التجار ... خارج الإجماع الوطني !!
بين عنوانين أو ثلاثة يتحدث أحدهما عن الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على الجنوب، وثانيهما عن دعوة أوروبا للجم الانتهاكات الإسرائيلية، وثالثهما عن «المهمة القومية الملحة» الداعي إلى توحيد العمل العربي المشترك وكبح العدوانية الإسرائيلية بعد الحديث عن دور الانحياز الأمريكي في تمادي إسرائيل في عدوانها وغطرستها، طالعتنا صحيفة تشرين في 15 أيار «يوم النكبة» في صفحتها الأولى بإعلان تجاري بارز مخصص لتسمية الشركات والمؤسسات الأمريكية المشاركة في المعرض السوري الدولي للتسويق الصناعي» سيما 2001 الذي أقامته مؤسسة «الوليد» للمعارض برعاية رئيس الوزراء، وافتتحه وزير الاقتصاد السوري يوم 25 أيار.
مما يثير الاستفزاز أكثر هو وجود العلم الأمريكي في ذيل الإعلان الذي تثاءب في الصحيفة التي قد تقول أنها معنية بالجانب الدعائي للإعلان دون أبعاده الأخرى، وبالتالي فإن الحديث هنا غير معني بالصحيفة بالدرجة الأولى.
فإسرائيل تستخدم ترسانة أسلحتها ـ الأمريكية في معظمها ـ في محاولتها قمع الانتفاضة الفلسطينية ومن بينها طائرات ف16 مؤخراً، وفي الوقت ذاته يتجاهل تجارنا ورجال الأعمال كل المشاعر الوطنية وينظمون اللقاءات والمشاورات لتسهيل مشاركة الشركات الأمريكية أو الذين يعملون وكلاء لها أو تحت اسم امتيازها، علماً أن عمل هؤلاء يجري أصلا بطرق تلتف على لوائح مكتب المقاطعة. إذ ليس هناك من وجود قانوني لشيء اسمه وكيل لشركة أمريكية أو امتياز رسمي أمريكي بشكل مباشر حتى تاريخه في سورية، وإنما يتم غالبا عن طريق بلد ثالث وذلك بالاستناد إلى «العلاقة» التي تربط التاجر أو رجل الأعمال المفترض مع «أحدهم» من المتنفذين البرجوازيين البيروقراطيين في جهاز الدولة الذين راكموا ثرواتهم على حساب الدولة والشعب معاً.
وقد يتنطح قائل من التجار، الذين يكيلون تنمية الاقتصاد الوطني بمقدار انتفاخ جيوبهم، إن المعرض بمجمل فعالياته نابع من دوافع اقتصادية محضة تهم مصلحة البلاد وتنميتها، ولكن شعار المقاطعة الذي فعل فعله في 1973 تم إحياؤه وتبنيه ضمن منطق الأولويات في ظروف محددة ويبدو أنه سيبقى حبراً على ورق عند «اصطدامه» بحاجز المصالح الاقتصادية الضيقة لدى «البعض» من غير العابئين بالإجماع الشعبي العربي الداعم للانتفاضة وتضحياتها والذي تبنى شعار المقاطعة وشكل لجاناً من أجلها والذي يبدو أن هذا «البعض» يريده ميتاً لا ضعيفاً فحسب.
فكيف يمكن استخدام سلاح المصالح الاقتصادية في الضغط على إسرائيل وحلفائها؟ بل كيف يمكن لحلفاء إسرائيل وعلى رأسهم الولايات المتحدة أن يتوانوا عن دعم إسرائيل إذا كانوا مطمئنين على حسن سير مصالحهم حتى في أكثر البلدان صلابة ومبدئية سياسية؟ وهل هناك فصل ميكانيكي بين الاقتصاد والسياسة؟ فمن يحاول اختلاق هذا الفصل والترويج له ولمصلحة من؟ ومن هم أصحاب المصلحة الحقيقية في القضية الوطنية والمستعدين للدفاع عنها غير الشرائح الشعبية بالنتيجة.
إن اللافت في الأمر أخيرا ليس أن الإعلان الرسمي عن المشاركة الأمريكية فيه يعد سابقة في وسائل الإعلام والإعلان السورية ولكن إذا كان المعرض مختصاً بالتسويق الصناعي فما علاقة Embassy of The United States of America أي سفارة الولايات المتحدة الأمريكية بهذه الفعالية «الاقتصادية المحضة«؟