تشيكوسلوفاكيا الثورة المضادة.. من «ربيع براغ».. إلى بيع البلاد!!

وقف العالم الغربي بكامله في 20/8/1968 ضد قوات حلف وارسو التي دخلت براغ. واليوم يبدو فيدل كاسترو على حق. فـ (ربيع براغ) كان التجربة الأولى للثورة المضادة التي عمت أوروبا الشرقية بين عامي 1988 ـ 1990.

في العقد السادس من القرن الماضي كان الحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي ملوثاً بالعديد من الأفكار المضادة للشيوعية. كان قادة الحزب ينظرون بعين الرضا إلى عشرين عاماً من البناء الاشتراكي.

من الناحية الاقتصادية كان وضع تشيكوسلوفاكيا جيداً وكانت تعد واحدة من الدول الأكثر نمواً، إلا أن أزمة زراعية حادة بين عامي 1967 ـ 1968 أدت مع ذلك إلى مشاكل جدية. فازداد الاستياء الشعبي، حيث أن علاقات الشيوعيين مع الفلاحين والعمال كانت سيئة، واحتل معادو الثورة مواقع مهمة في الحزب وفي وسائل الإعلام، واستفادوا من الاستياء العام الذي تنامى ليقوموا بنشر سمهم الرأسمالي بشكل أوسع، من خلال الدعوة إلى إلغاء دور الحزب الشيوعي ودكتاتورية البروليتارية ودوره المدافع عن الطبقة العاملة. وفي 20/ 8/ 1968 دخلت قوات حلف وارسو إلى العاصمة براغ لمنع قوى الثورة المضادة من توجيه ضربتهم وإسقاط النظام الاشتراكي.

كان هذا في عام 1968، حيث استفاد أعداء الثورة من المشاكل الاقتصادية. وفي عام 1989، كان الشعار «يجب القيام بإصلاحات اقتصادية» ولكن الرأسمالية لا تعرف إلا إصلاحاً من نوع واحد هو الذي يقود إلى دكتاتورية السوق، وهذا ما نرى نتائجه في تشيكوسلوفاكيا من خلال المقابلة التالية مع البروفسور يارومير فاسكو من الحزب الشيوعي لمنطقة بوهيميا ومورافيا في جمهورية التشيك:

«فاتشيلاف هافل باع بلدنا إلى الشركات المتعددة الجنسية الأجنبية...»

* لقد حصل حزبكم على نتائج جيدة في الانتخابات الأخيرة...

** لقد حصل الحزب الشيوعي في منطقة بوهيميا ومورافيا على 11% في خلال الانتخابات البرلمانية التي جرت في يومي 19 و 20 من شهر حزيران الماضي. وهذا يعني الحصول على 659000 صوت. وهذا يمثل تطوراً بنسبة 0.7% مقارنة بانتخابات عام 1996. وعلى الرغم من أن الحزب مقصى عن وسائل الإعلام، كما أنه مطارد بشكل حقيقي من قبل مشعوذي معاداة الشيوعية الذين يذكرون بالمكارثيين في الولايات المتحدة في خلال الخمسينات.ففي قطاع الصحة مثلاً، تم تسريح 7% من الشيوعيين الذين يحتلون مناصب إدارية. وفي برنو وحدها هناك 2000 إلى 5000 شخص يشاركون في اجتماعات الشيوعيين بالرغم من خطر أن يتم تصويرهم فوتوغرافياً أو بالفيديو للعمل على تسريحهم فيما بعد.

* ما هي آثار العودة إلى الرأسمالية التي يعاني منها العمال في حياتهم؟

> > إن متوسط راتب العامل التشيكي يتراوح ما بين 10000 ـ 12000 كورون تشيكي (12000 ـ 15000) فرنك بلجيكي. في حين أن ثمن التلفزيون 12000 كورون تشيكي، وأرخص سيارة يبلغ ثمنها 209000 كورون تشيكي. أما الإيجارات فقد تضاعفت عشر مرات منذ عام 1989، ومشكلة السكن تتفاقم أكثر فأكثر. كانت السلطة الاشتراكية تقوم ببناء 75000 وحدة سكنية كل عام، وفي هذه الأيام لا يتم بناء أكثر من 5000 وحدة. في حين أن كلفة شراء منزل صغير تصل إلى مليون كورون تشيكي. ويزداد الوضع سوءاً بالنسبة للعمال، فقد استنفدوا كل مدخراتهم في خلال السنوات التسع الأخيرة، وهم الآن لا يستطيعون شراء غسالة أو سيارة.

* والبطالة...؟

** بلغت نسبة البطالة في مورافيا 12%، وفقد العديد من العمال خبراتهم المكتسبة. أيام النظام الاشتراكي كان الرجال يتقاعدون في سن الـ 57 عاماً، أما اليوم فقد ارتفع سن التقاعد إلى 65 عاماً. وبالنسبة للنساء ارتفع سن التقاعد من 56 إلى 62 عاماً. وفي خلال السنوات الأخيرة ازدادت نسبة الجريمة وتواجه البلاد مشكلات كبيرة فيما يتعلق بالمخدرات من الأنواع الثقيلة. كما أن الشباب قلقون من ظهور (مجموعات حليقي الرؤوس النازيين) الذين زرعوا الرعب في المدن الكبرى ليلاً.

* وهناك أيضاً ظاهرة الهجرة؟

** بعد أن انخفضت الرواتب في أوكرانيا وبولونيا بشكل كبير في خلال السنوات العشر الماضية، هاجر العديد من العمال إلى بلدنا، وأصبحوا بالتالي فريسة سهلة لأرباب العمل الجشعين، الذين يستغلونهم في العمل دون أن يتمتعوا بأي نوع من الضمان. علاوة على أن المافيا الأوكرانية تبتز قسماً كبيراً من رواتبهم.

بعد الثورة المضادة، انقسم بلدنا إلى دولتين، واليوم تريد الحكومة التشيكية تعزيز قواتها على الحدود مع سلوفاكيا للحد من الهجرة والتنقل، وهذا إجراء ينطبق أيضاً على السلوفاكيين. ونحن نعارضه. في الواقع، هناك الكثير من الزيجات المختلطة (تشيك وسلوفاك).

* ما الذي آلت إليه المشكلة الصحية؟

** لقد تفكك القطاع الصحي تفكيكاً كاملاً. قبل عام 1989 كانت الدولة تغطي نفقات كل أنواع المعالجة الطبية، المعالجة بالمياه المعدنية واستراحات النقاهة، كل ذلك كان مجانياً. وفي بعض الأحيان كنا ندفع كوروناً واحداً (1.25 فرنك بلجيكي) بشكل رمزي لبعض الوصفات. أما اليوم فترتفع قيمة الوصفات إلى 500 كورون تشيكي. كل العمليات الجراحية كانت مجانية على حساب الدولة الاشتراكية، حتى تلك التي كانت تجرى خارج البلاد، كل العلاجات السنية كانت مجانية، وعندما كان يستعمل الذهب، كانت الفاتورة تتعلق فقط بوزن الذهب المستعمل في المعالجة.

أما اليوم فإن بعض العمليات الجراحية تكلف 5000 ـ 6000 كورون تشيكي وهذا مخيف، فلتركيب ورك اصطناعي يكلف ما بين 5000 ـ 6000 كورون تشيكي. قبل عام 1989 كانت المستشفيات تمتلك نحو 100000 سرير، واليوم تقلص هذا العدد إلى النصف.

وهناك 300 شركة طبية مختلفة تتحكم بتوزيع الأدوية...إنها الفوضى المطلقة.

* وما هو رد فعل العمال؟

** في خلال الحملة الانتخابية الأخيرة، قام نحو 800000 عامل في القطاع العام بإضراب احتجاجاً على خفض القوة الشرائية. ولكن بعد الحملة المضادة للشيوعية، لم يترجم الإضراب الشعبي إلى أصوات لمصلحة الحزب الشيوعي. لقد تبين للشيوعيين أن الإنجازات التي تحققت في خلال 40 عاماً من الاشتراكية، تم تدميرها تدميراً كلياً من قبل موجة الرأسمالية. فالبرجوازية استعادت ملكية الأراضي والغابات والقصور، ورجال الدين استعادوا ممتلكاتهم التي صودرت منذ أكثر من 200 عام.

والمجموعات الرأسمالية تسيطر على الاقتصاد ولديهم رجال مسخرون ومجهزون بشكل جيد في الحكومة ومجلس الشعب. والآن ألمانيا بعد أن ركزت على يوغسلافيا، توجه أنظارها نحو جمهورية التشيك.

تعليق فيدل كاسترو على تدخل حلف وارسو في تشيكوسلوفاكيا:

في 23 آب 1968، أدلى فيدل كاسترو برأيه حول قوات حلف وارسو في براغ. جاء فيه:

«إن المعسكر الاشتراكي لا يمكن أن يتسامح مع نشوء وضع سياسي يعمل على تفكيك دولة اشتراكية ويدفعها إلى حضن الإمبريالية»..

«إن طريقة المعالجة هذه مأساوية ومؤلمة، ولكن لا بد من التنازل عن سيادة تشيكوسلوفاكيا أمام مصالح أكثر أهمية تتمثل في حقوق الحركات الثورية العالمية ونضال الشعوب ضد الإمبريالية»..

 

أراد كاسترو آنذاك، أن يبين بأن التدخل السوفييتي لا يمثل حلاً نهائياً للمشكلات الجوهرية التي يعاني منها الحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي، أي «أن الأساليب البيروقراطية في إدارة البلاد، وعدم التفاعل مع الجماهير، ـ وهي نقطة أساسية لكل حركة ثورية حقيقية ــ تؤدي إلى القضاء على المثاليات الشيوعية».