الحملة العسكرية على «معان» والأوامر الأمريكية
لاتزال الحكومة الأردنية تواصل حملتها العسكرية التي وصفتها بـ«الأمنية» على مدينة معان الجنوبية، وقال ناطق حكومي بأن الحملة لن تتوقف حتى القبض على جميع المطلوبين وتقديمهم للقضاء. وأن قرار الحكومة باعتبار معان منطقة خالية من السلاح، هو قرار لا رجعة فيه وسيبقى ساري المفعول.
معان والسلطة
لقد ظلت مدينة معان، من القواعد الاجتماعية ذات الولاء الراسخ للنظام الملكي الأردني منذ أن حول الاستعماريون البريطانيون إمارة شرق الأردن سنة 1920 إلى مملكة وتنصيب الأمير عبد الله ملكاً عليها. وقد اتسمت هذه المدينة بضعف تطورها الاقتصادي وتخلفها الاجتماعي حيث حافظ النسيج الاجتماعي العشائري على تماسكه، مما وفر ضمانة للاستقرار ورسوخ الالتفاف حول النظام الملكي الموالي للسياسة البريطانية والمنفذ لمخططاتها والجدير بالذكر أن الملك عبد الله اغتاله أحد الفلسطينيين في القدس عام 1948 لأنه أمر بانسحاب الجيش الأردني من مدينتي اللد والرملة الفلسطينيتين وتسليمهما للقوات الإسرائيلية.
إن هذا الوضع الاجتماعي والسياسي لهذه القاعدة الملكية لم يستطع الصمود أمام التحديات الاقتصادية،ومن المفارقات أن هبة نيسان سنة 1989 التي ظهرت على شكل احتجاجات قام بها السائقون في المدينة ضد ارتفاع أسعار المحروقات أرغمت الحكومة على الإسراع في الأخذ بالخيار الديمقراطي المحدود والذي كان قد توقف منذ عام 1975 عندما أطاح انقلاب عسكري بحكومة سليمان النابلسي الوطنية، وظلت البلاد تحت وطأة الأحكام العرفية ردحاً طويلاً، ومع ذلك فإن هذا التحول لم يمنع نشوب احتجاجات أخرى عام 1996 ضد رفع أسعار الخبز وأمكن التغلب على الأزمة حينذاك ومؤقتاً، بتخصيص دعم نقدي للأسر الفقيرة لتعويض فرق الأسعار.
وإذا كانت تلك المشكلات قد اتخذت طابعاً عاماً لشمول القرارات سائر المناطق، وسائر الفئات الاجتماعية فإن المشكلة الناشئة حالياً اقتصرت على معان ومنطقة أخرى قريبة منها وهي المزار الجنوبي ومواطنو معان على حق عندما يرون أن الحكومة الأردنية في حملتها على سكان معان جميعهم كأنها تسعى لتأديبهم بالقوة عقاباً لهم على الاضطرابات التي شهدتها مدينتهم عام 1989 وثم عام 1996.
ماذا وراء الحملة
فماذا تخفي هذه الحملة على هذه المدينة التي كانت حصناً للسلطة ثم تحولت إلى نقطة خوف وقلق لها، حتى جردت هذه الحملة التي تشبه الحملات الإسرائيلية على المدن والقرى الفلسطينية، ولم يعد هناك فرق بين أعمال العدو وأعمال «الصديق والحامي»؟
هل لهذه الحملة علاقة بالأوضاع الاقتصادية الصعبة في البلاد وكانت معان الشرارة التي اندلعت فيها ضد السياسة الاقتصادية التي سارت عليها الحكومات الأردنية السابقة تنفيذاً لأوامر البنك الدولي وهي تستبق الأمور قبل انفجارها!!
أم أن هذه الحملة لها علاقة بالمخططات الأمريكية في المنطقة والتي تحتفظ فيها للأردن بتنفيذ جزء منها، فتضغط ليقبل الأردن بنزول القوات الأمريكية العدوانية لتكون على مقربة من الحدود العراقية، عند المباشرة بتنفيذ أي عدوان محتمل وليأخذ الأردن دوره المنوط به في هذا المخطط كما كشفه الصحفي البريطاني باتريك سيل في أحد مقالاته لاحتلال العراق وتقسيمه وإزالته من خارطة المنطقة ،وخاصة أن الشعب الأردني وقواه الوطنية والإسلامية أعلنت معارضتها الشديدة لأي عدوان على البلد الشقيق وقد رأت الحكومة الأردنية أن تستبق الأمور حتى إذا وقعت الواقعة قامت بتنفيذ المهمات المطلوبة منها دون أي اعتراض،ودون أن يقول لها أحد «ما أحلى الكحل في عينيك».
وقد انتقد النائب الأردني السابق ليث شبيلات الأسلوب الذي اتخذته الحكومة، عند استدعائه للتحقيق معه، بحجة البحث عن إسلاميين بينما كانت الحملة موجهة ضد سكان معان بأكملهم. وتساءل بحق: إذا كانوا يعتقدون أن المسألة تتعلق بعصابات مسلحة خطيرة، كما يزعمون، فأين كانت الحكومة طيلة هذه الفترة، ولماذا لم تتحرك إلا الآن.
إن كل الدلائل تشير إلى أن حملة الحكومة الأردنية على مدينة معان ما هي إلا تنفيذ لما تطلبه واشنطن ولندن، حيث أن هذه المملكة المصطنعة كانت مذ نشوئها أداة وقاعدة لا لصالح العرب بل لأعدائهم.
■ وحيد الشامي