العجز في الميزانية السعودية والهرولة نحو الخصخصة

أعلنت الحكومة السعودية، التي تؤمِّن وحدها ثلث إنتاج منظمة «أوبك» أنه من المتوقع أن يبلغ العجز في ميزانية عام 2003، 4/10 مليارات دولار وذلك رغم تجاوز حصة الإنتاج المحددة للسعودية طيلة عام 2002 تقريباً. وتتوقع الحكومة السعودية أن تصل عائداتها النفطية في العام القادم إلى 45.3 مليار دولار، مقابل نفقات قدرها 55.7 مليار دولار.

ولذلك فإن الحكومة السعودية تجد نفسها أمام معضلة لابد من إيجاد حل لها، فهي تواجه انفجاراً سكانياً وتباطؤاً في النمو الاقتصادي، وديناً عاماً شهد ارتفاعاً صاروخياً.

ويوضح الخبير الاقتصادي إحسان أبو حليقة أن مسألة الانفجار السكاني والتباطؤ في النمو الاقتصادي يتطلبان نفقات كثيرة، في حين أن ارتفاع الدين العام يتطلب اقتصاداً في النفقات، وللخلاص من هذا المأزق يقترح، التقتير في النفقات وخاصة العامة، وأن هذا الاقتصاد لن يتحقق إلا عبر إصلاح هيكلي للمالية العامة، على أن يتضمن إلغاء العجز في الميزانية وتشكيل صندوق لتحقيق استقرار في العائدات وتسريع عمليات الخصخصة، وأوضح أبو حليقة أن السبب في هذا الوضع ـ كما يرى ـ  هو أن النفقات الجارية تشمل القسم الأكبر من النفقات العامة ـ أي التي تخص الجماهير الشعبية الواسعة ـ وتمتص أجور الموظفين الذين يفوق عددهم المليون ثلثي الميزانية..  ولكنه أغفل دور الفساد  والنهب  الذي يجري في كل مكان ويؤثر على ميزانية الدولة، وينسى في الوقت ذاته أزمة البطالة التي تستفحل في البلاد والتي تتراوح ما بين 15 ـ 20% من مجموع الأيدي العاملة، وأن الحكومة لا تسعى لإيجاد حل لهذه المعضلة عن طريق بناء مشاريع زراعية وصناعية جديدة لامتصاص الأيدي العاملة التي تتدفق سنة بعد أخرى وتبحث عن عمل، وعوضا ًعن ذلك تتجه الحكومة السعودية منذ تشرين الأول الماضي نحو وضع برنامج خصخصة لبيع نحو عشرين شركة من القطاعات الحيوية للرساميل المحلية والأجنبية بهدف حصد مليارات الدولارات في محاولة السيطرة على الدين العام.

وقد بدأت الحكومة السعودية بالاتجاه نحو التخصيص، وكان في مقدمة الشركات المخصصة هي الشركة السعودية للاتصالات العامة حيث باعت 30% من أسهمها، ويفترض أن تطرح أسهم هذه الشركة في البورصة بالرياض اعتباراً  من شباط 2003 لتصبح ثاني شركة في  السوق المالية من حيث حجم الأسهم بعد مجموعة «سابك» الشركة السعودية للصناعات الأساسية المختصة بالمنتجات البتروكيماوية، حيث تملك الحكومة السعودية 70% منها وباعت 30% من رأسمالها إلى مستثمرين خاصين في أكبر عملية خصخصة جزئية في تاريخ السعودية حتى الآن، والحبل على الجرار.

إن هرولة السعودية نحو الخصخصة لحل الأزمة المالية، هي بمثابة الانتقال من «تحت الدلف إلى تحت المزراب» وهذا يشير بوضوح إلى أنها تريد أن تحّمِل الجماهير الشعبية الفقيرة والمتوسطة أعباء الأزمة المالية التي تعاني منها منذ حرب الخليج الثانية، ومعنى ذلك تقليص الخدمات العامة التي كانت تقدمها الحكومة للمواطنين السعوديين إما مجاناً أو بأكلاف بسيطة كالماء والكهرباء والصحة والتعليم وغيرها وإضافة أعباء جديدة على كاهل المواطنين عوضاً عن اللجوء إلى سبل أخرى لحل الأزمة، وخاصة تحميل الأغنياء الذين يودعون مليارات الدولارات في البنوك الأمريكية ويساعدون الاحتكارات الدولية ويخلصونها من أزماتها، وفي الوقت ذاته ليسوا على استعداد لأن يشاركوا في الداخل بحل الأزمة المستعصية وبناء مشاريع جديدة لامتصاص البطالة المتزايدة سنة بعد أخرى.

 

ويبدو أن الحكام السعوديين يتغافلون عمداً عما جرى للبلدان العربية والأجنبية التي سبقتهم وأخذت بنصائح البنك الدولي وسارت باتجاه بيع القطاع العام الذي دفع الشعب أموالاً طائلة لبنائه وانتهت هذه البلدان إلى حالات الإفلاس والجوع والبطالة وغيرها وغيرها كما هو الحال في مصر، وفي الأرجنتين وفنزويلا وغيرها من بلدان أمريكا  اللاتينية. إن طريق الخصخصة سيفضي إلى نفق معتم ومسدود لأنه سيزيد الأزمة استفحالاً وإجحافاً بحق الجماهير الشعبية الواسعة، وإن من لا يتعظ بما جرى للآخرين فسيندم ندماً شديداً، ولات ساعة مندم.