عام خيبات الأمل
من كان يتصور، قبل عام من الآن، أن حال معظم القضايا الخلافية في علاقات الولايات المتحدة الخارجية، ستصبح أسوأ مما كانت عليه، بعد مرور أقل من عام على انتخاب باراك أوباما رئيساً للبلاد(؟) بما فيها تردي حال تلك المسائل المثيرة للخلاف والاختلاف التي كانت قد هدأت الضجة المثارة حولها أو أُخمدت منذ عام.
ففي العراق، تابع الرئيس الجديد السير على خطى سياسة جورج دبليو بوش بإخلاص، لنجد عراق الحاضر مهدداً بالانهيار. ومضى إلى إطلاق وعده بخوض «الحرب الصحيحة» في أفغانستان.
ليكن من الواضح حالياً أن سياسة أوباما غدت تلك السياسة نفسها التي أعلنتها، ذات مرة، كونداليزا رايس سياسة رسمية لإدارة بوش قبل عام، والمبنية على صرح الافتراض المهول بأن النصر في أفغانستان ستحرزه حملة عسكرية تغير الهوية السياسية والدينية لمجتمعات آسيا الوسطى، وتعيد بالتالي تشكيلها وفقاً للتصور الأمريكي.
بوقار الطقوس المقدسة لـ«شيوخ الطريقة» البيروقراطية، طرح المستشارون العسكريون أمام الرئيس ثلاثة خيارات: واحدٌ كبير متعذر. وواحدٌ صغير حتى الانتحار. وواحدٌ هو بين الاثنين «صحيح تماماً»، وهو الذي يريدون تحقيقه فعلياً (هذا ما يُسمى بـ«النقلة الإجبارية»). غير أن الفرق العسكرية تحركت مسبقاً، ولن يمر إلا بعض الوقت قبل أن تلوح براياتها مجدداً.
لندع، ولو لبرهة، الكارثة العسكرية التي دخلت دورة التصنيع في ميادين أفغانستان- باكستان للحروب مستحيلة الكسب، كي نتملى من رؤية جانب آخر من مشاكل سياسات الرئيس الأمريكي!
المسألة الكورية مستمرة على الحال التي نعرفها. ويمكن التنبؤ بالتوتر الكامن مع اليابان حتى قبل قيام أوباما بزيارة الحكومة اليابانية الجديدة. إذ تخضع كل الاتفاقيات الأمنية المتقادمة للمراجعة، وكذلك التستر على جرائم الحكومة الديموقراطية الليبرالية اليابانية السابقة.
ذلك أن رؤية الحكومة اليابانية الجديدة لمشهد أمن آسيا الوسطى جيوسياسياً، لم تعُدْ تلك الرؤية السلبية المذعنة التي أظهرها سياسيو الحزب الديمقراطي الليبرالي المنفذون لما تمليه واشنطن أو توحي به إليهم طيلة ستين عاماً. وفي هذه المرحلة، توضع تحت مجهر البحث والتشكيك كل الأسس الشرعية التي سمحت لسبعة وأربعين ألف جندي أمريكي، موزعين على سلسلة قواعد، باحتلال شبه دائم للأرخبيل منذ عام 1945. علاوة على تقليص مهمات القوات البحرية اليابانية وتخفيض عديدها، رغم تعاظم القوة العسكرية الصينية.
تطوِّر الصين سلاحها البحري من أجل تدعيم استحقاقاتها في مجالها الإقليمي، بينما تشهد علاقاتها التجارية مع الولايات المتحدة توترات شديدة. في الخامس من تشرين الثاني فرضت الولايات المتحدة ضريبة «عدم إغراق» بمقدار 99% على أنواع محددة من الفولاذ الصيني للحد من منافسته للإنتاج المحلي الأمريكي. ثم هناك مسألة العجز التجاري الأمريكي مع الصين، الذي يلائم الولايات المتحدة ولكنه لا يلائم الصين؛ وملاحقة العملة الصينية «رنمينبي/ يوان» المقلق للدولار الأمريكي، كظله.
أما في أمريكا اللاتينية، فقد سبق لأتباع أوباما أن سببوا القلاقل، بالمطالبة وبالحصول على الاتفاقية الجديدة بين كولومبيا والولايات المتحدة لإقامة الأخيرة للقواعد العسكرية الجوية على الأراضي الكولومبية، التي تأخذ الصفة «الإستراتيجية» لكونها قواعد مخصصة لسلاح الجو الأمريكي. (افتراضياً، لرد «تهديد» السفن الروسية قبالة السواحل الفنزويلية). فيما السلوك الملتبس لواشنطن في التعاطي مع الانقلاب العسكري في هندوراس ومحاباتها لقادته، لا يمكن اعتبارهما مساهمة بنّاءة في العلاقات الأمريكية - الأمريكية.
وكذلك، فإن شخصية الرئيس الجذابة، وتحدثه عن الفهم والتفهم المتبادلين، وإعلاءه لغة التفاوض فوق لغة التهديد، عاد عليه وعلى الولايات المتحدة بالرضا. لكن كل إجراء عملي قام به لحل قضايا الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، أغضب ونفّر وخيّب بقسوة آمال كل أولئك الذين كانوا يتوقعون منه الكثير، سواء داخل الولايات المتحدة أو على الصعيد الدولي.
استهل أوباما ولايته ببرنامج يهدف إلى إيجاد صيغة حل للصراع العربي الإسرائيلي المزمن. ليس صعباً تخيل نجاحها فيما لو قدّر لها التطبيق فعلياً. لكنْ، بالنسبة للمراقبين المعتادين على خيبات الأمل من جراء متابعتهم لأربعين عاماً (والعداد شغّال) من حطام العلاقات الفلسطينية-الإسرائيلية، بدت خطة أوباما زلّـة قدم حملته إلى ضفة الإفراط في التفاؤل.
الرعاية الدولية كانت مبشرة. وكذلك كان الوضع داخل الولايات المتحدة: فقد ظهر ضعف القبضة الممسكة بخناق رأي يهود أمريكا الذي يهيمن عليه، حتى اليوم، اللوبي الاستيطاني، و«لجنة العلاقات العامة الأمريكية الإسرائيلية» التي يسيطر عليها الليكود. إضافة إلى رغبة التغيير لدى الناخبين اليهود الليبراليين (الغالبية العظمى)؛ وتأسيس لوبي «جيه ستريت» ليبرالي الطابع.
الرئيس الجديد كانت لديه خطة مسلمات بديهية متبادلة: تطبيق الوعد المزمن («خارطة الطريق») بتجميد بناء المستوطنات الإسرائيلية على أراضي الفلسطينيين، مقابل انطلاقة فلسطينية جديدة من المفاوضات الأمنية.
ولكن تبين أن الخطة بأكملها مزحة سمجة. تحدّت إسرائيل أوباما. وأذعن الرئيس الأمريكي تماماً، بعد جدل كلامي تمهيدي لم يسبق له مثيل من حيث حدته، ورضخ للشروط الإسرائيلية. فأعلن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس عن نيته بعدم الترشح لفترة رئاسية ثانية في الانتخابات القادمة، مما يعني بالنتيجة المنطقية أن الشعب الفلسطيني سيُترك لمصيره تحت احتلال عسكري شامل، تكون فيه الحكومة الإسرائيلية هي المسؤولة عن ظروفه، وتأمين معيشة أبنائه، ووجودهم ومصيرهم.
يتهيأ للبعض أن هذا سيشجع الإسرائيليين على دعوة الفلسطينيين للتحول إلى مواطنين مقترعين! ويعتقد بعضهم الآخر أنه سيشجع الإسرائيليين على ضمّ كل فلسطين وإجبار جميع ساكنيها العرب على الخروج منها، إلى مصر أو الأردن.
لعل هناك احتمالات أخرى بين هذين الحدين، ونأمل أن يمعن الرئيس أوباما النظر في أمر ما.
موقع وليام فاف