رئيس الحزب الشيوعي السوفيتي أ . س . شينين يخاطب أبناء روسيا يمكن بناء الشيوعية من جديد بأخطاء أقل وأسس أمتن
· مشكلة الشيوعية ليست في قاعدتها التكنيكية ـ المادية. إنّها تكمن في الناس
· من لم يقدم شيئاً للمجتمع، فلا يحق له أن يطلب شيئاً من المجتمع
نحن ضروريون لكم
أو. س. شينين
ترجمة: شاهر أحمد نصر
"الماركسية ليست دوغما ـ بل دليل عمل". ف.إ. لينين
أيها الرفاق الرأسماليون وخدم رأس المال!
من أنا ولماذا أنا ضروري لكم
أنا ـ أوليغ سيميونيفيتش شينين، رئيس الحزب الشيوعي السوفيتي (أو ما تبقى منه)، عضو آخر مكتب سياسي له. وتستطيعون معرفة باقي التفاصيل عني إذا رغبتم في ذلك. أتوجه إليكم طالباً المساعدة، نظراً لطلب رفاقي مني المشاركة في انتخابات الرئاسة المقبلة في روسيا.
ألم يثر ذلك الضحك لديكم؟ دعونا نضحك معاً.
لماذا أنتم ضروريون لذاتكم
لنبدأ من بعيد قليلاً، مع التنويه إلى أنّ من واجب أي إنسان أن يفكر فيما سأقوله، طبعاً إذا امتلك عقلاً يفكر به.
أنا شيوعي، ولا أحب الرأسمالية، بطبيعة الحال. حتى أية رأسمالية متحضرة، فما بالكم برأسماليتنا الكهفية البدائية. ليس لأنّ الرأسمالية تفتقد إلى العدالة الإنسانية، بل لأنّها تجعل حياة الإنسان فارغة، سخيفة وبلا معنى..
لقد ترأست في بداية حياتي العملية مشاريع بناء عملاقة، يمتلك، على الأرجح، كثيرون منكم مثلها أو يديرها. درت كالسنجاب في العجلة، وعرفت الهدف من تضحياتي: لقد بنيت الشيوعية ـ مجتمع العدالة الاجتماعية، ونتيجة لذلك كانت حياتي ذات معنى. صدقوني، وجد من حولي بين رؤسائي، ومرؤوسي كثيرون أمثالي، عرفوا أيضاً لماذا يعيشون. الحياة هي الحياة، كما الناس هم الناس، فقد كان بين مرؤوسي من لم يحبني، بل خاف مني، إلاّ أنّ الأغلبية كانت تكن الاحترام لي.
هل تعرفون أو تعيشون تلك الحالة التي يحترمكم الناس فيها ليس بسبب السلطة، ولا بسبب الأموال التي تمتلكونها، بل يحترمونكم لشخصكم، لأنّك أنت، أنت!
لقد قمت في تلك السنوات بالأعمال التي تقومون بها حالياً نفسها، فهلا سألتم أنفسكم هل يحترمكم أحد الآن؟ قد يخافكم ـ نعم! وكيف لا يخافونكم، وأنتم تستطيعون قطع أو تقليص موارد حياتهم. لكن نتيجة الخوف ـ ليس الاحترام، بل الحقد والبغضاء. قد يستعطفونكم، ويتملقون ويتزلفون لكم ـ نعم! وكيف لا يتزلفون، وأنتم قادرون على منح الأموال على شكل هبات أو رشاوى لمن يتزلف لكم. وما أن يحصلوا على أموالكم حتى يأخذوا باحتقاركم ـ فهم أذكياء، يعيشون معكم، واستطاعوا العيش. ليس مهماً من هم: ـ سياسي، أم نائب عام، أم نادل: الجميع يشيدون بكم في الوجه، ويحتقرونكم في أعماقهم.
أجل، وبالمقابل يوجد لديكم كثير من المال. لكن ما حاجتكم لكل هذه الأموال؟ ألتشتروا شيئاً ما؟ وهل ينقصكم أي شيء ضروري للحياة الطبيعية؟ ألم تجربوا بعد جميع المأكولات، وتشتروا جميع العاهرات؟ ألم تشتروا بعد عربة ذات "عجلة واحدة"، وفيلا، لذر الرماد في عيون بعضهم؟ وهل يستحق أولئك الذين تذرون الرماد ي عيونهم أن تقوموا بهذا العمل؟ ماذا ستفعلون بهذه الأموال التي تكدسونها؟ هل توصون بدفنها معكم في القبر بعد موتكم؟ آه، نعم ـ يوجد لديكم أبناء، وستتركون كل هذه الأموال لهم. ألا تعتقدون بأنّ أولادكم سيكونون أكثر سعادة لو شقوا طريقهم في الحياة بأنفسهم، بدلاً من أن يتحولوا إلى حيوانات تجتر ما كدستموه لهم؟ إنّهم سيتذوقون جميع أنواع المأكولات، وسيستمتعون بسعادة السكس، إلى آخر مدى؟ ومن ثم وفي آخر المطاف ـ المخدرات. أم أنّكم تجهلون مثل هذه الأمثلة. هل تجلبون السعادة لأولادكم، بحرمانهم من جمع أموالهم بأنفسهم، كما جمعتموها بأنفسكم؟ ويبقى السؤال منتصباً: لأية غاية وهدف تتململون؟ ألأن كل شيء حولكم يتململ؟ إنّهم يتطلعون إليكم. أم لأن ذلك ينتشر في العالم أجمع؟ نتخلى عن الشيوعية، ونجعل هدف حياتنا العيش في جشع أعمى، جشع حيواني ـ فقد العالم صوابه، ويجري ما يسمى بـ "توزيع" العقول.
لقد كان بالإمكان في بداية آب (أغسطس) 1991 إنقاذ البلاد، وتنفيذ إرادة الشعب بالمحافظة على الاتحاد السوفيتي. لولا جبن بعضهم، وتفاهة وضعة آخرين وخيانة فريق ثالث... ومع ذلك فقد أقسم الجميع على الوفاء. من المخيف التفكير في أنّ أعضاء المكتب السياسي وعاملو اللجنة المركزية انضموا طواعية إلى لجنة القضاء على الحزب الشيوعي السوفيتي.
لقد أودعوني السجن في الرابعة والخمسين من عمري. بعد خوضي هذا الطريق العملي، يتبين أن حياتي كانت تكفي لثلاثة إن لم يكن لخمسة أشخاص. ولقد بقيت وفياً للقضايا التي خدمتها. والآن كم يؤلمني أنا ابن الثامنة والستين أن يدمر ما بنيت. لقد تم تدمير جهد وعمل أجيال آبائنا وأمهاتنا ـ الذين بنوا دولة جبارة.
السلطة كانت في خدمة الشعب في الاتحاد السوفيتي. واستطاع "الديمقراطيون" أن يكذبوها ويدوخوا الناس وتطيش رؤوسهم، لكنّ أعيادنا، وأفلامنا، وأغانينا، التي على الرغم من أننا قلما نسمعها، تذكر الجميع بأنّ ـ الحياة كانت حقيقية، وإنسانية، وليست حيوانية كما هي الآن. عندما كان يكلف الإنسان بمركز المسؤولية، كان التلفزيون وجميع الجرائد تسلط الضوء على نهجه العملي. أما الآن فلا يقومون بذلك. لماذا؟ لأن "قادة" البلاد الحاليين بكل بساطة لا يستطيعون أن يظهروا شيئاً إلاّ "مخاطهم". قال هذه العبارة البطل فاسيلي شوكشين أثناء لقائه مع الصحفيين في فيلم "الصحافي".
أي حرفياً: لقد استلمتم كل شيء جاهزاً تقريباً، ولا يوجد ما تظهرونه، باستثناء مخاطكم. إنّه وصف ينطبق على واقع الحال، حسب رأيي.
أقيموا دولة خاصة بكم
لا أحد يهتم بك ـ يقول كثيرون منكم، ـ لقد أودعنا أموالنا في بنوك موثوقة في الخارج، عند حصول أي طارئ سننتقل بسرعة إلى هناك ـ إلى البلدان المتحضرة.
تبدو الفكرة للوهلة الأولى جيدة، لكن للوهلة الأولى فقط.
لنبدأ من سؤال: هل هم بحاجة لكم هناك؟ الغرب ينهب الاتحاد السوفيتي، وأنتم مهمون له هنا، وليس في الغرب، وجودكم ضروري في روسيا لمساعدة الغرب في نهبها. الغرب يحتملكم حتى الآن في الغرب، لكن هل هذا الحب طويل الأمد.
هل أنتم بحاجة إلى التواجد والعيش هناك وسط أناس ذوي قيم وآراء حول الحياة مختلفة تماماً؟ لسبب ما بدا اليهود كسموبوليتيين (لا وطنيين) ـ يستطيعون العيش في أي مكان، تذكروا كيف تهافتوا واندفعوا بشوق إلى إسرائيل في عام 1990، والآن يعود سنوياً من إسرائيل إلى موسكو وحدها أكثر من ضعفي اليهود الذين يسافرون إلى هناك من روسيا كلّها. تعلمون أنّ "الوطن" ليس لفظاً أو كلمة جوفاء فارغة، بل "الوطن" أكبر من ذلك بكثير.
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي يسود في العالم سلوك الكاوبوي بلا رأس. أصبح الآن من الصعب وصف الولايات المتحدة الأمريكية بالدولة. عملياً لا ينتجون شيئاً بأنفسهم، بل يعيشون على حساب الأوراق الخضر التي يطبعونها والتي تحمل صور رؤسائهم. أجل إن العديد من حكومات العالم، بما في ذلك الحكومة الروسية تهيم وتتطلع بلهفة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، لكن مهما كان الموقف من تلك الحكومات، لا يوجد في العالم رئيس أبله يضاهي جورج بوش الابن. فمستواه لا يؤهله أن يكون سائق باص في نيويورك. وبالتالي فالولايات المتحدة الأمريكية، وكل العالم الذي تتهافتون إليه يقوده أبله، أليس هذا صحيحاً.
ما الذي يحصل في مؤسسة يقودها مجنون بلا عقل، لا يدري ماذا يحصل في مؤسسته؟ من الصعب علينا تصور ذلك، لكن دعونا نجرب: ستقاد المؤسسة من قبل من يستطيع أن يقدم لذلك الأبله الورقة الضرورية.
من الذي يقود إذاً هؤلاء الكاوبوي دون رأس؟ ما الذي يريده، وبماذا يفكر ذلك المجهول بالنسبة لنا، من الذي يملك فعلياً السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية، ومن الذي يدفع للرئيس الصوري الورقة "الضرورية" ليوقع عليها؟ وماذا ستتضمن تلك الورقة؟ أليس أمر تجميد الملكية التي تعود إليكم في الخارج؟
الأمريكيون أناس آخرون، وليسوا كما نحن. تعلمون أنّ إيران كان يحكمها شاه، أحبّ الأمريكان، وهم أحبوه كما كان يبدو، لكن تم إسقاط الشاه، الذي قصد الغرب مع أمواله ليعيش هناك، فكر بإحياء سلطته، أما الأمريكان فلقد صادروا تلك الأموال ـ فالشاه لم يعد شاها، ولم يعد ضرورياً لهم، أما الأموال فهي الأموال، وهي ضرورية دائماً لهم.
حصلت الحرب الفيتنامية، وكان هناك فيتناميون صدقوا الأمريكان، وخانوا شعبهم. ثم أجبر الأمريكان على الخروج من فيتنام، وكان عليهم كما يبدو أن يأخذوا معهم الفيتناميين الذين وثقوا بهم. لكن أخذ الخونة إلى أمريكا يتطلب إسكانهم هناك، وتقديم رواتب لهم وغير ذلك. لهذا السبب لم يكتف الأمريكان بعدم نقل الخونة الفيتناميين إلى الولايات المتحدة الأمريكية، بل لم يحرقوا القوائم بأسماء المتعاونين معهم في سايغون، كي يعثر الثوار بسرعة على الخونة ويصفوهم بسرعة. وحصلت الولايات المتحدة نتيجة لذلك على فوائد اقتصادية جمة.
فأين المخرج؟ المخرج واحد وحيد ـ يجب أن يكون وطننا روسيا قوي لدرجة، تجعل الأمريكان يتصرفون بوقار. وهنا أريد التذكير بأنّ روسيا كانت قوية عندما كانت تسمى الاتحاد السوفيتي. لقد كانت قوية، عندما كانت تبني الشيوعية. لا يمكن السباحة في التيار نفسه مرتين، أجل من المستحيل فعل ذلك، لكن يمكن بناء دولة أقوى على أراضي الاتحاد السوفيتي، وأكثر اجتماعية واشتراكية، ـ لماذا لا يشكل ذلك هدفاً لكم؟
حول الملكية الخاصة
أهلاً ـ أسمع جوابكم ـ كيف يمكن خدمة البلاد معك أيها التعاوني! ما إن تستلم السلطة حتى تستولي على كل ما نملك!
أنا شيوعي، وهذه الكلمة مشتقة من كلمة "كومونة ـ تعاونية". لا توجد عدالة مجردة بالنسبة إلي ـ عدالة منفصلة عن مصالح المجتمع، والتعاونية. لذلك يمكنكم تنفس الصعداء ومحاولة فهمي بهدوء.
توجد لدينا كلمة جميلة: "الثورة" ـ أي الاستبدال الجذري للتشكيلة الاجتماعية، بحيث يتم في حالتنا الراهنة تغير عائدية ملكية سائل الإنتاج من مالكيها الحاليين وتأميمها. لن يرضى الملاك الحاليون وسينظمون مقاومتهم للثورة. يؤدي ذلك كما تذكرون إلى الحرب الوطنية، والحرب ـ هي الحرب، تختبئ جميع القذارات الاجتماعية في المؤخرة، ويسقط في المعارك خيرة الناس من الجانبين. وهل يفيد المجتمع القضاء على خيرة أبنائه؟ من الواضح أنه إن لم يكن هناك مفر من الحرب ـ فستقع الحرب. ولكن إذا كان بالإمكان تفاديها، عندئذ يكون البدء بالحرب ليس مستهجناً شيوعياً ـ بل هو خيانة ضد المجتمع.
دعونا نتمعن ونعمل عقولنا ـ هل يمكن تفادي التناحر بين الرأسماليين والشيوعيين؟ كرمى لمواطنينا ولمجتمعنا.
ما الذي يمكن أن يكون سبباً للحرب؟ نزع ملكية وسائل الإنتاج من مالكيها. ولماذا يتم ذلك؟ كي تخدم وسائل الإنتاج هذه المجتمع ككل. أفترض أنكم تفهمون أنّ الهدف هو خدمة ملكية المجتمع، والتأميم ـ مجرد وسيلة.
أجل يوجد كثيرون من الناس الذين يسمون أنفسهم شيوعيين، لأسباب رومانسية يتحلون بها، يعدون التأميم ـ الوسيلة الوحيدة، ولا وسيلة أخرى. بالمناسبة، إذا كان مالك وسائل الإنتاج يخدم ليس شخصه بالذات، بل المجتمع، فلماذا تنزع منه وسائل الإنتاج؟ أليحصل لدينا ما حصل عام 1917 فقط؟ وفقط؟ لتبيان أن التاريخ لم يعلمنا شيئاً؟
إنّ الطريق إلى الشيوعية كمسيرة تاريخية يمكن أن تمر ليس عن طريق الثورة فقط، أي بدفع ثمن باهظ من القضاء على الموارد البشرية والاقتصادية، وعن طريق العنف، بل عن طريق التطور مع المحافظة على قوى ووسائل المجتمع. وهذا الأمر لا يتعلق بالشيوعيين، بل يتعلق بكم أنتم ـ بالرأسماليين.
هل يعد عرضي هذا لكم دليل ضعف أو جبن؟ نعم أنا أخاف، أخاف أن أموت قبل أن أقدم لوطني وللشيوعية كل ما أستطيع فعله. وإذا بقي ما أستطيع فعله هو الموت على متاريس الثورة، فإنني سأموت ـ يمكنكم عدم القلق حيال ذلك. قد يكون لديكم ذلك الاستعداد للموت زوداً عن ملكيتكم، كاستعدادي للموت في سبيل الشيوعية.
لكن القضية ليست هنا.
مشاكل الإدارة
أذكر، بأنني ولمدة عشرين عاماً لم أعمل فقط، بل وقدت أعظم إدارات وتروستات البناء، ومن ثم ولمدة ستة عشر عاماً لاحقة ترأست السلطة الحزبية، أي كنت قائداً في أتشينسك، وخاكانسك ومقاطعة كراسنايارسك. وكنت قائداً ليس سيئاً، بدلالة أن الخائنين الثرثارين غارباتشوف وياكوفليف لم يجدا ذريعة لمنع تقدمي في اللجنة المركزية والمكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفيتي عشية انهيار الحزب والاتحاد السوفيتي. ليس سراً بالنسبة لكم وجود رأي مشوه في المجتمع، مفاده أن أي شخص لديه رغبة يمكنه تبوأ مناصب قيادية. في الحقيقة بعدما شاهدنا الثرثار عديم الإرادة غارباتشوف، والمعتوه الغافي يلتسين، والعبيط الصريح غايدار وغيرهم، من "الراغبين في القيادة"، يمكن أن تتبلور وجهة نظر، وكأن الأمر هكذا، خاصة عندما تنظر إلى موقع القيادة ليس كمكان عمل، بل كمعلف من المزايا. لكن هؤلاء البيرسترويكيين والديموقراطيين، لم يبنوا شيئاً ـ بل دمروا وهدموا، والتدمير ليس بناء، يمكن تكليف الأبله بالتدمير، وهو جدير به لأنّه ونتيجة بلاهته لا يعرف ماذا يفعل.
لعلكم تذكرون أنّه في عام 1990 كانت اليابان هي الوحيدة التي تتفوق على الاتحاد السوفيتي في النمو الاقتصادي. وبناء على معطيات، حتى "مكتب الإحصاء الروسي السنوي" المعاصر، "الديمقراطي الرسمي"، عاش في روسيا السوفيتية في عام 1990 حوالي 148 مليون إنسان، وبلغ إجمالي الناتج الوطني 1102 مليار دولار أمريكي (الرقم مصغر، لكن دعونا نأخذه رسمياً). كان نصيب الفرد الروسي السوفيتي في ذلك العام 7446 دولار. أما في كوريا الجنوبية فقد كان نصيب الفرد في العام 1990 نفسه ـ 5917 دولار. أي إن الفرد المتوسط في جمهورية روسيا الفيدرالية الاشتراكية السوفيتية كان أغنى من المواطن المتوسط الكوري الجنوبي بنسبة 26%.
أما في عام 1993 فقد بلغ متوسط دخل الفرد الواقع تحت قيادة "الثوار الديمقراطيين" من الناتج المحلي 1243 دولار ـ أقل بست مرات عنه في عام 1990، وكذلك أقل بست مرات عن دخل الفرد في كوريا الجنوبية في عام 1993!
بناء على معطيات وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بلغ دخل الفرد من الناتج الإجمالي في روسيا في عام 1999 (تمت زيادته الآن) ـ 4200 دولار ـ لقد راكمتم الخبرة ـ أما في كوريا الجنوبية فقد بلغ ـ 13300!
لو بقيت روسيا سوفيتية، ولم يقد اقتصادها معتوهون عديمو العقل، لانعدم أي مبرر للافتراض بأنّه بالمقارنة مع عام 1990 ستحصل تغيرات ليست في صالح الاتحاد السوفيتي. أي لأصبح متوسط دخل الفرد من الناتج الوطني الإجمالي أكبر بأربع مرات عما هو في كوريا الجنوبية، أو في حدود 16000 دولار، أي بأربع مرات أعلى مما نمتلك تحت قيادة البلهاء الديمقراطيين.
قد يقال لي: إنّهم يسرقوننا، نعم يسرقوننا! لكن سرقة الغني أكثر جدوى من سرقة الفقير، فلماذا كان ضرورياً تدمير اقتصاد روسيا؟ وحتى الآن لم يقم أي ليبرالي متحمس بتفسير الفائدة الناتجة عن قيادته البلاد لمدة 15 عاماً: لم يشرح للشعب لماذا يعيش أفقر بأربع مرات عما كان يمكن أن يكون، ولماذا هذا أفضل من العيش في حالة أغنى بأربع مرات عما يعيش الآن. ولا يكف هؤلاء المنحطون عن محاولة إقناع الناس أنّ الحالة في الاتحاد السوفيتي كانت سيئة، لأنّ الشيوعيين الملعونين وزعوا المواد الاستهلاكية بالبطاقات. وهذه النماذج لا تصلح إلاّ للثرثرة الفارغة، كما قلت.
ما أن أستلم السلطة كشيوعي مختلف، حتى ينتصب سؤال مباشرة، ما العمل معكم؟ مهما كنتم ومن تكونون فالاقتصاد الروسي يعمل تحت إدارتكم، مهما كنتم فإنّكم بذكائكم وعملكم تستولون ليس على جموع البيروقراطيين، بل وعلى الجيش، والمتقاعدين، وبقايا الضمان الاجتماعي. نزع ملكيتكم؟ ومن سيديرها بدلاً منكم؟ "الراغبون في القيادة"؟
هل نعتمد على أمثال غايدار وكرينكو وخادروفسكي (من قادة عملية الخصخصة في الاتحاد السوفيتي إبان حكم غارباتشوف ويلتسين، وهم من أصول يهودية ـ المترجم)، ذوي توجهات أخرى؟ المدير ـ هو تجربة عشرات السنين، ومن يمتلك في البلاد هذه التجربة غيركم؟ يوجد لدى "الراغبين في القيادة" رغبات قد تكون أكثر حماسة للعمل "بشكل أفضل"، لكننا نعي أنهم لن يقدروا على ذلك قبل مضي سنوات ليتعلموا ذلك.
هكذا إذن، أيها الرفاق الرأسماليون وخدم رأس المال، أنا الشيوعي، وسأبقى كذلك، لا يوجد لدي ولا يمكن أن يوجد أي حب لكم. لكن من الضروري ليس لي بل ولشعبي أن تبقوا، خلال المرحلة الانتقالية لبناء الشيوعية على أقل تقدير. هذا ينطبق مع ما تتضمنه الأفلام الأمريكية: "لا شيء أفضل ـ البزنس والبزنس فقط". و"البزنس" يتطلب عدم السماح بانهيار جديد في الاقتصاد الوطني.
يوجد جانب آخر في هذه المسألة. لقد جمدتم الكثير من الأموال في الخارج، وفي حال نزع ملكيتكم هنا سترحلون إلى حيث أموالكم في الخارج (ستصبحون هناك من دون حماية روسيا، وأنتم لا تفهمون ولا تقدرون ذلك). أنتم تعدون تلك الأموال أموالكم، أما أنا فأعدها أموال الشعب. إذا وجهتم هذه الأموال لخدمة روسيا، فسأعدها أموالاً شعبية، موجودة تحت إدارتكم، وأنتم تستطيعون، إذا رغبتم في ذلك، اعتبارها من ممتلكاتكم. في المحصلة جميع الأموال الشعبية توجد تحت إدارة موظفي الدولة، فلماذا لا يكون جزء من هذه الأموال تحت إدارتكم؟ ما الذي ينقصكم عن الموظفين؟
لكن إذا أصررتم على اعتبار تلك الأموال ملككم الشخصي فقط، فماذا سيحصل عندها؟ تستطيعون الإجابة على هذا السؤال بأنفسكم. لنفترض أنّ أحد موظفيكم سرق نقودكم ولا يرضى بإعادتها. كيف تتصرفون؟ أجل، تستأجرون قاتلاً. هل تفترضون أن الحكومة الشيوعية وشعب روسيا الذي يساندها ستكون أغبى منكم، أو أقل حزماً؟
لكن وعلى أية حال هذه الدماء لا تخيفني كثيراً، ولما كانت ليست دماءكم فقط، فمن الضروري أن نعد هذا الإجراء استثنائياً.