطبقات، ومستوى الوعي الاجتماعي، ووضع الحزب الحاكم.

1ـ التغيرات التي طرأت على نظام الملكية

كانت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني قد قررت العمل على إحياء القطاع الاقتصادي المعتمد على الملكية الخاصة ليلعب دوراً فاعلاً ومكملاً للملكية العامة الاشتراكية. وبذلك تراجعت حصة القطاع العام، من حيث القيمة الإجمالية للإنتاج الصناعي، بين عامي 1980 ونهاية حزيران 1994، من 76% إلى 48.3%، أما حصة القطاع الخاص والمشاريع الممولة من الخارج فقد بلغت 13.5% بعد أن كانت لا تتجاوز 0.5%

وتناقص الحجم الإجمالي للمبيعات بالمفرق في القطاع العام 51.4% إلى 41.3%، وهبط في القطاع المشترك من 44.6% إلى 27.9%، بينما ازداد البيع بالمفرق في كل من القطاع الخاص والمشاريع الممولة من الخارج من 0.7% إلى 30.8%.

يعود سبب هذا التراجع في القطاع العام إلى البيع والديون والدمج ونظام الأسهم.

وتشير الأرقام إلى استمرار تراجع في القطاع العام في قطاع الإنتاج الصناعي حتى العام 2000، بحيث لن يشكل أكثر من ثلث القيمة الإجمالية للإنتاج الصناعي، كما أن حجم البيع بالمفرق في القطاع العام لن يشكل أكثر من ثلث القيمة الإجمالية.

كما أن التطور الحالي الذي يشهده القطاع الخاص سيؤدي إلى نمو الإنتاج الاجتماعي، وإلى حدوث توافق بين العرض والطلب، وزيادة في فرص العمل، وإذا تجاوز القطاع الخاص مستوى معيناً، فسيؤدي هذا التجاوز إلى نتائج سلبية تؤثر على طبيعة القاعدة الاجتماعية والاقتصادية في الصين.

إن مشاريع القطاع العام ستواجه مشكلة كبيرة، بسبب إدراج نظام التوزيع وحقوق الملكية عليها. فالدولة لم تعد المالك الوحيد لمثل هذه المشاريع.

لقد كانت بعض الكوادر القيادية تظن أن نمو القطاع الخاص سيلعب دوراً هاماً في تطور الاقتصاد، ولذلك أهملوا القطاع العام وكرسوا كل طاقاتهم وقدراتهم وأموالهم وأسواقهم لتشجيع المشاريع الخاصة والاقتصاد الحر، بشروط تفضيلية، وإجراءات غير هيكلية من أجل تطويره.

ومنذ العام 1992، بلغت نسبة خسارة رؤوس الأموال العامة 500 مليار يوان، أي 50 مليار يوان بالعام الواحد، أي 100 مليون يوان في اليوم، وتعتبر رؤوس الأموال العامة التي انتقلت من القطاع العام إلى القطاع الخاص السبب المباشر لبداية تراكم رأس المال بيد البورجوازية الجديدة. أي بإمكاننا القول إن البورجوازية الجديدة نمت على حساب عمل الشعب الصيني في خلال السنوات الأربعين الماضية.

إن القطاع الخاص سيلعب دوراً إيجابياً في المرحلة الراهنة، ولذلك يجب أن يستمر ويتطور، ولكن المشكلة الأساسية لا تكمن في معرفة ما إذا كان القطاع الخاص يجب أن ينمو أم لا، بل تكمن في ضرورة مراقبة مدى هذا التطور، بحيث يبقى مقتصراً على كونه قطاعاً رديفاً للقطاع العام ومكملاً له، لأن هيمنة القطاع العام على باقي القطاعات الاقتصادية وإبقاء دوره الفعال في الاقتصاد الوطني يعد من العوامل التي تحدد فيما إذا كان الاقتصاد الصيني اقتصاداً اشتراكياً أم لا.

إن القطاع العام يعتبر الدعامة الاقتصادية لسلطة البروليتاريا السياسية. فهو ليس المصدر الرئيسي لدخل العاملين في الصناعة الصينية فقط بل هو يشكل أيضاً المصدر الأساسي لدخل الصين. لذلك فإن أي انخفاض في مساهمة القطاع العام وكل تقلص بحجم الملكية الاجتماعية سيضعف حتماً موقع الحزب القيادي وسلطة الحكومة المركزية وقدرة الدولة على حل التناقضات والمشكلات، بل أكثر من ذلك، فإن ذلك سيهدد بزعزعة سلطة البروليتاريا.

إن ظهور القطاع الخاص من جديد سيستخدم أيضاً كقاعدة دعم سياسية لمطالب البورجوازية السياسية. تاريخياً بناءً على مبدأ «لا ضرائب دون تمثيل» انتصرت البورجوازية الأوروبية على الإقطاعية في استلام السلطة. فالبورجوازية الصاعدة تقترح فرض «ضرائب حتى تتمكن الحكومة من تأمين الأرزاق العامة غير المتوفرة في السوق، مثل النظام القضائي، النظام العام، الدفاع الوطني والديمقراطية».

وأكثر من ذلك، فقد كان إنتاج 80000 مشروع مرتبط برأس المال الأجنبي يشكل 30% من الإنتاج الوطني في الصين في عام 1993، كما ارتفع حجم صادرات وواردات هذه المشروعات إلى 34.4% من حجم الصادرات والواردات العامة. كما تنمو مساهمة هذه المشروعات بصورة سريعة. صحيح إن إسهام رؤوس الأموال الأجنبية يساعد في نمو الاقتصاد الصيني، ولكنه بالمقابل جعل الصين أكثر تبعية لدول أخرى.

فإذا ما احتدم صراع مع دول أخرى، فإن أمن الصين سيصبح مهدداً تهديداً مباشراً.

2 ـ التغيرات التي طرأت على العلاقة بين الطبقات

في حزيران 1994 بلغ عدد المقاولين الخاصين أكثر من 348 ألف مقاول يستخدمون خمسة ملايين شخص في المشاريع الخاصة التي كانت تمتلك رأسمالاً أكثر من 104.1 مليار يوان، وكل مشروع لديه. بشكل وسطي 14.2 عاملاً ورأسمال قدره 317 ألف يوان ووجد في بعض المناطق عدد قليل من المليونيرية والمليارديرية. في بعض المناطق الساحلية، كانت المشاريع الخاصة تستخدم أكثر من 1000 عامل، وجاء في إحصائية أجراها مكتب الأبحاث في مجلس الدولة أن عدد المقاولين الخاصين هو أكثر من ضعف العدد المعلن.

في الفترة الأولى من قيام جمهورية الصين الشعبية كان المعيار المعمول به للمقاولين الخاصين على النحو التالي: امتلاك رأسمال يقدر بـ 2000 يوان وثلاثة عمال للمصانع وشخصين للمنشآت التجارية، وقبل الخمسينات لم يكن في الصين أكثر من 160 ألف مقاولٍ خاص.

بشكل عام كان مقبولاً وجود بورجوازية وطنية في الصين، قبل عام 1955.

وإذا ما قورن الوضع الحالي بذلك الوضع الذي كان قائماً قبل ذاك.. فإننا نجد أن عدد المقاولين الخاصين في الصين في الوقت الراهن يتجاوز كثيراً العدد الذي كان قبل 1955، سواء من حيث العدد أو القدرة. إذن بإمكاننا القول إن بورجوازية جديدة غير حاكمة قد برزت على الصعيد الاقتصادي.وعلى أية حال فإن الأمر يتعلق هنا بطبقة بحد ذاتها..

في أيلول 1994 كان عدد المالكين الخاصين في التجارة والصناعة 20.15 مليوناً يمثلون نسبة 34.38 مليوناً من الأشخاص وبرأسمال يقدر بـ114.76مليار يوان. وعلى هذا النحو تكونت مع تطور القطاع الخاص طبقة صغيرة من البورجوازية أي طبقة من المقاولين الخاصين. ومع تطور القطاع الخاص، ورأس المال الأجنبي والاقتصاد الفردي، سينمو العدد والنفوذ الاقتصادي للطبقة البورجوازية غير الحاكمة وللبرجوازية الصغيرة. وهكذا وجدت نواة للبورجوازية البيروقراطية والبورجوازية الكمبرادورية(4).

في المشاريع الخاصة (بما فيها المشاريع الممولة من الخارج) نجد أن العمال من جديد مُضطَهَدون ومظلومون من قبل أرباب العمل؛ حتى أن العديد منهم بدأوا يشكّون في الوضع الطليعي للطبقة العاملة وفي التوجه الاشتراكي للدولة. فضلاً عن أن عدداً كبيراً منهم ترك الحزب الشيوعي. وشيئاً فشيئاً أخذ المقاولون اليوم يطرحون مطالب سياسية فردية بغية حماية مصالحهم الاقتصادية. وحالياً يوجد أكثر من 5401 مقاولاً انتخبهم الشعب، وحوالي 8558 مقاولاً أعضاء في المؤتمر السياسي الاستشاري في الصين، وحوالي 1357 مقاولاً أعضاء في رابطة الشباب و1430 مقاولاً أعضاء في الاتحاد النسائي، بمستوى أعلى من المستوى الإقليمي.

في عام 1988 أعلن أكثر من 20 مقاولاً «في فوجيان في شي» لابد لنا من دعم الشخصيات السياسية التي تستطيع تمثيلنا في الانتخابات واتفقوا على تقديم مرشحين مشتركين للانتخابات البلدية. في «زهي جيانغ» صرح أحد المقاولين علناً أنه مستعد لتقديم ألف يوان لأولئك الذين سيصوتون لصالحه. وفعلاً كانت النتيجة فوزه بالانتخابات. كما تمكن حوالي 21.3% من المقاولين في إقليم «هي بي» من دس أعضاء في قاعدة السلطة السياسية ليحتلوا مناصب قيادية، كما اقترح بعض المقاولين السيطرة على الصحف، وأن يكون لهم ناطق رسمي يتحدث باسمهم. والآن توجد ثماني صحف تعكس مباشرة مصالحهم ومطالبهم. ويصر بعض المقاولين وبعض المسؤولين في الشركات على مواصلة الطريق الرأسمالية، ومساعدة البورجوازية الليبرالية على إصدار الصحف والمجلات، وتشكيل منظمات لهم غير حكومية مسماة استشارية للبحوث. وقد توصل المقاولون الخاصون والبورجوازيون الليبراليون إلى الاتفاق فيما بينهم أيديولوجياً.

ومن الواضح أن مثل هذا التحالف سيصعِّد تحول البورجوازية من طبقة قائمة فعلياً إلى طبقة واعية لمصالحها والدفاع عنها.

وإن (رونان) «رجل أعمال فرّ إلى الخارج بعد حادثة 4 حزيران 1989 في تيان إن مين) ممثل البورجوازية في المنفى، وضع النقاط على الحروف قائلاً: «إن معارضة الطبقة المتوسطة الجديدة للحزب الشيوعي الصيني ـ هدفها حماية مصالحها الخاصة (...) من جهة، ومن جهة أخرى، تمقت البورجوازية هذا النظام. ومن جهة ثالثة، تريد التعاون والتنسيق مع الحكومة لكسب المال. وهنا تحديداً تجد مصالحها. فهي تصرف المال والمواد لإفساد الحكومة ولتحدث تحولات سلبية داخل المجتمع (...) ولكي تتطور، يجب عليها الآن أن تستخدم وسائل أخرى، وخاصة المال لتحوك المؤامرات ولتسهيل حركة استفحال البيروقراطية المتفشية في الحزب الشيوعي الصيني«.

فمال البورجوازية هو الذي أفسد الحزب الشيوعي الصيني. وكلما كان النظام فاسداً أصبح تغيير المجتمع أسهل. وعندما أخذت البورجوازية الجديدة بمسك بعض المقاليد الاقتصادية كانت تأمل أن يكون لها الحق في معرفة ومناقشة القضايا السياسية، ومن ثم المشاركة فيها. إنها «مسألة الديمقراطية السياسية». وتوضح هذه الملاحظات بشكل جلي النتائج السياسية لصعود البورجوازية.

وعلى الرغم من أن الحزب الشيوعي الصيني قاد نضالات عظيمة في عدة أماكن في خلال عقد الخمسينات وحتى الثمانينات. فإن هذه النضالات قد جرت بمعزل عن تدخل البورجوازية التي كانت خارج الحزب. وحينذاك لم تكن قيادة الحزب للدولة مهددة مباشرة.

أما اليوم، فإن عودة البورجوازية إلى الظهور قد غير الوضع بشكل جذري. إذ أنّ مصالح البورجوازية تتعارض تعارضاً جذرياً مع دكتاتورية البروليتاريا. وهذا التعارض منعزل عن التعاون أو المواجهة فيما بينهما. إذا كانت البورجوازية تريد أن تجعل من موقعها الاقتصادي المكمل ومن موقعها السياسي التابع موقعاً مهيمناً فإنها بهذه الحال ستتقاسم وحتى تحتكر سلطة دكتاتورية البروليتاريا في الدولة.

وعندما لم تكن الظروف مهيأة للبورجوازية فقد خاضت نضالاً نشيطاً داخل صفوف الحزب، كمهاجمة الإصلاحيين الذين اختاروا النهج الاشتراكي وأيدت الإصلاحيين الذين اختاروا الطريق الرأسمالي. وعندما سنحت الظروف ونضجت راحت تسعى لتحطيم الحزب الشيوعي حيثما وجدت، وبالتعاون مع البورجوازية العالمية ومساعدتها، واستخدمت بشكل مباشر وصريح الدكتاتورية البورجوازية لإحلالها محل دكتاتورية البروليتاريا. لذلك فإن الشيء الذي يجب علينا أن نأخذه بعين الاعتبار في عملنا السياسي، وأمننا الوطني، في خلال عشر السنوات القادمة هو البورجوازية.

 

* يتبع