تعويم سعر الجنيه المصري وآثاره المدمرة على الاقتصاد والجماهير
أعلن رئيس الوزراء المصري عاطف عبيد أن حكومته قررت تحرير أسعار صرف الجنيه المصري بالنسبة للعملات الأجنبية، وقال محافظ البنك المركزي محمود أبو العيون أنه اعتبار من يوم 29 كانون الثاني الماضي ستحدد كل البنوك العاملة في مصر أسعار الصرف الخاصة بها بصورة مستقلة. وبموجب هذا القرار سيسمح لسعر الجنيه المصري حالياً بالتحرك داخل نطاق يزيد حده الأعلى 3% عن سعر مركزي قدره 4.51 جنيه للدولار ويقل حده الأدنى 3% عن هذا السعر، أما أسعار صرف الجنيه في السوق السوداء، فيقل حسب الواقع عن هذه المستويات كثيراً.
والجدير بالذكر أن الجنيه المصري خسر 36% من قيمته خلال أربع عمليات خفض منذ آواخر عام 2000 عندما كان سعره 3.40 مقابل الدولار، وسرعان ما ظهرت النتائج السلبية لهذا القرار، إذ هبط سعر الجنيه المصري لدى بدء التعاملات مع المصارف مقابل العملات الأخرى، إذ أعلنت غرفة التعاملات في أحد المصارف الكبيرة أن سعر الصرف تراوح ما بين 5.28 و 5.38 جنيه مقابل الدولار وإذا ما ثبت السعر على 5.33 قرشاً فذلك يعني خفضاً واقعياً لقيمة العملة بنسبة 3.15%.
موقفان من تعويم العملة
وقد ظهر موقفان متباينان من قرار تعويم الجنيه المصري. فمن جهة رحبت الأوساط المالية الدولية متمثلة بصندوق النقد الدولي وزلمهم في مصر بهذا القرار.
وقد وصف رجل الأعمال السعودي الوليد بن طلال قرار الحكومةالمصرية بتحرير التعامل في سوق الصرف الأجنبي من أي قيود بأنه خطوة شجاعة وأدعى بأنه دليل على متانة الاقتصاد المصري وأثنى على رئيس الوزراء عاطف عبيد لاتخاذه مثل هذا القرار.
ومن جهة أخرى قال الخبير الاقتصادي المصري تامر مصطفى صابر إن تعويم أسواق الصرف كان مطلباً رئيسياً للدول والجهات المانحة لكي تقدم دعماً للاقتصاد المصري، وأشاد صندوق النقد الدولي بالخطورة هذه واعتبرها «إشارة واعدة» بالنسبة لالتزام مصر في «المضي بإصلاحات اقتصادية تعتمد توجهات السوق».
مخاوف الجماهير الشعبية
ومن جهة أخرى، أبدت الجماهير الشعبية الفقيرة بمصر مخاوفها الشديدة من هذا القرار وإن هذه المخاوف برزت إلى السطح بسرعة، وبدا الفزع واضحاً على المواطنين الذين توقعوا ارتفاعاً للأسعار لن يفلت منها أحد بسبب اعتماد المصريين، لا على السلع المنتجة محلياً، بل على السلع المستوردة من الخارج والتي تكلف البلاد نحو 17.4 بليون دولار سنوياً. وأكثر ما يخيف المواطنين الفقراء هو حدوث الانهيار الكبير للعملة المصرية، لأنه لا يهمهم ولاتعنيهم السياسيات المصرفية إلا فيما يمس حياتهم ومستوى معيشتهم المتدني أصلاً، وقد ذاقوا مرارة التخفيضات السابقة على مستوى حياتهم المعيشي وأدى إلى حدوث أزمة كبرى في الاقتصاد المصري. ولاشك أن المصريين سمعوا ماحدث في بلدان أمريكا اللاتينية التي أخذت بهذه «النصائح» وأسفرت عن انهيارات مالية، وحدوث بطالة هائلة ومجاعات دفعت الناس دفعاً للهجوم على المخازن والاستيلاء على ما فيها، كما حدث في الأرجنتين لأن الجوع كافر كما يقال، إن هذه السياسات المعادية لمصالح الجماهير الشعبية أكدت لهذه الشعوب ضرورة التخلي عنها والبحث عن سبل أخرى تحافظ على الثروات الوطنية وتأخذ بعين الاعتبار مصالح الجماهير الشعبية الفقيرة. هذه الجماهير رفعت إلى سدة الرئاسة في عدة بلدان رجالاً وطنيين وتقدميين صمموا على إعطاء الأولوية لمصالح بلادهم ومعيشة أبناء وطنهم كما هو الحال في البرازيل وفنزويلا وغيرهما من بلدان أمريكا اللاتينية.
وإن ما ينتظره الشعب المصري من نتائج وخيمة لهذه القرارات التي أمليت عليهم من الخارج، لن يكون أحسن مما أصاب شعوب أمريكا اللاتينية لأن الشعب المصري، أصلاً يشكل الفقر فيه أكثر من 50% من السكان، وعلى القوى الوطنية المصرية أن تحزم أمرها وتوحد صفوفها للنضال الحازم ضد هذا الخطر الداهم.