الملف اللبناني.. أيام استرداد الكرامة وزعزعة العروش وإذلال الاستعلاء الصهيوني - الأمريكي عملية الوعد الصادق... المقاومة لا تنسى أسراها
نجح فدائيو حزب الله صبيحة الأربعاء 13/7/2006 في توجيه ضربة مؤلمة جداً للمشروع الأمريكي – الصهيوني في المنطقة، سيجعل القائمين الأيديولوجيين والسياسيين والعسكريين عليه يعيدون حساباتهم وقراءاتهم لذهنية أبناء المنطقة وإرادة المقاومة الناضجة في نفوسهم وعقائدهم كلياً، هذه الإرادة الجديدة التي ستكون عنوان المرحلة اللاحقة لا محالة، وسوف تعيد ترتيب أولويات كل من القادة الصهاينة والأمريكيين والعرب (المتخاذلين) على السواء، وسترفع معنويات الجماهير العربية إلى حدود قصوى..
المقاومة استطاعت في عملية «الوعد الصادق» أن تصعق قوات الاحتلال الصهيوني في شمال فلسطين المحتلة، وأن تجعل جنوده المصفحين بالتكنولوجيا يصابون بالهلع ويتساقطون كالفزاعات بين قتيل وجريح، والأهم أن رجال المقاومة تمكنوا خلال هذه العملية المذهلة من أسر جنديين صهيونيين وسحبهم إلى عمق الأراضي اللبنانية، محدثين نقلة شديدة الانعطافية في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي وعلى جميع المستويات ومن كافة الزوايا.
عملية «الوعد الصادق» - وهو الاسم الذي أطلقته المقاومة على هذه العملية التي أوقعت في صفوف قوات الاحتلال تسعة قتلى وواحداً وعشرين جريحاً وأسيرين- جاءت لتؤكد أن المقاومة قادرة بتصميمها وحسن تنظيمها وكفاءتها العالية جداً على تغيير موازين القوى وفرض معايير جديدة على خريطة الحرب الدائرة بين أرباب العدوان الإمبرياليين الدوليين وحلفائهم من رؤساء وقادة وزعماء الأنظمة العربية من جهة، وبين الجماهير العربية المخنوقة المتطلعة إلى التحرر والانعتاق وإثبات الذات والتخلص من الذل والفقر والاستبداد والتهميش والاغتراب وقواهم الوطنية من جهة أخرى..
المقاومة وإن أعلنت أن أسر الجنديين الإسرائيليين غايته فتح الباب أمام عملية تفاوض غير مباشر مع الإسرائيليين من أجل القيام بعملية تبادل تشمل الأسرى اللبنانيين والفلسطينيين، إلا أن ترابط القضايا المصيرية في المنطقة والعدو الواحد المشترك الذي يخطط لتفتيت المفتت وتجزيء المجزأ، يضع ما حدث في إطار جملة الحرب المضادة التي يخوضها الوطنيون الشرفاء عبر قواهم النظيفة في كل بلدان المنطقة من أجل ضرب وإحباط مخططات الصهاينة والأمريكان وتخفيف الضغط عن المقاومين في كل من فلسطين والعراق، والوقوف في وجه سماسرة التطبيع والتيئيس ومروجي الحلول الاستسلامية المقنّعة بأكاذيب الديمقراطية والمدننة والانفتاح..
ومما لا شك فيه أن هذه العملية البطولية قد جاءت في توقيت لبناني – فلسطيني – عربي - إقليمي ودولي شديد الحساسية والخطورة، مما يفتح المجال لكل الاحتمالات والنتائج..، ولكن، ومهما يمكن أن ينشأ من تداعيات ومن تبعات لهذه المبادرة النضالية الرائعة، الاستباقية والاستشرافية، فهو بالتأكيد لن يكون أسوأ مما هو قائم حاليا،ً سواء في الصراع العربي الإسرائيلي، أو في المخططات الأمريكية التي تحاصر المنطقة سياسياً وأيديولوجياً وتحتل قسماً حيوياً منها عسكرياً وقواعدياً، أو في الصراع المرير والمضني والمزمن الظاهر والمبطن بين الشعوب العربية وأنظمة الحكم المستبدة المسلطة عليها. وفي كل الأحوال، فإن التوقيت الذي ربما يكون قد فرضته اعتبارات ميدانية أولاً وأخيراً، لم يعترض عليه إلا الأنظمة التي اشتهرت تاريخياً بعمالتها لكل المستعمرين الذين تعاقبوا على المنطقة، وبعض الأصوات الشاذة والمعولمة في لبنان التي كانت تسعى وما تزال لجعل لبنان رأس حربة جديدة للأمريكان لتحقيق الخطوة اللاحقة لمخططاتهم وأطماعهم في المنطقة..
مجلس الوزراء اللبناني وقبل أي رد فعل صهيوني، سارع لعقد جلسة استثنائية بعيد العملية مباشرة، وذلك تحت مراقبة ومتابعة وضغط السفيرين الأميركي جيفري فيلتمان والفرنسي برنار إيمييه والممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان غير بيدرسون، الذين تحولوا مجتمعين إلى ما يشبه حكومة ظل، وأوعزوا للمجتمعين التعبير عن موقف حازم وحاسم وقوي ضد حزب الله. وهذا ما حدث فعلاً، إذ خرج المجلس ببيان هزيل ورخو أعطى للعالم صورة فضائحية عن هزال المشهد السياسي اللبناني في ظل تسلط الأكثرية النيابية المدعومة من القوى الإمبريالية على القرار السياسي اللبناني، حيث تضمن بيانهم الذي عارضه وزراء حركة أمل وحزب الله إدانة مبطنة للعملية البطولية وتنصلاً من تحمل مسؤولية العواقب التي قد تنتج عنها، وبذلك أعطوا الضوء الأخضر للكيان الصهيوني ليقوم بالانتقام الوحشي ليس من المقاومة العصية على الهزيمة والتلاشي، وإنما من لبنان بكامله شعباً واقتصاداً وبنية تحتية، عبر حرب شاملة بدأت ولا أحد يعلم كيف ومتى قد تنتهي..