قتال الموصل: واشنطن لا تريد أن تلكم وجهها بسرعة..!
يواصل الجيش العراقي والشرطة الاتحادية التقدم باتجاه مدينة الموصل، بإسناد من قوات «التحالف الدولي» الذي تقوده واشنطن، وذلك وفق خط بياني بدا متصاعداً بقوة من حيث الإنجاز، ومن ثم انخفض بعد أسبوعين من العمليات التي انطلقت في 17/تشرين الأول الماضي..
جملة من العوامل الفاعلة تؤثر على العملية العسكرية المتواصلة لتحرير مدينة الموصل العراقية، بعضها متعلق بخصوصية الموصل- من حيث مساحتها، وموقعها، وعدد سكانها، ومستوى التحصين الذي قام به تنظيم «داعش» الإرهابي داخل المدينة- أما الجزء الأهم من العوامل، فهو متعلق بالموقف الأمريكي من مسألة مكافحة الإرهاب في المنطقة، وبالتالي، سلوكه في كل من العراق وسورية.
المعركة أصعب مما تبدو
مع انتهاء الأسبوع الثاني من العمليات العسكرية، استطاعت القوات العراقية تحرير ما يقارب من 90 قرية وناحية محيطة بمدينة الموصل، لتصبح بذلك على مشارف المدينة، وسط أنباء عن تحركات حثيثة لـ«داعش» اتجاه مدينة الرقة السورية، تم وصفها بالهروب من معركة الموصل اتجاه «المعقل الأخير» في سورية، لكن تفاصيل ميدانية تؤشر إلى أن تنظيم «داعش» قد أعاد نشر قواته المقدرة بعشرات الآلاف، في مدينة الموصل بشكل أساسي.
في هذا السياق، أشارت صحيفة «نيزافيسيمايا غازيتا» الروسية إلى أن العملية ضد مقاتلي التنظيم، المتحصنين جيداً في مدينة مساحتها أكثر من 180 كم مربع، تعني استمرار المعارك لأشهر عدة، يرافقها سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين، حتى بوجود قوات مهاجمة مقدرة بين 60-80 ألف عسكري، وأن «داعش» استعد خلال أكثر من سنتين للقتال في المدينة، عبر إنشاء تحصينات هندسية، وأنفاق، وخنادق مملوءة بالنفط، وكذلك بشبكة ألغام واسعة في الطرق والجسور والمباني وفي مداخل المدينة.
وفي السياق ذاته، يقول الخبير في مركز تحليل الاستراتيجيات والتكنولجيات، مكسيم شيبوفالينكو، إن اقتحام الموصل سيكون صعباً للعراقيين والأمريكيين، لأنه يكفي النظر إلى ما يجري في حلب لتوقع صعوبة معركة الموصل، بمعنى أن المعارك ستكون شرسة جداً حتى إذا كانت تحصينات المدينة بسيطة.
هذه الصعوبات يرافقها استخدام «داعش»، لسكان الموصل كدروع بشرية، فبحسب الأمم المتحدة هناك 25 ألف مدني يستخدمهم التنظيم الإرهابي كدروع بشرية.
من هنا، يمكن فهم التباطؤ في إنجاز عملية تحرير الموصل عسكرياً، لكن المعيقات لا تقتصر على هذا الجانب فقط، بالنظر إلى المعيقات السياسية المختلقة أمريكياً في إطار التهرب من مسألة «مكافحة الإرهاب» التي يبدو أن واشنطن أجبرت على التعاطي معها بفعل النشاط العسكري الروسي الجدي في هذا الصدد.
حسابات أمريكية معقدة
المتحدث باسم قوات «التحالف الدولي»، جون دوريان، قال: إن «أكثر من 60 دولة تقدم الدعم اللوجستي للقوات العراقية في معركة استعادة الموصل من سيطرة تنظيم داعش»، مضيفاً أن «أكثر من 3 آلاف قنبلة ألقيت على معاقل «داعش» منذ انطلاق العمليات التي كانت فعالة جداً مع مراعاة سلامة المواطنين إن وجدوا»..!
يحاول «التحالف» تكرار هذه الصورة بمساندة إعلامية واسعة، لإظهار مدى «شمولية العملية» العسكرية في الموصل، لكن النتائج التي حققها التحالف منذ حوالي عامين حتى اليوم باتت واضحة، وساعد على إظهارها النموذج الروسي في مكافحة الإرهاب بمستوى نتائجه على الأرض، وإعطاء الروس إشارات متواترة حول اهتمامهم بالعملية العسكرية لمعركة الموصل، فواشنطن اليوم تحاجج موسكو حول التصريحات المتعلقة بوقوع ضحايا من المدنيين جراء العمليات العسكرية في الموصل، وواشنطن مستعدة/ مضطرة للنظر في المعلومات الروسية المقدمة، كما أن هيئة الأركان الروسية أعلنت أنها تراقب الوضع في الموصل وضواحيها حيث تجري عملية «مكافحة الإرهاب»، وتقول على لسان رئيسها، الجنرال فاليري غيراسيموف: أن العسكريين الروس يتابعون كل ما يجري هناك لحظة بلحظة، بواسطة الأقمار الصناعية الاستطلاعية، والطائرات دون طيار.
توحي هذه الأجواء بزيادة الضغوط على الولايات المتحدة في مسألة مكافحة الإرهاب، انطلاقاً من سلوكها المشبوه في العراق منذ ظهور «داعش»، وصولاً إلى الضغوط المستمرة المتعلقة بالطرح المستمر من قبل روسيا لتشكيل «جبهة عالمية واسعة لمكافحة الإرهاب» تحت مظلة الأمم المتحدة،.
لا يعني هذان الحدان (سلوك واشنطن المستمر حتى الآن، والنموذج الروسي لمكافحة الإرهاب) بأية حال من الأحوال عجز واشنطن عن المناورة والمماطلة، لكن ليس إلى تلك الحدود المأمولة سابقاً من طرف الإدارة الأمريكية، باستمرار عمليات مكافحة الإرهاب لعشرات السنين، طالما أن «البراءة» الأمريكية من تهمة المماطلة مقرونة بإنجاز عملية تحرير الموصل، التي تعني إزالة أحد أسباب وجودها العسكري في المنطقة.
تركيا تحاول وتحاول!
في هذه الأثناء، اعتبر رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، في مؤتمر صحفي، يوم الثلاثاء الماضي 1/تشرين ثاني: أن حكومته حريصة على علاقاتها الدبلوماسية مع تركيا، لكنها ستتصدى لأي اعتداء، مضيفاً أن «هناك تصعيداً خطيراً من القيادة التركية في الفترة الماضية، نحن لا نريد مواجهة مع تركيا، لكن إذا فرضت علينا فسيدفع الأتراك الثمن غالياً». هذه التصريحات قابلها وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، بالتقليل من أهمية تهديدات العبادي.
وعلى الرغم من العرض الإيراني لوساطة بين حكومتي البلدين، إلا أن المسألة باقية حتى الآن فوق المنابر الإعلامية للطرفين، مع الحذر من الانزلاق نحو مواجهات عسكرية تعقد المشهد أكثر فأكثر.
وخلال الأسبوع الماضي، برز التقدم الأهم عسكرياً الذي أعلنت عنه القوات العراقية في 2/تشرين الثاني، والمتمثل بالاقتراب من بلدة حمام العليل (15 كم جنوب الموصل)، وسيطرتها على قرى عدة قرب البلدة.
وذكرت القيادة المشتركة في بيان أن قطعات الفرقة15 حررت قرى الخفسان وقطبة القريبة من حمام العليل. فيما استطاع جهاز مكافحة الإرهاب، اختراق حدود المدينة من شرقها، وصولاً إلى مبنى محطة تلفزيون الموصل، في ضاحية كوكجلي.
من جهة أخرى، أعلنت قوات «الحشد الشعبي» المساندة للجيش والشرطة، أنها حررت قرية أم عظام وقرية خبيرات غرب الموصل، وتركز قوات «الحشد» على المناطق المحيطة بتلعفر، المهمة نظراً لإشرافها على طرق إمداد «داعش» بين الموصل والرقة، حيث استطاعت تحرير عين شلهوب، وباتت تحاصر منطقة تل السيف الأثري غرب الموصل.