نقل السلطة إلى العراقيين.. مناورة أمريكية مفضوحة

يسود الاعتقاد في مقر حلف الناتو ببروكسل وبين الدوائر الأوروبية، بأن معالجة الرئيس بوش للوضع العراقي دخلت طريقاً مسدودة، وأن قرار العراقيين بفتح جبهة جديدة ضد حلفاء الولايات المتحدة سيمثل كارثة لهم في المستقبل القريب.

لقد ركزت المقاومة العراقية عملياتها، خلال الأشهر الست الأخيرة بشكل رئيسي على القوات الأمريكية. أما الآن فقد باتت تركز على مختلف الجبهات المشاركة في التحالف وكان الهجوم الأخير على الوحدة الإيطالية في الناصرية الشيعية مؤشراً على تحول خطير، ويحمل دلالات قد تكون وخيمة، لا على الولايات المتحدة فحسب بل على دول الاتحاد الأوروبي أيضاً.

وأشار مسؤولون أمريكيون في البنتاغون إلى أن هدف الهجمات  التي تنفذ بدقة، هو عزل الولايات المتحدة عن شركائها الدوليين، لإبقائها وحيدة في الساحة العراقية، تتلقى الضربات المتوالية، وتتكبد الخسائر الفادحة يومياً، ويبقى الأوروبيون أكثر الحلفاء شماتة بحليفتهم واشنطن ويتمنون أن تغرق أكثر فأكثر في الوحل العراقي لأنها رفضت أن تستمع إلى نصائحهم.

كما أن الحملة العشوائية الجديدة التي تشنها القوات الأمريكية على الشعب العراقي، لم تفد في شيء، إلا بزيادة حقد الشعب العراقي على هذه القوات وتصاعد التأييد لقوى المقاومة.

عزلة واشنطن

ومن الدلائل التي تشير إلى عزلة واشنطن:

■ رفض مجلس الأمن والأمم المتحدة إعطاء الصفة الشرعية للاحتلال الأمريكي للعراق.

■ إحجام الدول الأوروبية عن تقديم المساعدات المالية والعسكرية.

■ تردد عدد كبير من الدول في إرسال قوات عسكرية إلى العراق، وكانت تركيا من الدول الهامة التي صرفت النظر نهائياً عن ذلك، وإن أعمال التفجير التي جرت في اسطنبول وذهب ضحيتها عدد كبير من القتلى والجرحى كانت رداً على الموقف التركي وممارسة ضغط شديد على تركيا لتنصاع للأوامر الأمريكية والإسرائيلية.

■ توقف اليابان عن إرسال قوات إلى العراق بعد الضربة الكبرى التي تلقتها القوات الإيطالية.

■ نتائج الاستطلاع الذي أجرته اللجنة الأوروبية التي كشفت عن أن الولايات المتحدة تشكل مصدر التهديد الأساسي للأمن الدولي، ووضعوها في مصاف الدول التي أطلقت عليها الإدارة الأمريكية ، بأنها دول محور الشر كإيران وكوريا الديمقراطية.

■ المظاهرات الكبرى التي جرت في العاصمة البريطانية لندن ضد زيارة بوش الأخيرة، وعبرت الجماهير عن عدائها الشديد للسياسة الأمريكية  الغاشمة وطالبت بانسحاب القوات الأمريكية من العراق.

خديعة نقل السلطة للعراقيين

إن تصاعد المقاومة العراقية ضد قوات الاحتلال وعزلة الولايات المتحدة دولياً، دفعت بوش وحاشيته إلى اللجوء إلى خديعة هدفها انتخابي وهو ماسمي بنقل السلطة إلى العراقيين، ولذلك جرى استدعاء الحاكم الأمريكي للعراق بريمر إلى واشنطن على عجل للتشاور معه، ثم عاد على عجل أيضاً إلى العراق ليعلن عن خطوات لنقل السلطة تدريجياً إلى العراقيين، وليبين أن المبادرة جاءت من المجلس الانتقالي الذي لاحول له ولا قوة، لا من بوش  لاعتبارات انتخابية.

إن خطة إعلان نقل الصلاحيات إلى حكومة عراقية مؤقتة ما هو إلا اعتراف بفشلها في العراق.

إن إدارة واشنطن تواجه تحدياً هو كيفية التوفيق بين السيطرة على الوضع الأمني المتفاقم في العراق والتعجيل بنقل السلطة السيادية ـ شكلاً ـ لهياكل ومجالس عراقية تتمتع بالصدقية في أعين العراقيين وخصوصاً أن بوش وحاكمه بريمر في العراق أكدا أن قواتهما لن تخرج من العراق في زمن قصير، ورتبت واشنطن الأمور بأن أي حكومة عراقية مقبلة سوف تدخل في اتفاق ثنائي مع واشنطن تضمن بقاء قواتها في العراق وبموافقة العراقيين أنفسهم فترة زمنية لا تقل عن عشر سنوات، وسيكون وضعهم كوضع قواتها المتمركزة في الكويت والسعودية وقطر، وفي الخليج عموماً، حيث جاؤوا بالدب إلى كرمهم وأصبحوا عاجزين عن إخراجه من بلدانهم ولكن جميع الدلائل تشير إلى أن العراقيين لن يقبلوا باستقلال منقوص أبداً، وبالتالي فإن الوضع الأمني لن يستتب بل سيزداد سوءاً.

فهل ستنجح واشنطن في خداعها وأحابيلها؟

 

ونجيب بالنفي، إذ أن كل الدلائل تؤكد على أن المقاومة ستتصاعد ما دامت القوات الأمريكية موجودة وإن الطلب الملح الذي له الأولوية في العراق ليس نقل السلطة ظاهرياً، وبقاءها واقعياً بيد الأمريكيين بل المطلوب خروج هذه  القوات من العراق حيث لا يرضى الشعب العراقي عنه بديلاً وهو قادر على حل مشكلاته الداخلية بنفسه وبمساعدة الشرفاء في العالم.