«جنيف» بين مشروع المقاومة ومشروع السلطة خمسون صفحة لا تمحو خمسين عاماً من الاحتلال

لم تكد تمر أسابيع قليلة على قيام مجموعة من السياسيين الإسرائيليين والفلسطينيين بالتوقيع بالأحرف الأولى، والتي وقعت فيما بعد، على «اتفاق جنيف» حتى بدأ سيل من مبادرات التسوية ينهمر في كل من لندن ومدريد، ومن حزب العمل، وحزب الليكود، ثم اجتماعات القاهرة، لتبدو ساحة الصراع العربي الإسرائيلي وكأنها تحولت فعلاً من ساحة قتال إلى ساحة مبارزة كلامية، واتضح وكأن شيئاً ما جرى طبخه وراء الكواليس، وسواء جاءت هذه التحركات إيحاء أم اضطراراً فإنها تدل على أن كل الأطراف تبدو راغبة أو مضطرة للحركة في هذا الوقت بالذات.

أسباب هذا التحرك

فما هي أسباب هذا التحرك؟

■ الإدارة الأمريكية أدركت أنها بدأت تغوص في الوحل العراقي، وحكومة شارون فشلت في إخماد الانتفاضة والمقاومة مما عمق أزمة الكيان الصهيوني، لذلك كله كان لابد من الالتفاف على تصاعد المقاومة في العراق وفي فلسطين عبر طروحات لا تغير من جوهر الاحتلال بل تساهم في شق صفوف المقاومة. وفي هذا الإطار يجب النظر إلى مايسمى بـ «وثيقة جنيف» التي، من جهة، يجري اعتبارها وثيقة غير رسمية، ومن جهة أخرى يلتقي كولن باول مهندسي الوثيقة في واشنطن.

وقد رد الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي رمضان شلح بتصريحه للسفير اللبنانية بأن حركته لاتقبل مقايضة المقاومة الفلسطينية بنجاح الرئيس بوش في الانتخابات القادمة. وقال إن الرئيس بوش وبعض الأطراف يريدون من المقاومة  الفلسطينية أن تقدم رأسها هدية كي يحقق بوش النصر على المقاومة العراقية، ويفوز بمنصب الرئاسة.

■ وصلت الحكومة الإسرائيلية إلى يقين بأن الحسم العسكري مع الفلسطينيين غير ممكن إلا بعد الإجهاز على مثلث: المقاومة ـ سورية ـ إيران، وبما أن الشروط لا تتوفر لأي حسم عسكري وكسبه في الوقت الراهن فلا يبقى أمامها إلا التظاهر بالتهدئة والإعلان عن «انسحاب» من الضفة الغربية من طرف واحد، دون تعريف كلمة «انسحاب»، أو تحديد مساحة الانسحاب، وإغفال القضايا الهامة الرئيسية الأخرى، وكل ذلك للتضليل ليس إلا.

■ بدأت السلطة الفلسطينية الرسمية تفكر بالخروج من حالة الجمود التي كبلتها، ولم يعد أمام حكومة قريع إلا أن تحاول بالتعاون مع مصر والأردن، استغلال الوضع الدولي والإقليمي الذي تراه أقل سوءاً مما ساد سابقاً، ومما سيكون فيما بعد، بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وأمامها أشهر قليلة لتحدث اختراقاً ما، وإلا فمصير عملية التسوية، هو الانهيار الكامل والنهائي.

■ أما قوى المعارضة على الساحتين الفلسطينية والإسرائيلية، وخصوصاً حزب العمل الذي طرح مبادرة للتأكيد من جهة على أنه لم يعد رهينة في جيب شارون وتميزه من جهة أخرى في طروحاته، كما بات على فصائل المقاومة الفلسطينية أن تتجاوب مع الضغوط التي تطالبها بالموافقة على هدنة جديدة حتى لاتبدو مسؤولة عن إفشال «الفرصة الأخيرة»!! ولكن دون أن تضطر في الوقت ذاته لقبول «تفاهم جنيف»، ومن أجل ذلك ساندت سلطة الحكم الذاتي اتفاق جنيف ودعمته وارسلت مندوبين من عندها للمشاركة في احتفال التوقيع، وفي الوقت ذاته لبت دعوة  الحكومة المصرية لاجتماع فصائل المقاومة بالقاهرة للاتفاق على هدنة جديدة مدتها عام.

التشكيك بنجاح «المبادرة»

وقد شككت صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية بنجاح وثيقة جنيف واعتبرت أن الصعب آت، لأن خمسين صفحة من النيات الحسنة لا يمكن أن تمحو بغمضة عين الدماء التي سالت على مدى نصف قرن أو أكثر. وقال الكاتب الفرنسي شارل أندرلان إن مبادرة جنيف لن تغير شيئاً على الأرض. فبناء الجدار مستمر والمستوطنات موجودة، كما أن المبادرة تنص على تنازلات من الجانب الفلسطيني يرفضها أغلبية الفلسطينيين مثل التخلي عن حق العودة، والقبول بدولة مجردة من السلاح ومحصورة، كما أنها تتعارض مع سياسة شارون الذي يرفض المفاوضات ويصر على حسم عسكري لن يتحقق لأنه لن يتخلى عن الجدار الفاصل، وسيتابع استكماله، كما أنه ينوي ضم الأراضي التي ستبنى عليها المستوطنات وإن الأمل بالمفاوضات لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأراضي الفلسطينية هو أمل إبليس في الجنة.

أقصر الطرق لضياع الأرض

إن العودة إلى نهج الخطوة خطوة، كما تدعو إليه السلطة الفلسطينية في القاهرة، يعني العودة إلى منهج التفاوض للتفاوض، والذي هو أقرب الطرق لضياع الحقوق، بينما المطلوب هو النضال من أجل الوصول إلى حل شامل يتولى المجتمع الدولي مسؤولية تنفيذه وليس على اتفاق لبدء مفاوضات يعرف مسبقاً أن إسرائيل لاتريد أن تنتهي أبداً.

إن النقاش الذي دار في القاهرة بين ممثلي الفصائل الفلسطينية بإشراف مصر، وما تمخض عنه من نتائج أثبت ضرورة قيام قيادة وطنية فلسطينية موحدة على أرضية الثوابت الوطنية الفلسطينية وفي طليعتها حق العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.. ولايمكن الوصول إلى ذلك إلا بتفعيل خيار المقاومة حتى دحر الاحتلال.

■■

 ■ محرر الشؤون العربية

 عادل الملا

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.