عن اللعبة الجديدة: الصين أم روسيا؟

عن اللعبة الجديدة: الصين أم روسيا؟

خلافاً للطروحات والمقالات المروَّج لها إعلامياً بكثافة هذه الأيام، حول أن العقبات بين موسكو وواشنطن أبعد وأصعب من أن يجري حلّها أو التوافق حولها، يبرز رأي معاكس متسرّع، يعتبر أن موضوع التوافق الروسي الأمريكي قد بات وراءنا (بربطٍ ميكانيكي مع وصول دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة الأمريكية)، وأن العمل الأمريكي يتركز حالياً حول «العدو الرئيسي»: الصين.

 

تزخر الصحف الغربية، ودوريات التحليل في الشؤون الاستراتيجية، بمثل هذه النظرة. إذ يجري العمل على موضوع التوجه الأمريكي العدواني نحو الصين، وكأنه مستند أساساً إلى «الكلام الظريف» الذي يبديه ترامب إزاء روسيا وقيادتها، أي أن ذلك هو عزفٌ مكرور على النغمة ذاتها: نغمة تحييد روسيا، وضرب الصين.

«ترامب حامياً للمصالح المحلية»

يبدي المرشح الرئاسي الأمريكي، دونالد ترامب، «موقفاً متشدداً» من التبادل التجاري مع الصين، ما قد يؤدي إلى توتر في العلاقات بين دولتين كبيرتين في العالم. وفي الوقت نفسه، فإن تصريحاته الإيجابية حول روسيا ستؤدي إلى حدوث تقارب ملموس في العلاقات مع موسكو..! 

تستند النظرة المذكورة آنفاً، على أن التحول من المواجهة العالمية إلى الاقتصاد العالمي، سيحمل مواجهة جديدة لا مفر منها بين واشنطن وبكين. فترامب، الذي يرى أن المصالح الوطنية تتركز على حماية السوق الأمريكية، يعتزم اتخاذ تدابير حماية ضد الصين، الأمر الذي قد يؤدي إلى توجيه ضربة خطيرة لاقتصادها. 

هذا الوضع، بحسب هذه النظرة، يمنح روسيا فرصة جديدة لرفع العقوبات المفروضة ضدها، ولاستعادة العلاقات مع الغرب بشكل تدريجي. وعلى الرغم من أنه لا يزال هناك فترة شهرين متبقية حتى يتم التسليم الرسمي للسلطة في واشنطن، فقد بدأت عواصم دول العالم في التحضير لوصول الرئيس الأميركي الجديد. 

وقد أتت ردة فعل بكين متحفظة جداً. إذ أعرب المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الصينية، لو كانغ، عن أمله في أن تتبنى القيادة الأمريكية الجديدة «وجهة نظر موضوعية للعلاقات التجارية والاقتصادية» بين البلدين. وجاء ذلك رداً على طلب الصحفيين لتوضيح موقف بكين من بعض التصريحات المتشددة التي ذكرها ترامب في أثناء الحملة الانتخابية. وقال ترامب أكثر من مرة أنه إذا انتخب رئيساً للولايات المتحدة، فهو ينوي تغيير الوضع لحماية مصالح رجال الأعمال الأميركيين المحليين بشكلٍ فعال. 

الخصم واحد.. لا اثنان..!

في الواقع، تشير مثل هذه الطروحات إلى المنطق الميكانيكي الذي بات سمة تشمل معظم التحليلات الغربية لواقع المتغيرات التي تصيب العالم، وتحديداً موازين القوى الدولية. إذ أن الحديث عن مثل هذا الطرح، يستدعي الإجابة عن بعض التساؤلات البديهية، التي يبدو أن المروجين لهذا الطرح لم يلتفتوا إليها، أو لا يريدون الالتفات إليها أصلاً.

ما الذي قد يدفع روسيا إلى التحالف المفترض مع الولايات المتحدة في وجه الصين؟ عملياً، إن الصين هي الحليف الأول للاتحاد الروسي، ولولا هذا التحالف الوثيق بين الدولتين، لما كنا نتكلم اليوم عن حلف صاعد، إذ أن الدولتين، كل على حدة، لا تزال عاجزة عن مواجهة الهيمنة الأمريكية بمفردها، رغم الإقرار بواقع التراجع النسبي المتسارع لهذه الهيمنة على الصعيد العالمي، لكن هذا التراجع هو نتيجة بالأصل للمواجهة الشاملة التي يخوضها الحليفان الروسي والصيني، ومعهما حلفاؤهما الآخرون في العالم، في وجه الولايات المتحدة والدول التابعة لها.

ثم عندما تنهال مراكز البحث والتحليل الغربية على قرائها بالسؤال: «من هو عدو الولايات المتحدة الأمريكي: الصين أم روسيا؟»، فهي تريد من هؤلاء القراء أن يسلّموا منذ البداية بمنطق الفصل بين الحليفين الروسي والصيني، إذ يغدو كلٌّ منهما كياناً مستقلاً بحد ذاته، في إطار المعركة الكونية المفتوحة ضد الهيمنة الأمريكية.

إن خصم الولايات المتحدة، بوصفها مركزاً للقطب المتراجع عالمياً، هو ببساطة القطب الصاعد عالمياً، بكليته، وبمجموع أعضائه، وفي هذه الحالة، لا بد من القول أنه حتى وإن حدثت، افتراضاً، بعض التصدعات في هذا القطب الصاعد، فإن ذلك لن ينهي واقع التراجع الأمريكي، بل من شأنه أن يقلل من حجم الضغوطات على الولايات المتحدة، وهو ما يصبو إليه أكثر الطامحين في الولايات المتحدة اليوم..!