«تل أبيب» تخاف ميزان القوى: فلنبتعد عن المؤسسات الدولية..!

«تل أبيب» تخاف ميزان القوى: فلنبتعد عن المؤسسات الدولية..!

تطابقاً مع نهج «أوسلو»، عقدت السلطة الفلسطينية آمالها على المبادرات الخارجية لحل القضية الفلسطينية، فجاءت «المبادرات» العربية والفرنسية، جنباً إلى جنب مع الزيارات الأمريكية المتكررة إلى المنطقة، بالتزامن مع إمعان الكيان في اعتدائه على أصحاب الأرض.

 

يبدو من العبث مطالبة السلطة الفلسطينية و«رموزها» بموقفٍ حاد حيال مسألة «المبادرات» الخارجية لحل القضية الفلسطينية، رغم اليقين التام بعدم حيادية، بل وارتهان، معظم المبادرات المطروحة حتى اليوم، لا سيما أنها لا تأخذ بعين الاعتبار الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، كما أنها تقف عاجزة عن تحقيق الاستفادة مما تسمح به موازين القوى الدولية اليوم.

أزمة الحركة السياسية

يشي البحث الدائم عن «حلول» عبر القنوات الدبلوماسية، والهيئات والمؤسسات الدولية، بأن السلطة الفلسطينية تقوم بـ«جهود حثيثة» من خلال اللقاءات والزيارات والمؤتمرات، لتحصيل حقوق الفلسطينيين، لكن، وبنظرة عامة على حجم ما يمكن تثميره في الوضع الفلسطيني، تغدو هذه الطريقة الأقل جهداً، والأقل تثميراً، والأكثر أذية بالقضية الفلسطينية، آخذين بعين الاعتبار سلوك كيان الاحتلال، بما يتضمنه من سياسات استيطان مستمرة، حتى في ظل المفاوضات غير المباشرة التي حدثت في السابق.

ويمكن القول: أن السلطة، ببرنامجها السياسي هذا، أدت بالنتيجة إلى تلقي خسارات جديدة تضاف إلى «الخسائر المجانية» التي تحملها الشعب الفلسطيني، نتيجة لنهج «المفاوضات حياة» الذي تغنت به سلطة أوسلو، فما هي هذه الخسارات بالتحديد؟

تكمن الخسارة الحقيقية في: أن «فصائل الانقسام» الفلسطيني لم تستغل الظرف الدولي الراهن، وتستفيد منه بهدف إنتاج برنامج وطني جامع، أساسه المقاومة بالوسائل المشروعة كافة. وفي الواقع، من يقرأ اليوم بعضاً من الخطاب الإعلامي لهذه الفصائل، لا يجد نوايا تلوح في الأفق حول جاهزية هذه القوى للدفع باتجاه إعادة صياغة برنامج وطني موحد، في وقتٍ تثبت فيه الحالة الفصائلية عجزها التام، وتتوسع خلافات المحاور الإقليمية لتطال قلب التنظيم الواحد.

عباس- دحلان: علامَ الخلاف؟

في الوقت الذي تعاني الحركة السياسية من انقسامات وتباينات، تستدعي بشكل طبيعي إيجاد حلول لها، يبرز توحيد الجهود حول برنامج وطني بوصفه المخرج من هذه الأزمة كما أسلفنا. وبينما تجدر الإشارة إلى أن الفرز يجري على أساس القضية الجامعة للشعب الفلسطيني، نرى اليوم أن كتلاً شعبية في الداخل والخارج، قد أشغلت مؤخراً بـ«صراع الديوك» بين عباس ودحلان، أصحاب الخلافات السلطوية غير المبدئية، والتي ليس لها علاقة لا من قريب ولا من بعيد بجوهر القضية الفلسطينية.

الإشارة إلى هذا الخلاف هي جواب على جزء من السؤال السابق، حيال الجزم بنوايا هذه البنية السياسية اتجاه توحيد الصف الفلسطيني، إذ أنه وحتى في ظل استقرار نسبي لوضع السلطة في الفترة الماضية، احتاج الحوار الوطني إلى وسطاء عرب وأجانب، فكيف الحال اليوم في ظل الانقسامات داخل السلطة نفسها..!

على المقلب الآخر، فإن حركة المقاومة الإسلامية «حماس»، ليست بأفضل حال من حيث إقبالها على تغييرات سياسية داخلية تنقل الصراع مع الاحتلال إلى مستوى أعلى، وهي الأخرى يوجد في صفوف جناحها السياسي من يرى في «الجهود الخليجية- التركية»، أملاً لاستعادة حقوق الشعب الفلسطيني، متغاضين عن مستوى التطبيع المتصاعد بين كيان الاحتلال وهذه الدول.

وبعيداً عن الخوض في النوايا، نتساءل: هل فعلاً لا تقرأ القوى السياسية الفلسطينية، المتغيرات العاصفة الجارية في العالم، وتحاول الاستفادة منها في رصّ الصفوف؟ أم أن «أوسلو»، كنهج يسمح بتقاذف القضية، لم يعد كما كنا نسمع عن أنه كان خياراً إلزامياً في حينه، بل بات يمثل بالنسبة للبعض الخيار الاستراتيجي والأسلوب الأنسب لتركيبة السلطة، بعيداً عن متطلبات القضية؟

الكيان يُناظر أمواج الأزمة

الطامة الكبرى بالنسبة للكيان الصهيوني، هي في الدور المتراجع للولايات المتحدة في المنطقة، وهو ما انتقل من التحليلات إلى أرض الواقع بشكل جلي، وحتى إلى التقارير الصحفية الغربية، وتصريحات كبار المسؤولين هناك.

فمن الطبيعي أن يتحرك الكيان، لاتخاذ إجراءات تخفف من وطأة الخسارات التي تعصف بحلفاء واشنطن، كما في الخليج وتركيا، وستصل عاجلاً أم آجلاً بنتائجها إليه، فكيف يدير الكيان الصهيوني ملفاته العالقة الآن؟

أولا: العمل على إقامة علاقات متينة، مع «أيتام واشنطن» في المنطقة، وعلى رأسهم تركيا وحكومات الخليج، وهو ما قطع فيه الصهاينة أشواطاً كبيرة في سياق إقامة تحالف يمكن تسميته بـ«تحالف المأزومين».

ثانياً: العمل على تحقيق مكسب تفاوضي من الفلسطينيين، في آجال زمنية قريبة أو متوسطة، وهي الآجال الزمنية المتوقعة لدخول الأزمة السورية ومعركة الموصل، مرحلة العد العكسي اتجاه الحلحلة، وبالتالي، ظهور الملف الفلسطيني إلى السطح من جديد، لكن هذه المرة بتوازن دولي جديد لا يكون لواشنطن وحدها القدرة على التحكم بمخرجاته. وهذا الافتراض تؤكده بعض الإشارات الصهيونية حيال ملف التفاوض، من بينها ما جاء على لسان رئيس وزراء حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، الذي قال في مستهل جلسة مجلس الوزراء الأسبوعية، 6/تشرين الثاني الحالي: «إن «إسرائيل» تنتظر من الولايات المتحدة أن تبقى متمسكة بالمبدأ القائل إن الصراع الفلسطيني- «الإسرائيلي» لن يحل إلا من خلال مفاوضات مباشرة بين الطرفين، ولكن دون شروط مسبقة، ودون قرارات للأمم المتحدة أو لمنظمات دولية أخرى».

هنا، يدرك نتنياهو أن قدرة الولايات المتحدة على التأهب لدعم مواقف كيان الاحتلال في المحافل الدولية لن تستمر إلى الأبد، وبالتالي، فهو يطرح إبعاد المنظمات الدولية برمتها، بما فيها الأمم المتحدة، عن صياغة قرارات بخصوص القضية الفلسطينية.

وبشكل أكثر تحديداً، تريد حكومة الاحتلال، إبعاد القوى الصاعدة دولياً صاحبة الوزن في الهيئات الدولية، عن مسار المفاوضات الذي اعتادت قوى الغرب على تهيئته وتسهيله، بعيداً عن قرارات الأمم المتحدة التي تحمل في طياتها أكثر ما يخيف الكيان وهو «حق العودة».

أما الدور الروسي المتقدم حيال هذه الأزمة وأزمات المنطقة على العموم، والذي تجلى في زيارة رئيس الوزراء الروسي، ديميتري ميدفيديف للأراضي المحتلة ولقائه في رام الله لعباس مؤخراً، فإنه لا يطيب لكيان الاحتلال، لكنه يصبح يوماً بعد يوم أكثر واقعية وأقل ضماناً لمطامع الكيان.

صراع الديوك لمصلحة الكيان

من جهة أخرى، فإن مسألة الخلاف داخل السلطة الفلسطينية، بين عباس ودحلان، رغم أنها بالتأكيد صراع سلطوي بين رجلين اتفقا على التنسيق الأمني مع الاحتلال، ورفض الانتفاضة الفلسطينية، لكن بالنظر إلى الدور العربي من قبل الخليج والأردن في دعمها لهذا الطرف أو ذاك، فإن هذا الصراع تحول موضوعياً إلى فائدة لمصلحة كيان الاحتلال، الذي يمنّي النفس بطرف مفاوض هو على أعلى درجة من التشرذم والانقسام، وإذا أردنا ربط التحركات الخليجية الأرنية في هذه القضية مع تصاعد مستوى التطبيع مع العدو الصهيوني، فيمكن القول أن صراع «دحلان- عباس» هو مادة دسمة سيعمل عليها الاحتلال طويلاً.

في ضوء هذه المتغيرات الكبرى في المنطقة، على القوى الحية في التيارات السياسية الفلسطينية ومناضلي الانتفاضات والهبة، التقاط هذه اللحظة المهمة من تاريخ المنطقة، على رافعة أساسية هي فكرة المقاومة الشعبية والسير نحو برنامج موحد يلبي تطلعات الشعب الفلسطيني، التي يمكن القول أنها اليوم أقرب مما يتصور الكثيرون للحصول على حقوقها، رغم العوائق التي يصر البعض على تظهيرها على حساب قضية الشعب الفلسطيني.